تغيير أمين مجلس الأمن القومي الإيراني: أبرز الدلالات والتوقعات

22 مايو 2023
علي شمخاني الأمين السابق لمجلس الأمن القومي الإيراني (آصف حسن/فرانس برس)
+ الخط -

حملت استقالة أو إقالة علي شمخاني من أمانة المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني تساؤلات عن صلاحيات المجلس وأعضائه ودلالات هذا التغيير، الذي جاء في توقيت حساس إيرانياً، بالنظر إلى الدور الكبير الذي لعبه شمخاني في تحسين العلاقات الإيرانية مع محيطها العربي، فضلاً عن دور المنصب في رسم توجهات المجلس باعتباره مركز صناعة القرار الإيراني في السياستين الداخلية والخارجية.  

صلاحيات مجلس الأمن القومي

تحدد المادة 176 من الدستور الإيراني مهام وصلاحيات المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني وآليات عمله، ويعين رئيس الجمهورية الإسلامية أمين المجلس الذي يعتبر مسؤول إدارة الأمانة ومراقبة التنفيذ السليم لمقررات وقرارات المجلس وأموره الإدارية والتنفيذية. 

وتنص المادة 176 على أن تشكيل مجلس الأمن القومي الأعلى برئاسة رئيس الجمهورية تأتي لغرض تأمين المصالح الوطنية وحراسة الثورة الإسلامية ووحدة أراضي البلاد والسيادة الوطنية، وذلك للقيام بثلاث مهام أساسية:

أولاً: تحديد السياسات الدفاعية والأمنية للبلاد فـي إطار السياسات العامة التي يحددها القائد.

ثانياً: تنسيق النشاطات السياسية والأمنية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية ذات العلاقة بالخطط الدفاعية – الأمنية العامة.

ثالثاً: الاستفادة من الإمكانيات المادية والمعنوية للبلاد لمواجهة التهديدات الداخلية والخارجية. 

وتكون قرارات مجلس الأمن القومي الإيراني نافذة المفعول بعد مصادقة القائد عليها. 

ويتكون المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني من 13 عضواً هم: رؤساء السلطات الثلاث، رئيس هيئة أركان القيادة العامة للقوات المسلحة، مسؤول شؤون التخطيط والميزانية، مندوبان يعينهما المرشد، وزراء الخارجية والداخلية والأمن والوزير ذو العلاقة طبق مقتضيات الموضوع وقائدا الجيش والحرس الثوري. 

ما دور أمين المجلس؟ 

عن دور أمين مجلس الأمن القومي الإيراني في صناعة القرار داخل المجلس، يقول المحلل السياسي الإيراني داود حشمتي، لـ"العربي الجديد"، إن "أمين المجلس الأعلى للأمن القومي لا يملك حق التصويت، لكن القائد (قائد الثورة الإسلامية) يعينه، كما جرت العادة، ممثلاً له في المجلس، وبالتالي يحصل على حق التصويت". 

ويضيف حشمتي أن أمين مجلس الأمن القومي "لا يملك قانونياً وعملياً القدرة على اتخاذ القرار بمفرده، لكنه يملك قدرات في صناعة القرار"، انطلاقاً من إدارته أمانة السر وإشرافه على "التنفيذ الصحيح للقرارات والمقررات" التي يتخذها المجلس، فضلاً عن أنه يتولى مسؤولية الشؤون الإدارية والتنفيذية فيه. 

ويقول الخبير الإيراني إن تلك الصلاحيات تمنح أمين المجلس إمكانية "لعب دور في صناعة القرار بشكل غير مباشر خلال عملية التوصل إلى القرارات في المجلس"، لافتاً إلى أن أمين مجلس الأمن القومي يشرف على اختيار لجان فرعية وفرق عمل من الخبراء والمستشارين وأعمالهم، "وانطلاقاً من ذلك، يكتسب المنصب أهميته". 

ويشير في السياق إلى الدور الذي لعبه أمناء مجلس الأمن القومي الإيراني في عدة ملفات، منها الملف النووي، خلال العقود الثلاثة الماضية، ما يزيد من أهمية الموقع الذي يحتلونه.  

تغيير عادي أم غير طبيعي؟ 

ويرى حشمتي أن تغيير شمخاني "لم يكن أمراً غير طبيعياً"، قائلاً إنه كما تغير أمين المجلس بعد مجيء الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد في 2005، تغير أيضاً بعد انتخاب الرئيس السابق حسن روحاني في 2013، الذي جاء بعلي شمخاني. 

ويشير حشمتي إلى أن الرئيس الإيراني المحافظ، إبراهيم رئيسي، واجه منذ توليه الرئاسة عام 2020 "مطالبة ملحة" من جمهوره المحافظ بضرورة تغيير أمناء المجالس العليا الثلاثة في البلاد: المجلس الأعلى للأمن القومي، المجلس الأعلى للثورة الثقافية والمجلس الأعلى للعالم الافتراضي.  

وبعد تغيير أمناء المجلسين الآخرين، بقيت أمانة مجلس الأمن القومي، حيث تعرض رئيسي لضغوط من جمهوره لإطاحة شمخاني خلال أحداث العام الماضي (الاحتجاجات)، بحسب حشمتي، الذي أضاف أن ما حال دون ذلك هو دور شمخاني في ملف المباحثات مع السعودية، الأمر الذي أجبر معارضي شمخاني على التراجع إلى حد ما، لكن هذا الدور ساهم في تشديد معارضتهم له.   

وبعد رحيل شمخاني من أمانة مجلس الأمن القومي، "ستشعر الحكومة أن بإمكانها الاعتماد أكثر من قبل على المجلس للتنسيق والتعاون دعماً لقراراتها". 

مهام جديدة؟ 

يؤكد حشمتي أن ما يكتسب أهمية أكثر من هوية خلف شمخاني هو "الدور" و"الملف" اللذين سيوكلان إلى مجلس الأمن القومي في عهد أمينه الجديد، لافتاً إلى أنه أحيلت سابقاً ملفات مهمة، مثل ملف القرار 598، إلى مجلس الأمن الدولي الذي انتهت بموجبه الحرب الإيرانية العراقية والملف النووي.  

وعليه، يدعو الخبير الإيراني إلى التريث حتى ظهور ما إذا كان مجلس الأمن القومي سيركز في عهد أمينه الجديد على السياسة الداخلية، أم تُحال إليه مرة أخرى متابعة الملف النووي وينتقل منه إلى السياسة الخارجية. 

ويذكر أن الرئيس الإيراني السابق، حسن روحاني، تمكن من الحصول على موافقة المرشد الإيراني، علي خامنئي، لنقل الملف النووي والمفاوضات مع المجموعة الدولية من الأمن القومي إلى الخارجية تحت إدارة وزير الخارجية السابق، محمد جواد ظريف، وهو ما أدى في نهاية المطاف إلى إبرام الاتفاق النووي عام 2015.  

ويضيف حشمتي حول تأثير غياب شمخاني على عملية تحسين العلاقات الإيرانية مع الدول العربية أن "شمخاني، ولكونه عربياً ينحدر من محافظة خوزستان، كان يمتلك قدرات أكثر ودوافع أكثر لإحداث تغييرات في هذا المجال"، مؤكداً في الوقت ذاته أن هذه الملفات "ليست مشاريع شخصية وإنما ملفات سيادية يقرر النظام بشأنها"، مشيراً إلى أن الاتفاق الإيراني السعودي "حصل بالدرجة الأولى بفضل دور الصين".  

وبناءً على ذلك، فإن رحيل شمخاني، حسب حشمتي، لا يعني نهاية سياسة إزالة التوتر مع الدول العربية، مشيراً إلى أن الاتفاق مع السعودية "على أرض الواقع لم يحقق شيئاً ملموساً لإيران"، مضيفاً أنه "ليس واضحاً ما أُعطي وما أُخذ" بين الجانبين.  

ويتساءل الخبير الإصلاحي ما إذا كان الاتفاق مع السعودية سيعود بالنفع على إيران في ظل السعي الأميركي للحد من الحضور الإقليمي الإيراني، مقدراً أن الصين والسعودية هما الرابحتان من الاتفاق "لكونهما أصبحتا واثقتين من طريق تجارة النفط". 

غير أن حشمتي يرى في الوقت ذاته أنه "إذا ما حقق الاتفاق مكسباً ملموساً لإيران، فبطبيعة الحال، لن يستمر هذا المسار بهذا الشكل"، مشيراً إلى أنه "في تغيير هذا المسار لا يهم كثيراً وجود أو غياب أشخاص مثل الأدميرال شمخاني". 

لن يؤثر على السياسات 

من جهته، يعتبر القيادي السابق في الحرس الثوري الإيراني حسين كنعاني مقدم، في حديث مع "العربي الجديد"، أن رحيل شمخاني عن منصبه حدث "مهم جداً"، لكنه يتفق مع حشمتي في ما ذهب إليه من أن هذا الرحيل لن يؤثر على السياسة الخارجية الإيرانية تجاه الدول العربية والعلاقات مع السعودية. 

وأضاف كنعاني مقدم أن هذه السياسات نابعة من السياسات التي يرسم خطوطها المرشد الإيراني، و"تبقي وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي جهات لتنفيذ تلك السياسات ومتابعتها". 

وتابع أن "هذه السياسات ما زالت قائمة وستستمر ولن يحدث أي عطل فيها" بذهاب شمخاني، موضحاً أن "الخارجية الإيرانية اليوم هي التي تتولى مسؤولية متابعة وإعادة افتتاح السفارات وتطبيع العلاقات مع السعودية"، مؤكداً أن الأمين الجديد للأمن القومي الإيراني سيواصل تنفيذ تلك السياسات، "السياسات في إيران ثابتة ومستدامة ولن تتغير بتغيير الأشخاص".

المساهمون