تعثرت النقاشات التي امتدت لمدة ثلاثة أيام منذ الأربعاء الماضي بين الأطراف اليمنية، وبرعاية الأمم المتحدة، في العاصمة الأردنية عمّان، وأخفقت في الوصول إلى حلول بخصوص فتح طرق رئيسية في تعز بما يفضي إلى فك الحصار عنها.
اليمن... غروندبرغ يبحث عن حلول وسط
وتسود مخاوف يمنية من عودة الأعمال العسكرية إلى مختلف مناطق اليمن، لا سيما مع اقتراب هدنة الشهرين من نهايتها (أعلنت في 2 إبريل/ نيسان الماضي)، وبعد الرسائل التي وجّهها كل طرف في اليوم الأخير من مفاوضات الجولة الأولى. ويحاول المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ الضغط من أجل الخروج بحلول وسط حتى لا تنفجر الأوضاع العسكرية من جديد في اليمن، وتقوم بشكل أساسي على إعادة فتح الطرق تدريجياً.
وقال مصدر في وفد الحكومة الشرعية الذي شارك في مفاوضات عمّان، لـ"العربي الجديد"، إنّ المفاوضات تعثرت في الوصول إلى حلّ نهائي. وأشار إلى أنّ الفريق الحكومي المفاوض تمسك برفع الحصار بشكل كامل وفتح جميع الطرقات المؤدية من وإلى تعز وفتح الطرقات في المحافظات. وقال المصدر إنّ الحوثيين يرفضون ذلك، ويتمسكون بطرح حلول غير منطقية لتعقيد المفاوضات والتهرب من فتح المعابر، غير آبهين بمعاناة ملايين اليمنيين، بحسب قوله.
يتوجه غروندبرغ إلى عدن في محاولة للضغط على الحكومة
وذكر المصدر أنّ النقاشات التي تماشى معها مكتب المبعوث الأممي تأتي في إطار ما يسمى البحث عن حل وسط يتم من خلاله فتح طريق أو طريقين يؤديان إلى مدينة الحديدة والساحل والغربي وتحديداً طريق عصيفرة - الستين، وقد يؤدي ذلك إلى السماح باستخدام طريق تعز الواصل إلى المخا والحديدة. وهذه الخطوة، برأي المصدر، تطيل المسافة وتصعب التنقل على المواطنين مع المحافظات الأخرى، كما أنها ترفع تكاليف المواصلات، وهو ما يسعى الحوثيون إليه ليظهروا منتصرين بينما تظل ورقة الحصار في يدهم.
فك الحصار عن تعز يتعذر... وعودة للغة الحرب
من جهتها، كشفت مصادر سياسية متابعة لمفاوضات عمّان لـ"العربي الجديد" أنّه من المقرر أن يتوجه المبعوث الأممي إلى مدينة عدن العاصمة المؤقتة في جنوبي اليمن، لمقابلة رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، من أجل ممارسة الضغط على الحكومة لقبول الحلول التي يسمونها الحلول الوسط في ما يخص مدينة تعز. ويأتي ذلك في ظل تمسك ممثلين عن تعز والحكومة بفتح جميع المعابر والطرق المؤدية من وإلى تعز، بما فيها فتح الطريق بشكل كامل بين تعز ولحج، وبين تعز والضالع، وبين تعز وإب وصنعاء، إلى جانب الطرق المؤدية إلى الساحل الغربي، المخا والحديدة.
في المقابل، قال مصدر في صنعاء مقرب من جماعة الحوثيين لـ"العربي الجديد" إنّ الجماعة تتهم وفد الشرعية بعرقلة المفاوضات بما فيها ملف الأسرى وملف مدينة تعز والمحافظات ويهددون بالعمل العسكري. وحول ما إذا كان الحوثيون فعلاً سيرفعون الحصار بشكل كامل عن مدينة تعز، قال المصدر إن الحوثيين لن يسمحوا بفتح كل الطرق والمعابر في المدينة لأنهم يربطون كل ذلك بالمشهد العسكري ومسار الحرب والصراع بشكل ونهائي، لكنهم قد يسمحون بفتح طريق لتخفيف الضغوط عليهم.
وخلافاً للمفاوضات السابقة، فإن اليوم الأخير من جولة لقاءات عمّان شهد تطوراً مفاجئاً عندما بدأت لهجة عودة الخيارات العسكرية لفرض الحلول من كل طرف، بعدما ظهر وفد الحوثيين في لقاءات عمّان وهو يرتدي الزي العسكري. ووصف مراقبون ذلك بأن الحوثيين يهددون بعودة العمل العسكري من جديد، لا سيما أن هذا الظهور جاء متزامناً مع التصريحات التي أطلقها رئيس المجلس السياسي لجماعة الحوثيين مهدي المشاط من أن قواتهم العسكرية جاهزة لاستئناف القتال إذا لم تف دول التحالف التزاماتها بالهدنة الأممية المعلنة.
لا يريد الحوثيون فتح كلّ الطرق والمعابر في مدينة تعز
وجاء كلام المشاط في لقاء جمعه يوم الجمعة الماضي بنائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع والأمن بحكومة الحوثيين جلال الرويشان ووزير الدفاع في حكومة صنعاء غير المعترف بها دولياً محمد ناصر العاطفي، ورئيس هيئة الأركان التابعة لهم محمد عبد الكريم الغماري، متهماً التحالف بإرسال طائرات تجسسية إلى صنعاء ومناطق أخرى، ومعتبراً ذلك خرقاً سافراً للهدنة وعملاً عدوانياً يتناقض كلياً مع ادعاءاتها بالحرص على السلام.
وعلى غرار رسائل الحوثيين في صنعاء وعمّان، فإن رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي ونوابه قد عقدوا أول من أمس السبت، اجتماعاً استثنائياً بالقيادات العسكرية في قصر المعاشيق في عدن ممثلاً بقيادة وزارة الدفاع وهيئة الأركان العامة والاستخبارات العسكرية، لمناقشة التطورات والأوضاع العسكرية والمفاوضات الجارية في العاصمة الأردنية عمّان لإنهاء الحصار عن مدينة تعز والمحافظات الأخرى.
واتهم اللقاء من سمّاها بـ"مليشيات الحوثيين" بالاستمرار في الخروقات العسكرية والتسبب في سقوط عدد من القتلى والجرحى من أفراد الجيش الوطني إلى جانب العديد من المدنيين بهجمات الحوثيين. لكن المجلس الرئاسي أكد على ضرورة التزام ضبط النفس لما يخدم استمرار الهدنة وتخفيف المعاناة الإنسانية التي فرضتها المليشيات الحوثية على أبناء الشعب اليمني.
تلويح الطرفين بإمكانية عودة الأعمال العسكرية واتخاذ العمل العسكري كخيار لفرض كل طرف خياراته في حال فشلت مفاوضات عمّان، أدى إلى تزايد القلق والمخاوف في أوساط اليمنيين من عودة الحرب، لكن تمديد الهدنة يبقى خياراً قائماً.
وفي السياق، كان لافتاً التقرير الذي نشرته أمس الأحد وكالة الأنباء اليمنية "سبأ" بنسختها التي تديرها جماعة الحوثيين، بعنوان "الهدنة ومناورات العدوان خلال شهرين" والذي جاء في خلاصته أنّ "من المحتمل أن يتم تجديد الهدنة، فالمسار العام الدولي يمضي بهذا الاتجاه، إلّا أنّ الحكومة الوطنية في صنعاء تصر على أنّه لا يمكن القبول بتمديد الهدنة على شاكلتها الراهنة، ولا بد من التعديل فيها وتطويرها، والانطلاق منها نحو حلّ سياسي للأزمة اليمنية".