استبعدت حركة "أحرار الشام" الإسلامية في سورية، الصف الأول من قيادتها لتجاوز أزمة تفجرت أواخر العام الماضي، وأدت إلى انقسام كبير في هذه الحركة المحسوبة على فصائل المعارضة السورية، بل كانت في السنوات الأولى من الثورة، أبرز هذه الفصائل وأهمها، إذ كانت تنتشر في عموم المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام، قبل أن يبدأ دورها العسكري بالتراجع خلال العامين الأخيرين. وأعلنت حركة "أحرار الشام" مساء أول من أمس السبت، تعيين عامر الشيخ (لقبه أبو عبيدة) قائداً عاماً وعسكرياً للحركة، عقب استقالة جابر علي باشا من المنصب، بعد أشهر من الخلافات التي كادت أن تنهي وجود هذا الفصيل. وأوضحت الحركة في بيان، أنها ستعيد تشكيل مجلس قيادتها بإشراف القائد الجديد، مشيرةً إلى أنّ عامر الشيخ من مواليد بلدة قطنا في ريف دمشق الغربي عام 1985، وهو حاصل على إجازة في الأدب الإنكليزي، وكان قد تم اعتقاله عام 2004 من قبل النظام السوري.
عامر الشيخ كان يرأس جناح الحركة في محافظة درعا
وبحسب مصدر في "أحرار الشام"، فإنّ الشيخ كان يرأس جناح الحركة في محافظة درعا، وتمّ ترحيله مع الفصائل المقاتلة إلى الشمال السوري بعد إبرام اتفاقات تسوية مع النظام بإشراف روسي، في جنوب البلاد منتصف عام 2018. ويتخذ الشيخ من بلدة جنديرس في ريف عفرين شمال غربي حلب مقراً له، حيث كان قائد "أحرار الشام" في منطقة غصن الزيتون، وفق مصادر في الحركة. وفي أول تعليق له عقب اختياره قائداً للحركة، قال الشيخ في تغريدة له على "تويتر" إنّ "أحرار الشام ملتزمة بمبادئ الثورة وبوصلتها دوماً نحو حماية الأرض والعرض، وسوف نرص الصف ونوحد الكلمة ونتابع مهمتنا السامية". وأشار إلى أن الحركة "قدمت لهذه الثورة عشرة آلاف شهيد"، مضيفاً "هي جديرة بأن يضحي أبناؤها لأجلها ويتطاوعوا فيما بينهم على بقائها واستمرار مسيرتها المباركة". كما شكر القائد الجديد جميع أعضاء الحركة والباحث ماهر علوش على دوره في حل الخلاف، والقائدين السابقين جابر علي باشا وحسن صوفان. وذكر علوش، أول من أمس على حسابه في موقع تويتر، أنه "خلال الفترة الماضية جرت عدة لقاءات جمعت بين الإخوة في حركة أحرار الشام، تم فيها مناقشة المشكلة الأخيرة، وبحث أسبابها، وكيفية الخروج منها، وإنهائها بما يخدم بقاء الحركة، والحفاظ على وحدة صفها، وتماسكها". وأشار إلى أنه تم الاتفاق على تعيين الشيخ على أن يقوم بإعادة تشكيل مجلس قيادة جديد لها.
وعصفت خلافات داخلية بـ"أحرار الشام" في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فانشطرت إلى تيارين؛ الأول يقوده حسن صوفان القائد الأسبق للحركة ومعه الجناح العسكري، وهذا التيار متماهٍ تماماً مع "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً). أما التيار الثاني، فيقوده جابر علي باشا والذي يرفض التبعية المطلقة لـ"الهيئة" التي تخطط لفرض هيمنة مطلقة على الشمال الغربي من سورية. وتراشق التياران بالبيانات والتغريدات التي وصلت إلى حد "تخوين" صوفان الذي كان ترأس مجلس شورى الحركة في عام 2017، بعد خروجه من سجن "صيدنايا"، أبرز سجون النظام، بعد اعتقال دام 12 عاماً. وأعلن صوفان في تغريدة له موافقته على اختيار الشيخ قائداً للحركة، معتبراً هذا الأمر "انطلاقة جديدة لحركة أحرار الشام الإسلامية، تصب في صالح الثورة وتقوي دورها في الدفاع عن المحرر (المناطق الواقعة تحت سيطرة الفصائل)". وأضاف: "رغم التهويل الإعلامي الذي استمر لثلاثة أشهر، لم يحصل أي اشتباك ولم تُرَقْ قطرة دم واحدة في خلاف إخوة البيت الواحد".
تحاول الحركة تفادي سيناريو التفكك أو الاندماج في فصائل أخرى
ومن الواضح أن الحركة لم تجد بداً من استبعاد قيادات الصف الأول وترقية قياديي الصف الثاني، في محاولة لتفادي سيناريو التفكك أو الاندماج في فصائل أخرى. وكانت نشأت "أحرار الشام" الإسلامية أواخر عام 2011، بعد اندماج أربعة فصائل، هي جماعة "الطليعة الإسلامية"، حركة "الفجر الإسلامية"، "كتائب الإيمان المقاتلة"، إضافة إلى "أحرار الشام". وكانت من أبرز الفصائل التي واجهت قوات النظام في أغلب المناطق السورية، قبل أن تتعرض لنكسة كبرى في سبتمبر/أيلول عام 2014، حين قُتل قائدها وأحد أبرز مؤسسيها، وهو حسان عبود وشقيقاه، مع أكثر من 45 قيادياً آخرين، في تفجير استهدفهم عندما كانوا في اجتماع لمجلس شورى الحركة في بلدة رام حمدان، بريف إدلب شمالي سورية. ولا يزال التفجير يلفه الغموض.
ودخلت حركة "أحرار الشام" بأكثر من نزاع دموي مع "هيئة تحرير الشام" (النصرة سابقاً)، لا سيما خلال عامي 2017 و2019، ما أدى إلى فرض الأخيرة هيمنتها العسكرية على الشمال الغربي من سورية، وتحجيم دور الحركة إلى الحدود الدنيا.
في السياق، قالت مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد"، إنّ حركة "أحرار الشام لم يعد لها وزن عسكري يُحسب حسابه في الشمال الغربي من سورية"، مضيفةً: "فقدت الحركة هيبتها، وتحوّلت إلى مجرد فصيل من جملة عشرات الفصائل التي تُحسب على المعارضة السورية في شمال وشمال غربي سورية". وأوضحت المصادر أنّ "للحركة مجموعات في محافظة إدلب، وخصوصاً في بلدات بنّش ومحمبل والفوعة إلى جانب مدينة أريحا"، مشيرة إلى أنّ للحركة كذلك "انتشاراً في منطقتي عضن الزيتون ودرع الفرات في ريف حلب الشمالي". ولفتت المصادر إلى أنّ الحركة على الصعيد العسكري "لم يبق لديها إلا القوات الخاصة والمتمركزة في بلدتي احسم ودير سمبل في محافظة إدلب".
لم يعد للحركة وزن عسكري كبير في شمال غرب سورية
من جانبه، رأى الباحث السياسي المختص بالجماعات الإسلامية، عباس شريفة، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ الحركة "استطاعت تجاوز الأزمة التي كانت موجودة بين القيادة والجناح العسكري بالخروج بالمقاربة المعتادة، وهي البحث عن قيادة توافقية كلما وصلت الأمور إلى مرحلة استقطاب". ولكن شريفة عبر عن اعتقاده بأنّ هذا الخيار "ستكون له انعكاسات على مستوى أداء الحركة، لأن القيادة التوافقية عادة ما تكون ضعيفة وغير قادرة على التحرك بسبب وقوعها داخل دائرة الاستقطاب وإرضاء الأجنحة". وأضاف: "ربما نحن أمام مشكلة أخرى؛ فالأجنحة داخل أحرار الشام التي رجعت إلى الوراء، وخصوصاً جناح الشيخ حسن صوفان، وجناح القائد السابق جابر علي باشا، قد تتحول إلى قوة ضاغطة على القيادة الجديدة من الخلف، وهذا من الممكن أن يكون له تأثير على أداء هذه القيادة في المرحلة المقبلة، إلا إذا استطاع عامر الشيخ إدارة هذه الأجنحة بشكل جيد وأبقى الاستقطاب في دائرة الاحتواء".