تغيير ملموس في سلوكيات أجهزة الأمن العراقية لاستعادة ثقة المواطن

10 مايو 2024
عناصر من الشرطة في الكاظمية، فبراير 2023 (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- بعد الغزو الأميركي للعراق في 2003، شهد العراق فترات من الرعب وسوء التعامل من قبل الأمن، لكن العامين الأخيرين شهدا تحسنًا في العلاقة بين المواطنين وأجهزة الأمن.
- الحكومة العراقية بقيادة محمد شياع السوداني اتخذت خطوات إصلاحية مثل تخصيص يوم لتلقي شكاوى المواطنين وتشديد العقوبات على الضباط المسيئين، مما ساهم في استعادة الثقة.
- تغيير استراتيجيات القيادة الأمنية وتطبيق القانون بصرامة، بما في ذلك منع الاعتقالات بدون أمر قضائي، أحدث تحولًا في نظرة المواطنين لأجهزة الأمن كحماة، مما يعزز الأمن العام ويبشر بعهد جديد من الاستقرار.

لا تخلو ذاكرة العراقيين، من مشاهد الرعب وسوء التعامل، جراء عمليات الدهم والتفتيش وحملات الاعتقال التي كانت تشهدها مدن عراقية مختلفة على يد عناصر الأمن من الجيش والشرطة، خلال السنوات التي أعقبت الغزو الأميركي للبلاد عام 2003. صور ومشاهد مثّلت سلاحاً ذا حدين في مرحلة يصفها العراقيون بأنها مظلمة، فبينما كانت تلك العمليات تحمل اسم الدولة، إلا أنها كلّفت المؤسسة الأمنية الكثير، وأصبحت أجهزة الأمن العراقية وعناصرها مصدراً لتخويف المواطن بدلاً من أن تكون حامية له. غير أن المواطن العراقي بدأ خلال العامين الأخيرين تحديداً، يلمس تحسناً كبيراً في تعامل أجهزة الأمن العراقية وقوات الأمن في الشارع وفي الدوائر والمؤسسات العامة، بشكل اعتبره مراقبون بداية مهمة لاستعادة ثقة المواطن بقوات الأمن بشكل كامل.

أجهزة الأمن العراقية بخدمة الشعب

ومنذ مطلع العام الحالي، خصصت وزارتا الداخلية والدفاع (في حكومة محمد شياع السوداني) يوماً من كل أسبوع لمقابلة المواطنين العراقيين الوزيرين أو من ينوب عنهما في مقري الوزارتين لتلقي شكاويهم بخصوص أي انتهاكات أو مخالفات يرتكبها أفراد الأمن، وهو إجراء يعتبره العراقيون تطوراً إيجابياً يُحسب للحكومة الحالية.

يتنفس أبو علي (62 عاماً)، وهو من أهالي محافظة ديالى، الصعداء وهو يتحدث مع "العربي الجديد"، عن المقارنة بين المرحلتين، الماضية والحالية، بالقول: "لا قياس، ولا تصح المقارنة بين الفترتين الماضية والحالية، فهناك تحسن في تعامل وأسلوب أجهزة الأمن العراقية نابع من تشديد الحكومة الحالية وإصدارها عقوبات متكررة بحق ضباط وعناصر أمن مسيئين". واعتبر أن "مواقع التواصل الاجتماعي صارت بمثابة عامل ضغط آخر، حيث يتم نشر أي شيء فيه وتتعامل الحكومة الحالية مع ما ينشر بجدية".

ظلّت المؤسسة الأمنية لسنوات بعد 2003 مصدر رعب للمواطن العراقي

ولفت أبو علي إلى أن "المؤسسة كانت لسنوات بعد عام 2003 مصدر رعب للمواطن، فعندما ترى عناصر الأمن يدخلون منطقتك أو بيتك فإنك ستحاول الهرب بأي طريقة كانت للتخلص من اعتقال حتمي"، مؤكداً أنه "لم يبق من تلك المرحلة إلا ما تحفظه الذاكرة من مشاهد مؤلمة، وهي لا تُمحى وتبقى شاهداً مؤلماً وخسارة كبيرة للمواطن وللمؤسسة العراقية".

ولفت إلى أن "رجال الأمن (شرطة أو جيش) كانوا يطوقون المنطقة التي يرومون مداهمتها، ويقتحمون البيوت ويقتادون الرجال والشباب من دون وجه حق، وبطريقة تنمّ عن عدم احترام وامتهان للكرامة، حتى أنك ترى العشرات يُدفعون ويُضربون ويتم زجّهم مكبلين في سيارات الحمل العسكرية إلى المعتقلات من دون أن توجه إليهم تهم واضحة". وأشار إلى أن "الحال تغير اليوم، فعلاقة المواطن مع الأجهزة الأمنية العراقية تحولت إلى علاقة محبة واحترام متبادل، فأنت تشعر بأن عنصر الأمن يعمل لخدمتك وأمنك، وهو يعلم أنه مسؤول عن حمايتك، وأن هذه الأدوار والمسؤوليات هي صلب العلاقة بين الطرفين".

من جهته، أكد المقدم في وزارة الدفاع العراقية علاء البياتي، أن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، يتابع بنفسه عمل المؤسسة الأمنية، ومدى تطبيقها للقانون والالتزام به. وقال البياتي، لـ"العربي الجديد"، إن "المرحلة الحالية هي مرحلة مزدهرة من العمل الأمني في البلاد، فلا حملات دهم، ولا اعتقالات عشوائية، ولا رعب في بيوت العراقيين، بل على العكس تماماً تجد عنصر الأمن محل ثقة وأمن للمواطن".

وأكد البياتي أن "التغيير هو في استراتيجية القيادة فقط، وهذه الاستراتيجية أعادت أولاً للمؤسسة الأمنية هويتها الحقيقية، ومن ثم أعادت إليها ثقة المواطن"، مبيناً أن "التوجيهات العليا من قبل رئيس الحكومة صارمة بمنع أي عملية اعتقال من دون أمر قضائي، والتقارير وخطط العمل وما ينفذ يُعرض أولا بأول على رئيس الوزراء". وتابع: "تُقابل ذلك محاسبة قانونية شديدة للمخالفين من عناصر الأمن الذين يتورطون بمشاكل مع المواطنين بتصرفات فردية، وقد أحيل الكثير من هؤلاء إلى المحاكم وصدرت بحقهم عقوبات بحسب نوع المخالفات التي تورطوا بها"، مشيراً إلى أن "استمرار هذا النهج بتنظيم ومتابعة عمل المؤسسة يصب في صالحها أولاً". وقرّرت الحكومة العراقية في يناير/كانون الثاني الماضي، إخضاع أفراد الأمن إلى فحص تعاطي الممنوعات وطرد من ثبت تعاطيه وإحالة آخرين إلى مستشفيات خاصة.

تصحيح أخطاء من زمن الغزو

وقال عضو مجلس محافظة بغداد السابق أحمد الموسوي، لـ"العربي الجديد"، إن حالة تصحيح ومراقبة ملموسة تجري داخل الجيش وأجهزة الأمن العراقية وهذا يعني انعكاسها إيجابيا على المواطنين بالمجمل. وأضاف أن "الأخطاء لم تتوقف، لكنها فردية، والأهم هو وجود رقيب ومحاسبة ما جعلها تتراجع (الأخطاء) بشكل كبير"، معتبراً أن طريقة بناء أجهزة الأمن التي أشرف عليها الأميركيون بين عامي 2003 و2005، كانت غير صحيحة، وهو ما دفع إلى أن ترتكب الكثير من الأخطاء لاحقاً.

أحمد الموسوي: طريقة بناء أجهزة الأمن التي أشرف عليها الأميركيون كانت خاطئة

ويكرّر مسؤولون وساسة عراقيون، أن المؤسسة الأمنية والعسكرية العراقية بنيت على "أسس غير مهنية" بعد عام 2003، إبان الحاكم المدني الأميركي بول بريمر عقب الغزو الأميركي للبلاد، وهو ما سبّب الكثير من الأخطاء في الفترة الماضية. ومما لا يخفى أن اكتساب ثقة المواطن عاد أيضاً بنتائج إيجابية على عمل المؤسسة الأمنية، من خلال التعاون ورصد أعمال العنف والجرائم المنظمة، وإيصال المعلومة لعنصر الأمن، ليصبح المواطن مصدراً معلوماتياً موثوقاً، وهو ما فقدته المؤسسة خلال السنوات الماضية.

وأكد الناشط المدني معتز الغانمي، أن "هناك تعاوناً كبيراً بين المواطن وعناصر أجهزة الأمن العراقية تحقق في العامين الماضيين"، عازياً ذلك إلى ما وصفه بـ"ما ذاقه العراقيون من انعدام الأمن، وحرصهم على استمرار التعافي الحالي". ولفت في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الجيش والشرطة يحصلون على معلومات شبه يومية من المواطنين، ويتم اعتمادها وتحليلها، وقد نفذت عمليات اعتقال طاولت مجرمين، فضلا عن رصد تحركات العناصر الإرهابية، وتزويد الجيش بالمعلومة لينفذ هجماته وضرباته لتلك العناصر". وأشار إلى أن "تطور العلاقة والثقة المتبادلة بين المواطن وأجهزة الأمن العراقية انعكسا على أمن المواطنين من جانب، وعلى عمل المؤسسة وسمعتها من جانب آخر".

يشار إلى أن بول بريمر الذي عينته الولايات المتحدة حاكماً مدنياً للعراق بعد عام 2003، أقدم على حلّ المؤسسة العسكرية والمؤسسات الأمنية في البلاد، وهو ما تطلب إعادة هيكلتها من قبل الحكومات العراقية التي تعاقبت على الحكم بعد هذه الفترة، الأمر الذي تسبب بتشكيل مؤسسة وصفت بأنها ذات انتماءات وولاءات حزبية وطائفية، وهو ما أثر على سمعة المؤسسة والعاملين فيها.

المساهمون