يتواصل ورود الأنباء عن مقتل معتقلين في سجون النظام السوري تحت التعذيب، ما يؤكد أن نهج الأجهزة الأمنية لهذا النظام لم يتغير، وأن مراسيم العفو التي تصدر بين وقت وآخر والإجراءات التي اتُخذت من قبيل إلغاء المحاكم الميدانية هي حبر على ورق، فالانتهاكات بحق المعتقلين لم تتوقف.
ووثّق "تجمع أحرار حوران" الذي ينقل أنباء الجنوب السوري، مقتل الشاب جمال ممدوح العبيد، من بلدة جاسم، في ريف درعا، تحت التعذيب في سجن صيدنايا العسكري بعد اعتقال دام نحو خمس سنوات.
وأشار التجمع في تقرير له أول من أمس الأربعاء، إلى أن "العبيد عسكري منشق عن قوات النظام، خضع للتسوية في عام 2018 واعتقل في العام ذاته ونُقل إلى سجن صيدنايا العسكري"، مضيفاً أن "والدته كانت قد زارته مرتين في السجن آخرهما في عام 2021، بعدها انقطع تواصل ذوي العبيد معه، ليتم إبلاغهم أنه فارق الحياة، وسلّموهم شهادة وفاة من دون تسليم الجثة"، وفق ما جاء في التقرير.
آلاف القتلى بتعذيب النظام منذ الثورة
كما دُفن الثلاثاء الماضي الشاب محمد إبراهيم خنيفس، من مخيم بلدة اليادودة في ريف درعا، جنوب سورية، بعدما تسلّم ذووه جثته من فرع الشرطة العسكرية في حيّ القابون بدمشق، إثر اعتقال دام ثلاثة أشهر، وكان عسكرياً منشقاً عن قوات النظام. وذكر التجمع أنه أحصى أسماء 12 معتقلاً من أبناء محافظة درعا، قُتلوا نتيجة التعذيب في سجن صيدنايا العسكري منذ مطلع العام الحالي.
وفي السياق، أوضحت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" أن 15301 سوري قُتلوا تحت التعذيب منذ عام 2011 وحتى أكتوبر/تشرين الأول الماضي، جلّهم في سجون النظام، بينهم 198 طفلاً و114 امرأة.
الشبكة السورية لحقوق الإنسان: هناك ما لا يقل عن 155604 ما بين معتقل ومختفٍ قسرياً في سورية منذ مارس 2011
وتظهر بشكل دائم أسماء لمعتقلين قُتلوا تحت التعذيب في سجون النظام السوري، على الرغم من المراسيم التشريعية التي تتضمن قوانين عفو رئاسي، آخرها مرسوم العفو رقم 36 لعام 2023، والذي صدر قبل أيام قليلة. وكان الأسد ألغى في الثالث من سبتمبر/أيلول الماضي، محاكم الميدان العسكرية، بيد أن الوقائع تؤكد أنه لا يزال يمارس انتهاكاته في السجون وفي مراكز الاحتجاز القانونية وغير القانونية، وهو النهج الذي اتّبعه منذ انطلاق الثورة في عام 2011. وأوضح المرسوم، أن القضايا المرفوعة أمام "محاكم الميدان العسكرية" ستُحال "بحالتها الحاضرة إلى القضاء العسكري لإجراء الملاحقة فيها وفق أحكام قانون العقوبات وأصول المحاكمات العسكرية".
ورأى المحامي والحقوقي السوري عبد الناصر حوشان، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "كلّ القوانين التي أصدرها النظام أو التعديلات على قوانين قائمة، وحتى المراسيم، لم تكن لمعالجة مشكلة اجتماعية أو قانونية، وإنما هي لخدمة النظام وملاحقة معارضيه ومصادرة أموالهم". وأشار إلى أن هدف النظام البعيد من مراسيم العفو "ذرّ الرماد في عيون المجتمع الدولي، وكي يوحي له أنه يقوم بتعديل سلوكه".
تحركات غير فعّالة للمجتمع الدولي
وعلى الرغم من تقارير منظمات دولية غير مشكوك في مصداقيتها عن مقتل آلاف السوريين تحت التعذيب، لم يتحرك المجتمع الدولي للتعامل الجدّي مع هذا الملف الأكثر إيلاما للسوريين، بيد أن قضاة في محكمة العدل الدولية، أمروا في منتصف شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، النظام السوري، باتخاذ إجراءات لوقف التعذيب في سجونها، في إطار تدابير طارئة في قضية رفعتها هولندا وكندا على دمشق في محكمة العدل الدولية، وذلك في أول قضية أمام العدالة الدولية بشأن انتهاكات النظام منذ عام 2011.
وقالت محكمة العدل الدولية، إن النظام السوري يجب أن يتخذ كل التدابير لـ"منع أعمال التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو القصاص، القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة". ودعت المحكمة النظام السوري إلى اتخاذ إجراءات فعّالة لـ"منع إتلاف الأدلة، وضمان الحفاظ على جميع الأدلة المتعلقة بأعمال التعذيب وغيرها من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة".
عبد الناصر حوشان: هدف النظام من مراسيم العفو ذرّ الرماد في عيون المجتمع الدولي، وكي يوحي له أنه يقوم بتعديل سلوكه
ورفض النظام الخوض في ملف المعتقلين لديه في كل محطات مسار أستانة، خشية مواجهة دعاوى في محكمة العدل الدولية. وتؤكد "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" أن هناك ما لا يقل عن 155604 ما بين معتقل ومختفٍ قسرياً في سورية منذ مارس/آذار 2011، حتى أغسطس/آب الماضي، منهم قرابة 135253 شخصا، أغلبهم في سجون النظام، وبينهم آلاف الأطفال والنساء.
غير أن الوقائع تشير إلى أن عدد المعتقلين لدى النظام هو أكبر من الأرقام المتداولة، فأغلب المليشيات التابعة له لديها سجون ومعتقلات خاصة بها تمارس من خلالها ابتزاز ذويهم. كما تؤكد الشبكة في تقارير لها، أن "عمليات الاعتقال التعسفي هي نهج واسع"، وأن النظام السوري "يستمر في عمليات الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري بصرف النظر عن مراسيم العفو التي يصدرها".
وكانت منظمة العفو الدولية قد وثّقت في تقرير نشرته بدايات العام 2017، إعدامات جماعية بطرق مختلفة نفّذها النظام السوري في حق المعتقلين في سجن صيدنايا. وفي تقرير حمل عنوان "المسلخ البشري"، ذكرت المنظمة أن إعدامات جماعية شنقاً نفّذها النظام بحق 13 ألف معتقل، أغلبيتهم من المدنيين المعارضين، بين عامي 2011 و2015. ووصفت المنظمة سجن صيدنايا العسكري بأنه "المكان الذي تذبح فيه الدولة السورية شعبها بهدوء". وكانت "العفو الدولية" وثّقت في منتصف عام 2016 مقتل 17723 معتقلاً، أثناء احتجازهم في سجون النظام، بين مارس 2011 وديسمبر/كانون الأول 2015، أي بمعدل 300 معتقل كل شهر.
وقبل سنوات، سرّب مصوّر كان يعمل لدى النظام، أُطلق عليه لاحقاً اسم "قيصر"، وكان مكلّفاً بتصوير جثث المدنيين من ضحايا التعذيب والقتل، أكثر من 55 ألف صورة لـ11 ألف شخص قتلوا خلال السنوات الأولى من الثورة السورية داخل معتقلات نظام بشار الأسد، تبدو على جثثهم آثار التعذيب بالكهرباء والضرب المبرح، وتكسير العظام، والأمراض المختلفة، ومن بينها الجرب، إلى جانب الغرغرينا والخنق. وبين القتلى، فتيان تتراوح أعمارهم بين 12 و14 عاماً، ونساء وشيوخ يتجاوز عمر بعضهم 70 عاماً.