بدأ أعضاء في مجلس النواب المصري الحديث عن تعديلات مرتقبة في الدستور، قد تصل إلى حد صياغة دستور جديد للبلاد ليتناسب مع انطلاقة "الجمهورية الجديدة". وهو مصطلح أطلقته وسائل الإعلام الموالية للرئيس عبد الفتاح السيسي أخيراً، لاقتراب موعد افتتاح العاصمة الإدارية الجديدة، الواقعة في قلب الصحراء على بعد 45 كيلومتراً، شرقي العاصمة القاهرة. وكشفت مصادر برلمانية مصرية لـ"العربي الجديد"، أن الدائرة القانونية المقرّبة من السيسي، التي يقودها محمد أبو شقة، عضو اللجنة العليا للإصلاح التشريعي، ونجل وكيل مجلس الشيوخ بهاء الدين أبو شقة، تدرس إدخال تعديلات موسعة على مواد الدستور خلال الفترة المقبلة، تمهيداً لإرسال مسودة بهذه التعديلات إلى الحكومة لأخذ الرأي والتشاور، ممثلة في وزارتي العدل وشؤون المجالس النيابية. وتوقعت المصادر فتح مجلس النواب ملف تعديل الدستور في دور انعقاده السنوي المقبل، لإفساح المجال للدوائر القانونية للانتهاء من صياغة مسودة محكمة لتعديلات الدستور، تطاول العديد من المواد التي كان من المفترض تعديلها في استفتاء عام 2019، وتخوّف النظام من طرحها حتى لا تؤثر سلباً على عملية تمرير تعديلات الدستور، التي استهدفت في المقام الأول استمرار السيسي في الحكم حتى عام 2030. وأوضحت أن الموجة الثانية من التعديلات الدستورية ستستهدف العديد من المواد الشائكة، وفي مقدمتها المادة السابعة من الدستور التي تنصّ على أن "الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام على كافة شؤونه، وهو المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشؤون الإسلامية، ويتولى مسؤولية الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية في مصر والعالم. وشيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل، وينظم القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء".
المادة السابعة من الدستور المتعلقة بالأزهر تكبّل السيسي
وتكبّل هذه المادة الدستورية السيسي في ممارسة سلطاته، التي يريدها كاملة على الشأن الديني في مصر، كما هو الحال مع الشأن القضائي أو التشريعي، وسحب البساط من تحت قدمي شيخ الأزهر، الإمام الأكبر أحمد الطيب، بوصف الأزهر المؤسسة الوحيدة في الدولة التي لم ترضخ بشكل كامل له، ما يستلزم إيجاد حلول جذرية تمهد لعزل شيخ الأزهر المحصن دستورياً بموجب المادة. وكشفت المصادر أن مقترح تعديل المادة السابعة يتمثل في حذف مبدأ أن الأزهر هو المرجعية الرئيسية للشؤون الدينية، لإتاحة وجود مرجعيات أخرى رئيسية وغير رئيسية في العلوم الدينية والشؤون الإسلامية، أو ترك النص على حاله من دون تعديل، وإضافة نص آخر يؤكد تبعية دار الإفتاء للسلطة التنفيذية، لتحقيق الفصل الكامل بينها وبين الأزهر. ووفق المعلومات المتاحة حتى الآن، فإن التعديلات المقترحة للدستور ستتضمن النص على تعيين مفتي الجمهورية بقرار من رئيس الجمهورية، من دون الحاجة لانتخابه في اقتراع سري مباشر، يُصوّت فيه أعضاء هيئة كبار العلماء التي يترأسها شيخ الأزهر، مع منح رئيس الجمهورية السلطة المطلقة في الاختيار من بين المرشحين للمنصب، وكذلك تقنين التمديد للمفتي بعد أن يبلغ السن القانونية.
ومن بين المواد المستهدفة أيضاً في التعديل المرتقب تغيير نظام تعديل الدستور، وحذف المواد الخاصة بإصدار قانون للعدالة الانتقالية يكفل كشف الحقيقة، والمحاسبة، واقتراح أطر المصالحة الوطنية، وتعويض الضحايا وفقاً للمعايير الدولية، وإقرار نسبة من الإنفاق الحكومي لا تقل عن 10 في المائة من الناتج القومي الإجمالي للصحة والتعليم الأساسي والجامعي والبحث العلمي، فضلاً عن تقييد تعديل بعض النصوص، ومنها مواد المحليات والأحزاب والجمعيات الأهلية والرقابة على الصحف. ويعد حذف العبارة التي تنص على أنه "لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، أو بمبادئ الحرية، أو المساواة، ما لم يكن التعديل متعلقاً بالمزيد من الضمانات" من المادة 226، من أبرز مقترحات التعديل الدستوري، كون هذه الفقرة تمنع تجديد انتخاب رئيس البلاد لأكثر من ولايتين. وتستند رؤية السيسي إلى أن دستور 2014 ليس قابلاً للاستمرار، بدعوى أنه وضع في ظروف استثنائية شهدتها البلاد في أعقاب ثورة (انقلاب) عام 2013، علماً أن تعديل الدستور قبل عامين أتاح له البقاء في الحكم لمدة ثماني سنوات إضافية، فضلاً عن بسط سيطرته على القضاء. ووجه السيسي انتقادات عديدة للدستور الذي وصفه بـ"دستور النوايا الحسنة التي لا تكفي لبناء الوطن".
وفي 10 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، طالب عضو "المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام" في مصر، نشأت الديهي، الجهات المختصة بـ"الإسراع في صياغة دستور جديد للبلاد يتواكب مع الجمهورية الجديدة"، قائلاً في برنامجه المذاع على قناة "تن" المملوكة لرجل أعمال إماراتي: "الجمهورية الجديدة في حاجة إلى دستور جديد، وكل مرحلة مرت بها مصر كان لها دستور يعبر عنها". وأضاف الديهي: "دستور 1923 صدر بعد حصول مصر على الاستقلال الصوري، ودستور 1971 دعا له الرئيس الراحل أنور السادات في وقت احتلال الأراضي المصرية، ودستور 2012 كان يعكس تأثير حكم التيار الإسلامي في البلاد، أما دستور 2014 فجاء في ظروف استثنائية، وصيغ بنوايا حسنة متضمناً العديد من النصوص التي لا يمكن تطبيقها على أرض الواقع".
يستند موالو النظام إلى مبدأ صياغة دستور جديد في كل حقبة تاريخية
يذكر أن رئيس مجلس النواب السابق، علي عبد العال، قد قال في جلسة التصويت النهائي على تعديلات الدستور عام 2019: "لن تمر 10 سنوات على مصر إلا بوجود دستور جديد بالكامل، فنحن في حاجة إلى دستور جديد كلية من أول إلى آخر مادة"، مضيفاً "تعديلات الدستور شهدت توافقاً حول تجديد فترة الرئاسة من أربع إلى ست سنوات، بينما الجدال لا يزال مستمراً حول مواد القضاء، ونسبة المرأة في المجالس النيابية".
وفُصّلت تعديلات الدستور الأخيرة على مقاس السيسي، وأقرّت تولّي منصب الرئاسة لأكثر من مدتين متتاليتين، ووضع مادة انتقالية تنص على "تنتهي مدة رئيس الجمهورية الحالي بانقضاء ست سنوات من تاريخ إعلان انتخابه رئيساً للجمهورية، ويجوز إعادة انتخابه لمرة تالية". الأمر الذي مهد لانتهاء مدة ولايته الثانية في عام 2024 بدلاً من عام 2022، وأحقية ترشحه مرة ثالثة حتى عام 2030. كما توسعت التعديلات في محاكمات المدنيين عسكرياً، من خلال حذف كلمة "مباشر" التالية لكلمة "اعتداء" في المادة 204، بغرض تسهيل إجراءات محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري، في الجرائم التي تمثل اعتداء على المنشآت العسكرية، أو معسكرات القوات المسلحة، أو ما في حكمها، أو المنشآت التي تتولى حمايتها، أو المناطق العسكرية أو الحدودية المقررة كذلك. وكان مجلس النواب قد وافق في الشهر الحالي نهائياً، على تعديل بعض أحكام قوانين حماية المنشآت العامة ومكافحة الإرهاب والعقوبات، الهادفة إلى التوسع في حالات إحالة المدنيين إلى المحاكمات العسكرية، ومنح رئيس الجمهورية الحق في إخلاء بعض المناطق أو عزلها أو حظر التجول فيها، وتشديد عقوبة إفشاء أسرار الدولة، بديلاً عن وقف سريان حالة الطوارئ في جميع أرجاء البلاد.
ونص تعديل قانون تأمين وحماية المنشآت العامة على أن "تتولى القوات المسلحة وأجهزة الشرطة تأمين وحماية المنشآت العامة والحيوية، بما في ذلك محطات وخطوط الغاز، وحقول البترول، وخطوط السكك الحديدية، وشبكات الطرق والكباري (الجسور)، وغيرها من المرافق والممتلكات العامة، وما يدخل في حكمها. وإحالة جميع الجرائم المتعلقة بها إلى القضاء العسكري". كما منح تعديل قانون مكافحة الإرهاب السلطة التنفيذية الحق في فرض "تدابير احترازية" في مواجهة خطر الإرهاب في بعض المناطق التي يحددها رئيس الجمهورية، مجيزاً له متى "قام خطر من أخطار الجرائم الإرهابية"، أن يصدر قراراً باتخاذ التدابير المناسبة للمحافظة على الأمن والنظام العام، بما في ذلك إخلاء بعض المناطق، أو عزلها، أو حظر التجول فيها، وتحديد القرار المنطقة المطبق عليها لمدة لا تتجاوز ستة أشهر، وتحديد السلطة المختصة بإصدار القرارات المنفذة لتلك التدابير. في المقابل، استهدف تعديل قانون العقوبات تغليظ عقوبة إفشاء أسرار الدفاع عن الدولة، لتصل إلى السجن مدة لا تقل عن ستة أشهر، ولا تزيد عن خمس سنوات، وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه (318 دولاراً)، ولا تزيد عن 50 ألفاً (3182 دولارا)، بدعوى تحقيق المزيد من الردع العام، والحفاظ على أمن البلاد واستقرارها.