تعديل قانون الانتخابات في العراق: محاولة لإعادة مكاسب القوى التقليدية

01 ديسمبر 2022
فرز الأصوات في انتخابات 2021 في بغداد (أيمن يعقوب/الأناضول)
+ الخط -

جاء إعلان رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي الأسبوع الماضي، عن سعي تحالف "الإطار التنسيقي" إلى العودة لقانون الانتخابات القديم المعروف بـ "قانون سانت ليغو"، بمثابة تأكيد آخر على عمل القوى السياسية الرئيسية في البلاد لنسف أبرز ما تحقق بعد تظاهرات عام 2019 الشعبية في البلاد، وهو سنّ قانون انتخابات جديد يعتمد على فوز الأكثر أصواتاً وفق نظام الدوائر المتعددة، بما يسمح للقوى المدنية والحركات الجديدة التنافس.

المالكي والحديث عن تعديل قانون الانتخابات

ويعكف "الإطار التنسيقي"، الذي يضم عدداً من القوى السياسية المقربة من طهران، على مشروع تعديل قانون الانتخابات الحالي في البرلمان قبل الذهاب إلى تحديد موعد انتخابات جديدة في البلاد.

وكان المطروح خلال الأسابيع الأخيرة تعديلاً يطاول بنود العد والفرز الإلكتروني ليكون يدوياً، وكذلك مسألة كوتا النساء ضمن الدوائر المتعددة، إلا أن المالكي تحدث عن الذهاب إلى تعديل القانون الحالي بالعودة إلى القانون القديم، المعروف باسم قانون "سانت ليغو"، ووفق قاسم انتخابي بواقع 1.7 في الدائرة الواحدة. وفي السياق، قال المالكي في حديثٍ لقناة محلية: "جميع الكتل السياسية وافقت على تغيير قانون الانتخابات إلى قاعدة سانت ليغو 1.7، ويعني أن المحافظة تعود لتصبح دائرة واحدة، لأنني غير مقتنع بالقانون السابق".

نوري المالكي: جميع الكتل السياسية وافقت على تغيير قانون الانتخابات إلى قاعدة سانت ليغو 1.7

و"سانت ليغو" هي طريقة رياضية في توزيع أصوات الناخبين على القوائم الانتخابية المشاركة، فتُقسم الأصوات على 1.3 تصاعدياً، حينها تحصل القوائم الصغيرة على فرص أكبر للفوز بمقاعد برلمانية، وكلما ارتفع القاسم الانتخابي، أي من 1.6 وأكثر، قلّت فرص تلك القوائم وزادت مقاعد الائتلافات الكبيرة. وهذه الطريقة "غير متوازنة" بحسب أعضاء في الأحزاب الجديدة، لأنها تمكّن الأحزاب التقليدية التي تمتلك المناصب في الدولة والمال السياسي، من الوصول إلى مجالس المحافظات بسهولة.

لكن عضواً بارزاً في تحالف "الإطار التنسيقي"، قال لـ"العربي الجديد"، إنه من "الإجحاف تحميل القوى السياسية الشيعية مسؤولية حراك تعديل القانون الانتخابي. القوى السنّية والكردية تريد أيضاً العودة للقانون القديم، كونه يضمن بقاءهم في الصدارة". وأضاف: "انتزع قانون الدوائر المتعددة للقوى المدنية مقاعد جيدة من حساب الأحزاب الرئيسية، وبالتالي فإن القوى التقليدية كلها تريد العودة للقانون القديم، حتى وإن ادّعى بعضها عكس ذلك أمام الإعلام". وأقرّ بأن "العودة للقانون القديم ستجعل من الصعب على القوى المدنية والحركات الجديدة الحصول مجتمعة على ربع ما حصلت عليه في الانتخابات الأخيرة (أُجريت في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2021)".

وحققت قوى مدنية ومستقلة عراقية أبرزها "امتداد"، و"جيل جديد"، و"اشراقة كانون"، 49 مقعداً بالبرلمان الجديد (من أصل 329)، لكن تكتلين فقط منها نجحا في تشكيل ائتلاف داخل البرلمان وهما "امتداد" و"جيل جديد" بواقع 21 مقعداً برلمانياً، وهي نسبة جيدة بحسب مراقبين، لا سيما أن أغلب القوى المدنية، بما فيها الحزب الشيوعي، قرر مقاطعة الانتخابات. واعتمد العراق في الانتخابات الأخيرة على قانون انتخابات قسّم المحافظات إلى دوائر انتخابية متعددة، وذلك استجابة للضغوط الشعبية التي كانت تتمثل بالحراك الاحتجاجي الذي كان يطالب بإجراء انتخابات برلمانية مبكرة، وتغيير مفوضية الانتخابات التي تم تغييرها بالفعل، والتصويت على قانون انتخابات جديد.

وحول هذه التطورات، كشف عضو البرلمان العراقي محمد الشمري، عن بدء مناقشات برلمانية متعلقة بتعديل قانون الانتخابات. وقال في تصريحات صحافية، إن "إجراء الانتخابات يحتاج إلى ثلاث نقاط أساسية، وهي توفر الإرادة السياسية، ووجود قانون ينظم العملية الانتخابية، الذي يُناقش حالياً داخل البرلمان لاختيار الطريقة الانتخابية، سواء طريقة سانت ليغو أو غيرها. أما النقطة الثالثة فهي الذهاب إلى الدائرة الواحدة أو المتعددة على مستوى المحافظة، وهذا سيُقرر خلال الفترة المقبلة".

في السياق، قال النائب في البرلمان عن تحالف "الإطار التنسيقي"، محمد الصيهود، إن "معظم القوى السياسية ترى قانون الانتخابات السابق سبباً في الكثير من المشاكل، ومجلس النواب ينتظر وصول القانون الجديد من الحكومة الجديدة". واعتبر في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "القانون السابق تسبب بمشاكل تطورت إلى مشاحنات غير اعتيادية بين القوى السياسية"، في إشارة إلى المواجهات المسلحة بين الصدريين وفصائل مسلحة مرتبطة بقوى "الإطار التنسيقي"، داخل المنطقة الخضراء في بغداد وفي البصرة في أغسطس/آب الماضي. لكن الصيهود استدرك بالقول: "بكل الأحوال لا يزال الوقت مبكراً للحديث عن القانون، لأنه سيخضع لنقاشات كثيرة على مستوى اللجان البرلمانية من جهة، والأحزاب من جهة ثانية".

محي الأنصاري: حديث القوى التقليدية عن العودة إلى قانون (سانت ليغو) احتيال على الشعب

بدوره، وجد النائب المستقل، هادي السلامي، أن "السعي لإعادة قانون (سانت ليغو) بنسخته السابقة والمرفوضة من الشعب العراقي والقوى الوطنية، هي محاولة للنيل من كل فرص الإصلاح في البلاد، ومحاولة العودة إلى المربع الأول وعدم تقدم عجلة التغيير". وأكد في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "القوى الوطنية والأحزاب الجديدة لن تسمح بذلك، لأن توجه الأحزاب الكبيرة حالياً، وهي خاسرة في الانتخابات البرلمانية الماضية، هو إقصاء الأحزاب الجديدة التي تشكلت بعد انتفاضة تشرين الأول 2019، ومنع صعود الشخصيات الوطنية والمستقلة إلى المناصب".

إصرار القوى التقليدية على العودة للقانون القديم

ولفت السلامي إلى أن "الأحزاب التقليدية تخشى من أن تتحول إلى أحزاب صغيرة مع استمرار النفور الشعبي منها، بل تريد أن تبقى بالسلطة بأي شكلٍ من الأشكال"، مشيراً إلى أن "قانون الدوائر المتعددة، أكثر نزاهة وتمثيلاً للشعب العراقي، وذلك باعتراف معظم المنظمات الدولية، لكن بسبب استفادة المستقلين منه وتحولهم إلى قوة مؤثرة، فإن الأحزاب التقليدية تريد سحق كل الجهود الديمقراطية للتغيير".

من جانبه، أكد رئيس حراك "البيت العراقي" محي الأنصاري، أن "حديث القوى التقليدية عن العودة إلى قانون (سانت ليغو) هو أول احتيال على الشعب العراقي لتعود الهيمنة لقوى الفساد والمحاصصة وتقصى القوى المدنية والوطنية الناشئة والصغيرة، التي لا تملك المال والسلاح كما هي القوى الأخرى ولا تستخدم موارد الدولة لبناء الإمبراطوريات الاقتصادية للأحزاب". ورأى الأنصاري في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "قانون سانت ليغو الأصلي من دون كسور، هو القانون الذي يتلاءم مع وضعنا السياسي في البلد كونه يعطي الفرصة بشكل متساو، لا سيما مع القوى المدنية والناشئة التي لا تملك المال والسلطة وتستخدمهما في تشويه أهم مخرج من مخرجات الديمقراطية وهي الانتخابات، وتحويلها لعملية طاردة للحس الوطني من خلال استخدام الوسائل غير المشروعة".

بدوره، رأى المحلل السياسي العراقي كتاب الميزان، أن "الإطار التنسيقي والكتل المنضوية فيه، كانت أكبر المتضررين من القانون الذي جرى اعتماده في انتخابات 2021، حين جرى اعتماد طريقة الدوائر المتعددة ضمن المحافظة الواحدة، وحالياً هذه الأحزاب المتضررة والخاسرة في الانتخابات السابقة تمسك بزمام الحكم ومسيطرة تقريباً على قرارات الحكومة والبرلمان، وبالتالي فهي تريد إعادة القانون الذي يمكنها من السيطرة أكثر، وهو قانون سانت ليغو بنسخته 1.7". وأوضح الميزان في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "اعتماد هذا القانون سيؤدي إلى عودة الأحزاب التقليدية إلى الواجهة مرة أخرى، وستقوم بإعادة ترتيب أوراقها عبر السيطرة على مجالس المحافظات، واتخاذ القرارات في المدن العراقية وفق الرؤى الحزبية المتفرقة. كما أنه سيؤدي إلى عدم تمكين الأحزاب الصغيرة والجديدة والشخصيات المستقلة".

تقارير عربية
التحديثات الحية


 

المساهمون