تعيينات الجيش والبنك والبرلمان في تركيا: تكنوقراط أكثر سياسة أقل

09 يونيو 2023
أعضاء من الحكومة التركية، الأربعاء الماضي (أوزجي إليف كيزيل/الأناضول)
+ الخط -

حملت التشكيلة الحكومية والتعيينات الجديدة للمناصب الحيوية والحساسة في الدولة التركية رسائل داخلية وخارجية متنوعة. وبعدما أعلن تشكيلته الحكومية التي حملت العديد من المفاجآت وانطوت على تغيير 15 وزيراً من أصل 17، أجرى الرئيس رجب طيب أردوغان تغييرات بتكليف شخصيات تكنوقراط وذات خبرة في مناصب رفيعة وحساسة.

فقد عيّن الجنرال موسى أفسيفر رئيساً لأركان الجيش التركي، وعاكف تشاغطاي كيليتش كبيراً للمستشارين ووكيلاً لمجلس الأمن القومي، وأيضاً انتخاب نعمان قورتولموش لرئاسة البرلمان التركي، كما يستعد لتعيين حفيظة جاي أركان لرئاسة البنك المركزي.

رئيس أركان الجيش

خلفاً ليشار غولر، الذي أصبح وزيراً للدفاع، تم تعيين قائد القوات البرية السابق موسى أفسيفر رئيساً لأركان الجيش التركي. وأفسيفر كان حاضراً في الانقلاب الفاشل في أنقرة في 15 يوليو/ تموز 2016، حين تحدث مع وسائل الإعلام، معلناً أن القوات البرية أجرت تحضيراتها لحماية الأتراك، مؤكداً استعداده للتدخل في إسطنبول لوقف المسار الانقلابي.

ولد موسى أفسيفر في ولاية قونيا عام 1957، وتخرج من مدرسة كوليلي الثانوية العسكرية عام 1974 ومن الأكاديمية العسكرية عام 1978 كضابط اتصالات، وخدم بعدها كقائد فريق وسرية في الفيلق السابع. وبين عامي 1996 و1998 عمل قائداً لكتيبة طلاب الأكاديمية العسكرية وفرع العمليات والتعليم.

وشغل منصب مدير فرع العمليات والتدريب في قوات السلام التركية القبرصية، وتمت ترقيته إلى رتبة عميد عام 2003. وشغل منصب قائد هيئة الأركان العامة لدعم نظم الاتصالات والمعلومات بين 2005 و2007.


نور الدين أنفر: وجّه أردوغان رسالة مفادها أن الحكومة الجديدة خدماتية لا سياسية

وتمت ترقية أفسيفر إلى رتبة لواء عام 2007، وفي هذه الرتبة شغل منصب رئيس قيادة القوات البرية وإلكترونيات الاتصالات وأنظمة المعلومات بين عامي 2007 و2009. وبين عامي 2011 و2012، شغل منصب رئيس أركان جيش بحر إيجة.

وفي عام 2012، ترقى أفسيفر إلى رتبة فريق، وشغل منصب نائب رئيس الأركان العامة، ومسؤول الاتصالات الإلكترونية وأنظمة المعلومات بين عامي 2012 و2015، وقائد الفيلق الثاني بين عامي 2015 و2016.

رئيس البرلمان

فاز مرشح حزبي "العدالة والتنمية" و"الحركة القومية"، النائب عن ولاية إسطنبول نعمان قورتولموش، برئاسة البرلمان في دورته الجديدة، أول من أمس الأربعاء. وأكد قورتولموش أن البرلمان سيقوم بما يقع على عاتقه لتحقيق رؤية "قرن تركيا"، وسيتخذ خطوات هامة وقوية في سبيل الأهداف القومية التركية.

ويشغل قورتولموش منصب نائب رئيس "العدالة والتنمية"، وهو عضو في اللجنة التنفيذية المركزية للحزب. وُلد قورتولموش في عام 1959 في ولاية أردو، شمالي تركيا، وتتحدر والدته من أصول جورجية، وهو حفيد نعمان قورتولموش، وهو أحد العلماء المعروفين، ومن قادة القوات المسلحة التركية الذين شاركوا في حرب الاستقلال التركية (1919 ـ 1923).

تخرّج قورتولموش من كلية الإدارة بجامعة إسطنبول، وعمل أستاذاً زائراً في جامعة كورنيل الأميركية. وفي عام 2004 أصبح بروفسوراً في كلية الاقتصاد بجامعة إسطنبول، قبل أن يشغل لاحقاً منصب نائب رئيس وزراء تركيا في حكومات "العدالة والتنمية" بين عامي 2014 و2017، ووزير الثقافة والسياحة بين عامي 2017 و2018.

رئيس البنك المركزي

أفادت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية ووسائل إعلام تركية بأن أردوغان يتجه لاختيار حفيظة جاي أركان رئيسة للبنك المركزي التركي خلفاً لرئيسه الحالي شهاب قافجي أوغلو، كأول امرأة تتولى هذا المنصب في البلاد.

تخرجت جاي أركان، وهي من مواليد 1982، من قسم الهندسة الصناعية بجامعة بوغازيجي، وأمضت نحو 8 سنوات في "فيرست ريبابليك بنك" الأميركي، ووصلت إلى منصب الرئيسة التنفيذية وكبيرة مسؤولي الاستثمار في البنك. كما عملت خلال مسيرتها نحو عقد في بنك "غولدمان ساكس"، وعامين في شركة "تيفاني آند كو"، إلى جانب عضويتها في مجالس إدارات شركات أميركية، ما زاد من ترقيها في تركيا.

كبير مستشاري الرئيس

نشرت الجريدة الرسمية التركية المرسوم الرئاسي الخاص بتعيين عاكف تشاغطاي كيليتش كبيراً لمستشاري أردوغان إضافة لصفة السفير. وولد كيليتش عام 1976 في مدينة سيغن الألمانية وأكمل تعليم المرحلة الثانوية في إسطنبول قبل أن يتجه إلى جامعة هيرتفوردشاير البريطانية للدراسة في قسم العلوم السياسية.

وفي 2003، انتسب إلى "العدالة والتنمية" وعمل مستشاراً لرئيس الحزب. وفي انتخابات 2011، دخل البرلمان التركي نائباً عن الحزب، وارتقى إلى منصب وزير الشباب والرياضة في الحكومات الـ61 و62 و63 و64 بين عامي 2013 و2017.

سنان والد عاكف كيليتش كان طبيب أردوغان الشخصي أثناء رئاسته لبلدية إسطنبول. وجدّه إلياس كيليتش من أشد أنصار حزب الشعب الجمهوري، وكان برلمانياً في الحزب لـ19 عاماً. وعمه سردار كيليتش دبلوماسي كبير تولى سفارتي تركيا في واشنطن وطوكيو.


نور الدين أحمد أوغلو: لا أهمية كبيرة لهذه التعيينات في ظل النظام الرئاسي

رسائل ودلالات

في السياق، ذكر الباحث في كلية الإعلام في جامعة مرسين نور الدين أنفر، لـ"العربي الجديد"، أن التشكيلة الحكومية والتعيينات الجديدة في المناصب الحيوية والحساسة، حملت رسالة تغيير من باب نشر أجواء إيجابية حول إمكانية توجه "العدالة والتنمية" لتغيير سياساته، خصوصاً داخلياً.

كما حملت طبيعة الشخصيات التي اختارها أردوغان رسالة مهمة أيضاً لجهة تركيزه على تقديم تشكيلة أقل سياسية وأكثر تكنوقراطية تتضمن أوراقاً رابحة، لعدم غرقها في الجدل السياسي.

وقال أنفر إن "هذه المقاربة بالذات نابعة من سعي الرئيس لتأكيد عزمه على التركيز على المشاكل التي تواجهها البلاد بما يؤدي إلى حلها، وبالتالي تعويض نزيفه في الانتخابات الأخيرة". ولفت إلى أن "أردوغان ركز على إبراز شخصيات لديها تجارب إدارية وعملية سابقة، كما هو الحال مثلاً في نموذج تعيين أفسيفر وجاي أركان فضلاً عن خبراء تقنيين من قلب الوزارات".

ورأى أن "أردوغان يسعى من خلال هذه الخطوة إلى تقديم رسالة واضحة، مفادها أن الحكومة الجديدة حكومة خدماتية آتية للتركيز بشكل خاص على حل مشاكل البلاد المختلفة، من دون التورط أكثر من اللازم في النقاشات السياسية".

سلطوية النظام الرئاسي

من جهته، رأى الباحث في كلية العلوم السياسية بجامعة سكاريا نور الدين أحمد أوغلو أنه لا أهمية كبيرة لهذه التعيينات في ظل النظام الرئاسي الذي بطبيعته سيبقى قدراً لا يمكن تجاهله، عبر سيطرة أردوغان المباشرة على سير وعمل كل المؤسسات السيادية.

وقال أحمد أوغلو لـ"العربي الجديد"، إن "اختيار شخصيات تكنوقراط وذات خبرة في مجالها يشير إلى ذهاب أردوغان نحو منحها مساحة أكبر للتركيز على القضايا التقنية خارج سيطرته المركزية، مع بقائه هو كمسيطر رسمي وفعلي على توجهات البلاد وسياساتها العامة".

وفي ما يتعلق بتكليف وزير الدفاع ورئيس الأركان من الجيش وفقاً للتراتبية، أوضح أحمد أوغلو أن أردوغان سعى إلى تعيين شخصيات أكثر اهتماماً بالجانب التقني العسكري لتجنب إثارة حفيظة الجيش ونخبه، من خلال تعيين شخصيات من بينهم لقيادتهم.