شهدت مناطق شمال غربيّ سورية تصعيداً ملحوظاً خلال الأيام الأخيرة الماضية، تزامناً مع انعقاد اجتماع أستانة في 20 و21 من شهر يونيو/ حزيران الحالي (الثلاثاء والأربعاء الماضيين)، وسط احتمالات وقوع عمل عسكري من جانب النظام السوري والمليشيات الإيرانية، قد يستهدف السيطرة على معبر باب الهوى، أو الطرق الدولية في تلك المنطقة. تزامناً مع ذلك، انطلقت من مناطق المعارضة هجمات بالطائرات المسيّرة استهدفت للمرة الأولى منطقة القرداحة، مسقط رأس رئيس النظام السوري، ومناطق أخرى في ريف حماة.
وتعرضت مناطق مختلفة في شمال غرب سورية، أمس السبت وليل الجمعة – السبت، لقصف مدفعي وصاروخي استهدف محيط قرية بزابور ومحيط قرية مجدليا، جنوبيّ محافظة إدلب، فيما شنّ الطيران الروسي غارات على محيط قريتي الغسانية ومرعند، غربيّ إدلب، وقرية شحرورة شماليّ اللاذقية، مستخدماً صواريخ شديدة الانفجار، من دون وقوع خسائر بشرية.
من جهتها، قصفت فصائل المعارضة مواقع قوات النظام على جبهة الفوج 46 غربيّ حلب بقذائف الهاون، وجرى قنص عنصر من تلك القوات على الجبهة نفسها.
كذلك، استهدفت غرفة عمليات "الفتح المبين" العاملة في منطقة إدلب، بصواريخ "غراد"، تجمعاً عسكرياً لقوات النظام والمليشيات الإيرانية في معسكر جورين الواقع على سفوح منطقة سهل الغاب بريف حماة الشمالي الغربي، مؤكدة تحقيق إصابات مباشرة.
يأتي ذلك بعد هجمات وصفت بـ"الواسعة" عبر طائرات مسيّرة، قالت وسائل إعلام النظام السوري إنها انطلقت من مناطق سيطرة فصائل المعارضة واستهدفت ريف محافظة حماة الغربي ومنطقة القرداحة في ريف اللاذقية، موقعة قتلى وجرحى في تلك المناطق الواقعة تحت سيطرة قوات النظام.
استهدفت للمرة الأولى منطقة القرداحة بطائرات مسيّرة
ووفق وسائل الإعلام الرسمية التابعة للنظام، فقد استهدفت الطائرات المسّيرة بعد ظهر أول من أمس الجمعة، بلدة دير شميل في منطقة سلحب بريف حماة الشمالي، ما أدى إلى إصابة امرأة مسنة بشظايا في اليد، إضافة إلى أضرار مادية. وقبل ذلك بساعات، استهدفت مسيّرة بقذيفتين، مدينة القرداحة في ريف اللاذقية، ما أدى إلى مقتل شخص وإصابة شقيقه. وقالت وسائل إعلام النظام إن القتيل مهندس مدني، فيما أكدت مصادر المعارضة أنه ضابط في ما يسمى "القوات الرديفة" الداعمة لقوات النظام.
وسبق ذلك بيوم، أي الخميس الماضي، استهداف مشابه طاول مدينة سلحب في ريف حماة الواقعة تحت سيطرة النظام، ما أدى إلى مقتل 3 أشخاص، وفقاً لوكالة الأنباء "سانا" الرسمية التابعة للنظام.
وفيما لم تتبنّ أي جهة من المعارضة السورية الهجمات بالمسيّرات على مناطق سيطرة النظام، اعتبر قيادي عسكري في الفصائل المعارضة فضّل عدم الكشف عن اسمه، أن استهداف القرداحة، مسقط رأس رئيس النظام بشار الأسد بالمسّيرات، يُعَدّ رسالة من جانب "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) التي يُعتقد أنها تقف خلف الهجوم، للنظام وروسيا، بأن القرداحة نفسها يمكن أن تكون في مرمى النيران إن فكّر النظام بشنّ هجوم واسع في المنطقة. ورأى القيادي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن هذه الهجمات ما كانت لتحصل لو لم تتلقّ "الهيئة" ضوءاً أخضر من جانب تركيا التي تريد بدورها توجيه رسائل للنظام وروسيا بهذا المعنى.
غير أن القيادي في المعارضة السورية العسكرية، العقيد مصطفى بكور، رأى أن الهجوم بالمسيّرات لم تتبنّه أي جهة معارضة، "لذلك تبقى الاحتمالات مفتوحة، ولا يستبعد أن تكون إيران خلفه لإيجاد ذريعة للنظام للتهرب من المسار السياسي الذي تحاول روسيا وتركيا فرضه عليه والانتقال إلى الخيار العسكري كخيار وحيد للحل".
وأضاف بكور في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "إذا ثبت أن مطلق المسيّرات تابع لأي جهة تعمل تحت راية الثورة السورية، فهذا يعني أن المواجهة انتقلت إلى مرحلة وأسلوب مختلفين عما كانت عليه في السابق، لأن استهداف مناطق موالية للأسد اعتبرت على مدى السنوات الماضية خزّاناً بشرياً للشبيحة والمجرمين، تطور مهم سيجعل نظام الأسد يفكر كثيراً قبل البدء بأي عمل عسكري جديد، ويشكل ضغطاً كبيراً على الموالين، وخصوصاً أبناء الطائفة العلوية الذين كانوا يعيشون بأمان خلال السنوات الماضية".
العميد أحمد رحال: الفرقة الـ 25 بقيادة سهيل الحسن جرى تجميعها في ريف حلب الجنوبي
من جهته، لم يستبعد المحلل العسكري العميد أحمد رحال، في حديث مع "العربي الجديد"، أن يبادر النظام والمليشيات الإيرانية إلى شنّ عملية عسكرية في الفترة المقبلة، إما بهدف السيطرة على معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، وهذا احتمال ضعيف، وفق رأيه، وإما للسيطرة على الطرق الدولية في ريف إدلب. ووفق مصادره، قد تستهدف العملية مناطق النيرب وأريحا، ومن ثم جسر الشغور، وتنطلق من 3 محاور: الأول من سراقب في ريف إدلب الجنوبي باتجاه الغرب، والثاني من كفرنبل بجبل الزاوية في ريف إدلب الجنوبي باتجاه الشمال، والثالث من منطقة الكبينة في جبل الأكراد باتجاه الشرق.
وأشار رحال إلى أن الفرقة الـ 25 بقيادة سهيل الحسن، التي تعمل بأوامر روسية، جرى تجميعها في ريف حلب الجنوبي، إضافة إلى قوات أخرى تجمعت في هذه المنطقة وفي مدينة سراقب بريف إدلب الشرقي. كذلك نُصبَت صواريخ متطورة في ريف إدلب الجنوبي، فيما شحنت إيران طائرات مسيّرة انتحارية إلى مطار أبو الظهور، لاستخدامها في أي عملية عسكرية محتملة، وفق قوله.
وأوضح رحال أن تركيا رفضت بشدة أي عمل عسكري ينطلق من مناطق ريف حلب الغربي باتجاه معبر باب الهوى لسببين: الأول أن المنطقة تضم تجمعات كبيرة للنازحين، ما قد يسبب موجة نزوح كبير في اتجاه تركيا، والثاني أن دخول قوات الأسد وإيران إلى معبر باب الهوى سيؤدي إلى تعطيل المعبر، ومنع تركيا من استخدامه لإمداد قواتها في الشمال السوري.
ورأى المحلل العسكري أن تركيا قد تتغاضى عن عمل عسكري من جانب النظام وإيران وروسيا في ريف إدلب الجنوبي يستهدف استكمال سيطرة النظام على طريق "إم 5" (دمشق – حلب) إضافة إلى طريق "إم 4" (حلب – اللاذقية)، وحصر المعارضة في شمال "إم 4"، في حال توصلها إلى مقايضة بمكاسب في مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" الكردية (قسد) في منبج وتل رفعت وعين العرب (كوباني)، أي إنها لن تسمح بأي عمل عسكري في إدلب وشمال غرب سورية، قبل أن تبدأ هي نفسها بعملية عسكرية خاصة بها في منبج وتل رفعت ومنغ وعين العرب.