تعديل قانون غسل الأموال: خدمة للمقربين من النظام المصري

25 ابريل 2022
وافقت حكومة مدبولي على تعديل القانون (أشرف الشاذلي/فرانس برس)
+ الخط -

أعربت مصادر سياسية وقضائية مصرية، عن غضبها وشكوكها في الأهداف الحقيقية من التعديلات الأخيرة التي أقرتها الحكومة على بعض أحكام قانون مكافحة غسل الأموال، نظراً لأن التعديلات تحمل شبهات كبيرة بشأن مجاملة عدد من الشخصيات القضائية، والاقتصادية، والسياسية، المقربة من دوائر النظام المصري.

وقالت المصادر إن هناك أهدافاً سياسية أخرى تتعلق بالتعديلات الجديدة على القانون، إذ إن طريقة اختيار القائمين على تنفيذه، وكذلك المهام والمسؤوليات التنفيذية لهذه التعديلات، ستحوّله إلى أداة سياسية يمكن استخدامها ضد الأفراد، والكيانات التي لا يرضى النظام عنها.


يُبقي التعديل على شقيق السيسي على رأس لجنة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب

وأوضحت أنه يمكن بالتالي مطاردة الأفراد والكيانات بسبب عدم الرضا عنهم، نظراً لوجود مواد فضفاضة في اللوائح والإجراءات، وهو ما قد يحوّل القانون من وسيلة لمكافحة جريمة غسل الأموال، إلى طريقة للعقاب على مواقف سياسية بعينها.

الإبقاء على شقيق السيسي رئيساً للجنة

وفي خطوة من شأنها منح المستشار أحمد سعيد خليل السيسي، شقيق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، امتيازاً خاصاً، بشأن استمرار تواجده على رأس لجنة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وافق مجلس الوزراء المصري، خلال اجتماعه الأسبوع الماضي، برئاسة مصطفى مدبولي، على مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون مكافحة غسل الأموال، الصادر بالقانون رقم 80 لسنة 2002.

وتنص التعديلات الجديدة على أن "ينشأ في البنك المركزي المصري وحدة مستقلة، ذات طابع خاص لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، تُمثل فيها الجهات المعنية، وتتولى الاختصاصات المنصوص عليها في هذا القانون، ويكون للوحدة مجلس أمناء يرأسه أحد الخبرات القضائية الذي لا تقل مدة خبرته عن 15 عاماً في محكمة النقض، أو إحدى محاكم الاستئناف".

وهو التعديل الذي تمت هندسته خصيصاً ليتواءم مع شقيق السيسي، الذي لم يتبق له في خدمته سوى بضعة أشهر قليلة قبل أن يحال للتقاعد لبلوغه سن الـ70 عاماً.

وفي 16 أكتوبر/تشرين الأول 2016، أصدر رئيس الوزراء المصري السابق شريف إسماعيل، قراراً بتشكيل مجلس أمناء وحدة مكافحة تمويل الإرهاب، برئاسة شقيق السيسي، الذي يشغل منصب نائب رئيس محكمة النقض، وهي أعلى سلطة قضائية في البلاد.

ونصت التعديلات التي أقرها مجلس الوزراء المصري، في اجتماعه الأخير، على أن "تضم اللجنة في تشكيلها كلاً من النائب العام أو من يمثله، ونائب محافظ البنك المركزي، ونائب رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية، ورئيس هيئة مستشاري مجلس الوزراء، وممثلاً لاتحاد بنوك مصر، وخبيرا في الشؤون الاقتصادية، يختاره الوزير المعني بالشؤون الاقتصادية، والمدير التنفيذي لوحدة مكافحة غسل الأموال".

كما نصت على أن "يُلحق بالوحدة عدد كافٍ من الخبراء من أعضاء السلطة القضائية والمتخصصين في المجالات المتعلقة بتطبيق أحكام هذا القانون، وتزود بمن يلزم من العاملين المؤهلين والمدربين".


ينص التعديل الجديد على أن يُصدر رئيس الجمهورية قراراً بتشكيل مجلس الأمناء وبنظام إدارة الوحدة

ووفقاً لأحد المصادر، الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، فإن التعديل الجديد من شأنه أن يتيح لشقيق السيسي الاستمرار على رأس لجنة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ذات المخصصات المالية الكبيرة لأعضائها.

وأوضح أنه وفق القانون الحالي لا يسمح له بالاستمرار، حيث ينص في مادته الثالثة على أن "تنشأ في البنك المركزي وحدة مستقلة ذات طابع خاص لمكافحة غسل الأموال، تمثل فيها الجهات المعنية وتتولى الاختصاصات المنصوص عليها في القانون"، وهو ما يعني ضرورة أن يكون من العاملين في الهيئات القضائية المعنية، وهي الصفة التي سيفقدها شقيق السيسي ببلوغه سن التقاعد.

وتابع المصدر أن "التعديل أسقط تلك الصفة، واستبدلها بأن يترأس اللجنة أحد الخبرات القضائية، ما يعني إمكانية استمرار شقيق السيسي في رئاسة اللجنة طوال حياته".

وينص التعديل الجديد على أن "يُصدر رئيس الجمهورية قراراً بتشكيل مجلس الأمناء، وبنظام إدارة الوحدة، وبنظام العمل والعاملين فيها، وذلك من دون التقيد بالنظم والقواعد المعمول بها في الحكومة والقطاع العام وقطاع الأعمال العام".

وتتبع وحدة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب "وحدة التحريات المالية المصرية" بمجلس الوزراء. وأنشئت عام 2002 بموجب قانون مكافحة غسل الأموال الصادر بالقانون رقم 80 لسنة 2002.

وتهدف الوحدة إلى "تحسين أنظمة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، الموجودة لدى كافة المؤسسات المالية العاملة في مصر، حتى تحول دون استغلالها في غسل الأموال الناتجة عن أنشطة إجرامية، أو في تمويل الأنشطة الإرهابية". وتتولى "تلقي وتحليل وتوزيع الإخطارات التي ترد إليها من المؤسسات المالية إلى الجهات المختصة".

وألزمت التعديلات المؤسسات المالية، وأصحاب المهن والأعمال غير المالية، وأي شخص طبيعي أو اعتباري، بتنفيذ الآليات التي تصدرها الوحدة، تنفيذاً للاتفاقيات والمعاهدات والمواثيق الدولية ذات الصلة بتمويل الإرهاب وتمويل انتشار أسلحة الدمار الشامل، إعمالاً لحكم المادة 21 من هذا القانون.

ونصت التعديلات على أنه "لا يشترط صدور حكم بالإدانة في الجريمة الأصلية، لإثبات المصدر غير المشروع لمتحصلات الجريمة"، وعلى أن "يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة، أو بغرامة لا تقل عن مبلغ 100 ألف جنيه (نحو 6370 دولاراً)، ولا تجاوز مبلغ 300 ألف جنيه كل من يخالف أحكام المادة (9 مكرراً 1) من هذا القانون".

اختصاصات واسعة لوحدة مكافحة غسل الأموال

وتتمتع هذه الوحدة باختصاصات واسعة في الرقابة على الحسابات البنكية للأشخاص والشركات والكيانات التي تدور حولها شبهات غسل الأموال، أو دعم الإرهاب، أو تلقي الأموال من جهات أجنبية، وترفع أعمالها للنيابة العامة. ويمكنها التوصية بالتحفظ على الحسابات المصرفية وتجميدها.


ارتبط اسم شقيق السيسي بعدد من الوقائع التي أثارت الجدل في الأوساط السياسية والقضائية

وتمر القوانين وتعديلاتها بعدة مراحل حتى إصدارها. وتكون المرحلة الأولى لتشكيل القانون من خلال اقتراح من أحد أعضاء مجلس النواب، أو من الحكومة التي تقوم بإعداد نصوص القانون وترسلها إلى قسم التشريع بمجلس الدولة لمراجعته وإعادة صياغته مرة أخرى كي يتفق مع الدستور المصري ومع الأحكام المستقرة بالدستورية أو الإدارية العليا.

ويتم بعد ذلك إرساله مرة أخرى إلى مجلس النواب لمناقشته، في ضوء الملاحظات التي أتمها مجلس التشريع، وتتم الموافقة عليه ثم رفعه إلى رئيس الجمهورية لإصداره.

إشادة سريعة بالتعديلات

من جهتها، لم تنتظر عضو اللجنة التشريعية بمجلس النواب، عبلة الهواري، مناقشة التعديلات بالمجلس، وعلقت مباشرة على موافقة الحكومة على مشروع قانون تعديل بعض أحكام قانون مكافحة غسل الأموال، لإنشاء وحدة مستقلة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

وقالت الهواري، في تصريحات صحافية، إن "القانون مهم جداً لتحسين تصنيف مصر في مكافحة غسل الأموال والإرهاب، وتعزيز التعاون المشترك مع المنظمات العالمية في هذا الإطار".

وأضافت أن القانون "سيخضع لمناقشات واسعة" نظراً لأهميته، موضحة أن "وحدة مستقلة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، تأتي بمثابة التحقق من الأموال، وأنها في حالة وجود شبهة غسل أموال، سيتم إخطار النيابة واتخاذ الإجراءات القانونية، للتأكد من صحة ذلك".

والمستشار أحمد سعيد السيسي، الشقيق الأكبر للرئيس المصري، يبلغ من العمر 69 عاماً، وتخرّج من كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، قبل أن يعيّن مستشاراً في مجلس الدولة، ثم عين قاضياً في محكمة النقض، وذلك بعد 10 سنوات من العمل قاضياً منتدباً في دولة قطر.

وارتبط اسم شقيق السيسي بعدد من الوقائع التي أثارت الجدل في الأوساط السياسية والقضائية، كان أبرزها تعيين ابنته هاجر في النيابة الإدارية عام 2014، بالمخالفة للقواعد، حيث كانت حاصلة على تقدير مقبول، وتبع ذلك تعيين نجله عبد الرحمن بالنيابة العامة في عام 2015.

وفي أعقاب ذلك فجر انتداب نجل شقيق الرئيس للعمل بدائرة مكتب النائب العام، بقرار من النائب العام حمادة الصاوي، غضباً واسعاً في الدوائر القضائية، بسبب حداثة سنه وعدم تمتعه بالخبرة القضائية، حيث تم تجاوز كافة القواعد والأعراف القضائية في القرار.

المساهمون