فوجئ الوسط السياسي العراقي بزيارة لم تكن متوقعة لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر إلى العاصمة بغداد، مساء أول من أمس الخميس، بعد مرور أكثر من ثلاثة أسابيع على إعلان تصدر الكتلة الصدرية نتائج الانتخابات التي أجريت في 10 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بحصولها على 73 مقعداً من أصل 329 مقعداً في البرلمان. والتقى الصدر في العاصمة رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي، الذي يترأس أيضا كتلة "تقدم"، في أول لقاء له مع شخصية سياسية بعد انتهاء الانتخابات. ثم التقى الصدر رئيس تيار "الحكمة" عمار الحكيم، الذي عمل في الأيام الأخيرة وسيطاً للتهدئة بين الصدريين والقوى الحليفة لإيران، التي نظمت نفسها أخيراً ضمن ما يعرف بـ"الإطار التنسيقي".
وتزامنت زيارة الصدر إلى بغداد مع تصعيد القوى المعترضة على نتائج الانتخابات لاحتجاجاتها، إذ شهد أمس الجمعة صدامات بين قوات الأمن وأنصار هذه القوى قرب بوابات المنطقة الخضراء وسط العاصمة بغداد، ما اضطر الصدر إلى قطع زيارته إلى بغداد، بحسب ما أكد صالح محمد العراقي المقرّب من الصدر، الذي قال في تدوينة على موقع "تويتر" إن الصدر قطع زيارته للعاصمة بغداد، استنكاراً لما يحدث من عنف غير مبرر، ومن إضعاف متعمد للدولة، داعياً أنصار التيار إلى الهدوء وضبط النفس.
وكانت زيارة الصدر تزامنت الزيارة مع وصول وفد كردي رفيع من أربيل بقيادة وزير الخارجية الأسبق هوشيار زيباري إلى بغداد، وعقده لقاء مع الهيئة السياسية في التيار الصدري استمر عدة ساعات. ولم يكشف أي من الأطراف المعنية بزيارة الصدر إلى بغداد عن فحوى ما تم بحثه أو مخرجاتها، واكتفى كثير من السياسيين بطرح سيناريوهات وتكهنات حول سبب الزيارة وما تم بحثه خلالها.
أوحى الصدر بقدرته على تشكيل حكومة عابرة للطوائف
إلا أن عضواً في التيار الصدري كشف، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن زيارة الصدر لبغداد واختياره شخصيات محددة للقاء بها، هي "رسالة للأطراف الشيعية الأخرى في الإطار التنسيقي، بأنه قادر على تشكيل حكومة عابرة للطوائف". وأكد أن "توجه التيار الصدري الحالي هو التوصل لتفاهمات واسعة مع الطرف السنّي، المتمثل بتحالف (تقدم) بزعامة محمد الحلبوسي، والكردي المتمثل بالحزب الديمقراطي بزعامة مسعود البارزاني". وشدّد على أن "كل ما يقال عن مشروع حكومة أغلبية برلمانية أو حكومة توافقية غير صحيح لعدة أسباب، أولها أن الحوارات لم تبدأ مع كتلتي (الفتح) و(دولة القانون) حتى يقال إنها وصلت لطريق مسدود، كون الطرفين يرفضان حالياً الدخول بأي حوارات قبل حسم أزمة نتائج الانتخابات". ووصف المعلومات التي تسربت أخيراً بأنها "عبارة عن تكهنات غير صحيحة تم التعامل معها على أنها معلومات". لكنه في المقابل، اعتبر أن دخول الصدر شخصياً على خط الحراك السياسي تأكيد منه على أحقية تياره في منصب رئاسة الحكومة المقبلة.
من جهته، أعلن الحكيم، في بيان عقب لقاء الصدر أمس الجمعة، أنه "تمّ بحث مستجدات الأوضاع في العراق، ونتائج الانتخابات الأخيرة واستحقاقات المرحلة المقبلة". وأكد الطرفان بحسب البيان، على أهمية "اعتماد الطرق السلمية والقانونية في الاعتراض على نتائج الانتخابات، والمفوضية والقضاء يتحملان مسؤولية النظر بالشكاوى والطعون بشكل جدي، وبما يعزز ثقة المواطن والقوى السياسية بالعملية الانتخابية".
شهدت المنطقة الخضراء في بغداد توترات وتظاهرات
وفي السياق، قال القيادي في تيار "الحكمة" رحيم العبودي، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إن "تحركات الصدر تهدف إلى التهدئة والخروج من مرحلة الانسداد السياسي الذي بدأ يؤثر على الواقع الأمني". ووفقاً له، فإن الزيارة تهدف أيضاً إلى "فتح قنوات حوار بين مختلف الأطراف، وليست بالضرورة للحديث عن تحالف، لا سيما أن نتائج الانتخابات لم تعلن رسمياً حتى الآن". وأكد أنه "من غير المقبول وفق العرف السياسي العراقي أن يذهب طرف شيعي واحد لتشكيل تحالف مع قوى أخرى وتشكيل الحكومة في النهاية، لذلك لا مشكلة في أن يكون هناك تحالف بين الصدر والحلبوسي، شرط عدم إهمال القوى الشيعية الأخرى التي لا بد أن تكون مطلعة على كل حيثيات الحكومة الجديدة". وشدّد على أن "تشكيل الحكومة عبر طرف واحد يعني تصدّع العرف السياسي السائد في تشكيل حكومات ما بعد عام 2003". وكشف العبودي أن "الحكيم أبلغ الصدر بأن القوى المعترضة على الانتخابات لديها ملاحظات على عمل مفوضية الانتخابات، وتنتظر إعلان النتائج النهائية".
من جهته، اعتبر المحلل علاء مصطفى، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "الأسابيع الماضية شهدت تشنجاً بالغاً على مستوى الحوارات بين الكيانات السياسية، ويمكن اعتبار أنها وصلت إلى بابٍ موصد، بسبب الكتل التي رفضت نتائج الانتخابات مع شعور القوى الخاسرة، تحديداً قوى تحالف (الفتح)، بأنها أمام مشاريع دولية لإقصائها. بالتالي، سعى الصدر إلى المباشرة بالحوارات بنفسه في سبيل التوصل إلى تحالف يضم تياره مع تحالف (تقدم) والحزب الديمقراطي الكردستاني، وهو مشروع التحالف الطولي، إلا أن هناك موقفاً كردياً مسبقاً، مفاده أنهم يرفضون أن يكونوا جزءاً من هدم البيت الشيعي، لأنه يتسبب بخسارة علاقتهم القوية مع إيران". وأوضح مصطفى أن "الصدر زجّ بصقوره للتفاوض مع الأكراد، فيما اتجه بنفسه إلى الأطراف الشيعية والسنية، لأنه يشعر بضرورة إنهاء الأزمة التي تسببت بها قوى الإطار التنسيقي، ويبدو أن المصادقة على نتائج الانتخابات وتحديد موعد الجلسة البرلمانية الأولى لتشكيل الحكومة، كلها ملفات سيطول حسمها".