تعيينات بايدن الدبلوماسية: تمسك بإرث أوباما وتعزيز الشراكات

11 يوليو 2021
رفض غارسيتي الترشح للرئاسة العام الماضي (غاري كورونادو/Getty)
+ الخط -

على غرار فريقه الوزاري للسياسة الخارجية الذي أصبح مكتملاً، يتجه الرئيس الأميركي جو بايدن إلى مواصلة ملء الشواغر الدبلوماسية، بوجوه مألوفة على صعيد الشأن العام، كثير منها عمل طويلاً خلال حقبة الرئيس الأسبق باراك أوباما، ومعظمها من الناشطين البارزين في الحزب الديمقراطي، أو من الممولين الكبار له. وبانتظار أن يعلن البيت الأبيض رسمياً عن اسم "باكورة" سفرائه، سفير الولايات المتحدة الجديد إلى الصين، الدولة التي تبدو واشنطن مصممة على احتواء تمددها الاقتصادي وقوتها العسكرية المتصاعدة، وهو على الأرجح الدبلوماسي السابق نيكولاس بيرنز، فإن دفعة التعيينات الجديدة للسفراء، والتي ستنتظر موافقة مجلس الشيوخ، تؤكد ميل بايدن لمكافأة المخلصين للحزب الأزرق والمقربين منه. هذا الأمر، ليس مختلفاً عن النهج الذي اتبعه سلفه دونالد ترامب، سوى في أن الشخصيات التي يواصل نائب أوباما السابق اختيارها، تعتبر أكثر خبرة في الشأن العام من تلك التي عيّنها الرئيس الجمهوري السابق، وأكثر تمرساً في الحقول التي تعيّن فيها. كما تكمن المقارنة في سرعة التعيين، قياساً بالبطء والفراغ الذي اتسمت به حقبة ترامب، خصوصاً على صعيد الكوادر الدبلوماسية.

تواصل واشنطن توطيد الشراكة مع الهند لمواجهة الصين

وكشف البيت الأبيض، أول من أمس الجمعة، عن أربعة أسماء جديدة لمرشحين لمنصب سفراء في كل من فرنسا والهند وبنغلادش وتشيلي. وتكمن أهمية اختيار سفير للهند، خصوصاً، في المقاربة الأميركية للملف الصيني، حيث تواصل واشنطن توطيد الشراكة مع نيودلهي، وهي شراكة معقدة، نظراً لعدم رغبة الأخيرة في صدام مباشر وقوي مع بكين. أما بالنسبة لأي تعيين دبلوماسي أميركي في أوروبا، فيقع في خانة تعزيز شعار بايدن، وهو العودة الأميركية بقوة لقيادة العالم من منظور "الشراكة" والتشاور مع الحلفاء، وهو ما ينطبق على فرنسا، التي لا تزال مؤمنة بدور قوي لحلف شمال الأطلسي.

ويعتزم البيت الأبيض تعيين دنيز كامبل باور، سفيرةً لفرنسا وإمارة موناكو، بعدما خدمت سفيرة لبلادها في بلجيكا بين عام 2013 ونهاية ولاية أوباما الثانية. وكانت باور، الحائزة شهادة في العلوم السياسية من "أوكسيدنتال كوليدج" في لوس أنجليس، من أبرز جامعي التبرعات لحملتي أوباما الرئاسيتين. وبعد عودتها إلى الولايات المتحدة على أثر فوز ترامب في 2016، استأنفت باور العمل السياسي في 2019 مشاركة في الحملة الانتخابية لبايدن. وتحدث البيت الأبيض في بيان، أول من أمس، عن "مهارتها في إدارة الأزمات وبناء شراكات حول الأمن عبر الأطلسي وتطوير التجارة الدولية".
إلى ذلك، اختار بايدن عمدة لوس أنجليس، إريك غارسيتي، لمنصب سفير واشنطن إلى نيودلهي، مؤكداً المعلومات التي ترددت منذ أشهر حول هذا التعيين. وكان غارسيتي، الذي يحكم ثاني أكبر مدينة أميركية منذ 2013، قد سطع نجمه داخل الحزب الديمقراطي، لكنه رفض الترشح للانتخابات الرئاسية العام الماضي، ويرى مراقبون أنه يسعى إلى تعزيز موقعه في منصب جديد. وفور الكشف عن ترشيح البيت الأبيض له، قال غارسيتي، الذي أمضى 12 عاماً في استخبارات احتياطي البحرية الأميركية: "كرّست حياتي للخدمة العامة. إذا أُقرّ تعييني، فسأنقل الدرجة نفسها من الطاقة والالتزام والحب لهذه المدينة، إلى دوري الجديد، وسأقيم شراكات واتصالات (مع الهند) من شأنها أن تساعد لوس أنجليس". وإذا تمّ تثبيته من قبل مجلس الشيوخ الذي يهيمن عليه الديمقراطيون، وهو أمر مرجح، سيتولى غارسيتي قيادة سفارة ذات تاريخ طويل. ومن بين نزلاء "بيت روزفلت" (روزفلت هاوس)، المقر الرسمي للسفراء الأميركيين في الهند، جون كينيث غالبريث، والمفكر السياسي دانيال موينيهان، الذي أصبح سيناتوراً. لكن الأهم هو أن غارسيتي سيتولى مهامه في نيودلهي، بينما تسعى بلاده إلى تكريس علاقة مزدهرة مع الهند في مواجهة الصين التي تزداد تشدداً، والدولة الأخرى الوحيدة التي يزيد عدد سكانها عن مليار نسمة.

يتوقع أن يعين بايدن المسؤول السابق في الخارجية الأميركية، نيكولاس بيرنز، كسفير واشنطن في بكين

وكان بايدن، فور وصوله إلى البيت الأبيض، قد عمل على تعزيز الشراكة "الرباعية" التي تضم الولايات المتحدة والهند واليابان وأستراليا، أربع ديمقراطيات يجمعها همّ مشترك، هو القوة العسكرية والاقتصادية المتزايدة للصين. لكن غارسيتي، وهو أول يهودي يترأس بلدية لوس أنجليس، سيتوجه أيضاً إلى الهند في أجواء قلق متزايد في الولايات المتحدة، خصوصاً بين الديمقراطيين، بشأن معاملة الأقليات في ظل الحكومة الهندوسية القومية لرئيس الوزراء ناريندرا مودي. وخلال الحملة الانتخابية، عبّر بايدن عن خيبة أمله بشأن قانون الجنسية الذي دفع مودي باتجاهه، والذي يقول معارضوه إنه سيحرم المسلمين من حقوقهم. وانتقدت الخارجية الأميركية العام الماضي، في موقف نادر، الهند، بسبب حملة قمع واسعة النطاق في كشمير ذات الأغلبية المسلمة. كما تواجه الهند تحديات كبيرة تتعلق خصوصاً بوباء كورونا وتلوث الجو، وهما مشكلتان واجههما غارسيتي في لوس أنجليس. ويغادر غارسيتي منصبه في "مدينة الملائكة"، في وقت يواجه فيه انتقادات متزايدة لعدد من المشاكل، من بينها ارتفاع عدد المشردين فيها. كما اتهم نائبه السابق أخيراً في إطار فضيحة فساد تورط مسؤولو المدينة فيها كما يعتقد، بقبول رشاوى بشأن قرارات تقسيم مناطق، بينما اتُهم مساعد كبير آخر له بسوء سلوك جنسي. وبالإضافة إلى ذلك، دعا متظاهرون من حركة "حياة السود مهمة"، بايدن، إلى عدم اختيار غارسيتي لأي دور، بسبب تعامله مع قسم الشرطة. أما بالنسبة إلى مواقفه السياسية، فإن غارسيتي قد أبدى في السابق اهتماماً بالسياسة الخارجية، محذراً في 2018، من تنامي "استبداد جديد" في العالم، ومعتبراً أنه لا يمكن التكهن بسلوك إدارة ترامب التي لا يمكن أن يثق بها الحلفاء.
كما اختار الرئيس الديمقراطي بيتر هاس، وهو موظف في وزارة الخارجية، ليكون سفير بلاده في بنغلادش، بعدما خدم سابقاً رئيساً للقنصلية الأميركية العامة في مومباي في الهند. أما آخر التعيينات التي كشف عنها الجمعة، فهي تعيين برناديت ميهان، الرئيسة الحالية للبرامج العالمية في مؤسسة أوباما، لتكون السفيرة الأميركية في تشيلي، علماً ان ميهان تملك الخبرة لأكثر من عقد في حقل العلاقات الخارجية الحكومي، كما كانت متحدثة رسمية باسم مجلس الأمن القومي الأميركي.
وعلى مجلس الشيوخ أن يصادق على الاختيارات الجديدة، علماً أنه أقر إلى الآن أكثر من 80 اسماً لمرشحي بايدن الحكوميين والفيدراليين، بحسب آخر إحصاء لصحيفة "واشنطن بوست"، وهو يدرس في الوقت الحالي إقرار 160 اسماً آخر.
يذكر أن بايدن كان قد سرّع التعيينات الدبلوماسية خلال الأسابيع الماضية الأخيرة. ومن بين اختياراته الأخرى، يذكر وزير الداخلية السابق كين سالازار، الذي عين أخيراً سفيراً للمكسيك، وتوم نيدس، نائب وزير الخارجية السابق، سفيراً لأميركا في إسرائيل. ويتوقع أن يعين الرئيس الـ46 للولايات المتحدة، المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأميركية، نيكولاس بيرنز، ليكون سفير واشنطن في بكين، وعمدة شيكاغو السابق، راهم إيمانويل، على رأس الدبلوماسية الأميركية في اليابان.

المساهمون