تصريحات مدبولي تثير الجدل: الإعلام المصري به "تنوع" وتدخّل الجيش في الاقتصاد لا يتعدى 1%
أطلق رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، سلسلة من التصريحات المثيرة للجدل، في حوار لبرنامج بلا قيود على قناة "بي بي سي نيوز عربي"، مساء أمس الأحد، زعم فيها أن الإعلام المصري في أفضل أحواله، مدعياً أن التلفزيون المملوك للدولة ينتقد أوضاعاً كثيرة يومية، والتي لم تتدخل يوماً في حجب أي من المنصات أو الآراء المعارضة.
وقال مدبولي، ضمن تصريحاته، إن تدخّل الشركات المملوكة للجيش في الاقتصاد المصري لا يتعدى نسبة 1%، وهي جاهزة للطرح في البورصة المصرية، والشراكة مع القطاع الخاص، استجابة لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي، مضيفاً أن صورة حقوق الإنسان "غير مكتملة"، حيث لا يمكن تطبيق المعايير الحقوقية التي تنتهجها الدول المتقدمة في مصر.
وتحجب السلطات المصرية مئات المواقع الإخبارية والإلكترونية، لتناولها موضوعات عن حرية الرأي والتعبير وأوضاع حقوق الإنسان في مصر.
كما عملت السلطات على تقييد حرية الإعلام الرقمي، من خلال النص في قانون تنظيم الاتصالات على إمكانية حجب المواقع من دون أي قيد "لاعتبارات الأمن القومي"، وفي قانون مكافحة الإرهاب على "منح النيابة أو سلطة التحقيق وقف المواقع أو حجبها أو حجب ما يتضمنه أي وجه من أوجه الاستخدام، والتحفظ على الأجهزة والمعدات المستخدمة في الجريمة".
الاضطهاد والتضييق الأمني
وأخيراً، أعلنت "الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان" عن توقّف نشاطها في مصر، بسبب "الاضطهاد والتضييق الأمني" على المؤسسة والعاملين بها، وتعرّض رئيس الشبكة وفريقه لجرعة مضاعفة من المضايقات والملاحقات والتهديدات التي طاولت كل المؤسسات الحقوقية المستقلة، كان أشهرها الاعتداء بدنياً على الحقوقي جمال عيد بالقرب من محل سكنه.
ورغم ذلك، أشار مدبولي، في مقابلته الصحافية، إلى أن الإعلام في مصر يتمتع بوجود آراء متعددة، ويعد منصة لإظهار اختلاف وتباين الرأي، فضلاً عن نقده أوضاعاً كثيرة بشكل يومي.
وقال إن الدولة تحاول قدر الإمكان تحقيق التوازن على الساحة الإعلامية، لأنه توجد اليوم منصات إعلامية موجهة ضدها، وبالتالي تحاول أن تشرح الوضع الحقيقي من خلال بعض المنصات التي تشرف عليها.
وعن تردي أوضاع حقوق الإنسان في مصر، قال "لا بد أن يعي الغرب أن ظروف الدول مختلفة، وعندما ننظر إلى قضية حقوق الإنسان لا بد أن نضع في اعتبارنا أيضاً الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والسياسية"، مدعياً أنه "لا يمكن تطبيق المعايير ذاتها في الدول المتقدمة على جميع الدول الأخرى، ومنها مصر، والتي تواجه مشكلة حقيقية تتمثل في أن الصورة الحقوقية غير مكتملة".
وزعم أن أغلب المؤسسات التي تنتقد أوضاع حقوق الإنسان في مصر تستقي تقاريرها من حالات فردية لا يمكن القياس عليها، وتعميمها على الوضع العام في مصر.
وعن الاقتصاد، قال مدبولي في الحوار إن "اقتصاد مصر يعتمد بشكل كبير على القطاع الخاص، وسيظل يعتمد عليه، وجار العمل على هيكلة الشركات التابعة للقوات المسلحة العاملة في قطاعات مدنية"، مستطرداً أن "الحكومة تستهدف ضبط الدين الداخلي والخارجي خلال الأعوام الثلاثة المقبلة، إلى جانب العمل على تحسين مسار النمو الاقتصادي، بنسب لا تقل عن 5.5% وصولاً إلى 7%".
وأضاف مدبولي أن "هناك اهتماماً كبيراً من القيادة السياسية بملف تمكين الشباب على مستوى أجهزة الدولة، من خلال تولي بعض صغار السن مناصب وزارية في الحكومة الحالية"، مستشهداً بتوليه منصب وزير الإسكان، وهو في النصف الثاني من الأربعينيات، ومعه زملاء آخرون من الوزراء في الفئة العمرية ذاتها، وهو ما لم يكن معتاداً في مصر على الإطلاق.
وعن عزوف الشباب عن المشاركة السياسية، أجاب مدبولي بأن "ذلك ربما كان موجوداً في فترات سابقة نتيجة عدم الوعي بالأبعاد السياسية"، مضيفاً "الشباب بات أكثر وعياً ورغبة في دخول معترك العمل العام حالياً، ويعتبرونه خطوة جيدة ومدخلاً مناسباً للمشاركة السياسية"، في إشارة منه إلى الكيان المعروف بـ"تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين"، والمشكّل في الأصل بمعرفة جهاز المخابرات العامة.
ونفى مدبولي عزوف الشباب عن المشاركة في التصويت في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، قائلاً: "تراجع المشاركة يعود إلى تداعيات أزمة جائحة كورونا، والإحصاءات (الحكومية) تقول إن نسب مشاركة الشباب في الانتخابات لم تكن قليلة، بل بدأت تزيد في الفترة الأخيرة مقارنة بحقب سابقة من عمر الدولة المصرية".
واستكمل بقوله إن "الوعي السياسي لا يزال يُبنى في دولة خرجت من معترك سياسي ضخم، وأحداث استثنائية مرت بها البلاد خلال العقد السابق، والتي كانت تدفع المواطنين، وليس فقط فئة الشباب، إلى ما يشبه العزوف عن المشاركة السياسية، والاكتفاء بمراقبة ما يحدث في الدولة من تغييرات، إلا أن وسائل التواصل الاجتماعي ساعدت في استيعاب الشباب الكثير مما لم يكونوا يدركونه سابقاً".
وعن شكوى المواطنين من البطالة والغلاء والتضخم وارتفاع الأسعار، قال مدبولي: "الأرقام تعكس حجم ما تحقق في الدولة المصرية، ففي عامي 2011 و2012 كانت نسب البطالة تتجاوز 13%، والتضخم بلغ حينها 30%، وعندما بدأنا برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي كنا مجبرين عليه بسبب الظروف السياسية الاستثنائية، تراجع التضخم بنسب كبيرة، وما حدث في مصر كان تأثيره أقل بكثير مقارنة بما حدث في دول أخرى".
وبشأن عدم شعور المواطن بما يحققه الاقتصاد المصري من أرقام، تقول الحكومة إنها "جيدة"، قال: "المواطن العادي كان يشكو من فقر الخدمات، واليوم تغير الأمر بتوصيل خدمات المياه والصرف الصحي والكهرباء والغاز إليه، فضلاً عن الحجم الضخم من مشروعات الإسكان التي تستهدف فئة الشباب ومحدودي الدخل في الأساس، والتي بلغت أكثر من 300 ألف وحدة لتسكين فئات كانت مهمشة تماماً".
وأثقلت فواتير الاستهلاك الشهرية الأعباء على المصريين، لا سيما الفقراء منهم ومحدودي الدخل، الذين باتوا يقتطعون ربع دخلهم على الأقل لسدادها، بعد أن ارتفعت أسعار الكهرباء بنسبة 860% منذ تولي السيسي الحكم، وأسعار الغاز بنسبة تصل إلى 2400%، فضلاً عن ارتفاع أسعار البنزين 8 مرات منذ عام 2014، ومضاعفة أسعار مياه الشرب للمنازل للمتر المكعب من 36 قرشاً (الجنيه يحوي 100 قرش) إلى 225 قرشاً.
وعن ملف الدين الخارجي ونسبته إلى إجمالي الناتج المحلي، إثر تجاوز الدين الخارجي 137 مليار دولار، والداخلي 6 تريليونات جنيه (1 جنيه يساوي 0.064 دولار أميركي)، قال مدبولي إن "نسبة الدين تصل حالياً إلى 91% من الناتج المحلي، مقارنة بـ108% قبل أربع سنوات"، مشيراً إلى تنسيق مصر مع العديد من المؤسسات الدولية، وعلى رأسها صندوق النقد الدولي، للتعافي من تداعيات أزمة فيروس كورونا.
الجيش ينافس القطاع الخاص
ورداً على مخاوف القطاع الخاص من منافسة الجيش له في المجال الاقتصادي، قال: "مؤسسات كل دول العالم تنفذ استثمارات في قطاعات استراتيجية هامة تمس الأمن القومي والاستقرار الاقتصادي، وحجم المؤسسات التابعة للقوات المسلحة لا يمثل شيئاً بالنسبة للاقتصاد المصري، والذي يعتمد بشكل كبير على القطاع الخاص"، على حد زعمه.
وأردف: "مؤسسات الجيش تواجدت في فترة استثنائية مرت بها البلاد، وتعلقت بقطاعات لم يكن يتواجد بها القطاع الخاص، أو متواجد فيها بنسبة ضعيفة جداً، والدولة تحتاج إلى زيادة حجم الاستثمارات العامة، وتنفيذ مشروعات في مجالات البنية الأساسية وغيرها، وخلال العام المقبل سنطرح بعض الشركات الحكومية في البورصة، ومنها شركات تابعة للجيش تعمل في القطاع المدني".
ملف سد النهضة
وتطرق الحوار إلى ملف سد النهضة، إذ قال مدبولي: "نؤكد دائماً أننا لسنا ضد التنمية في أي دولة في حوض النيل، وأبلغنا الجانب الإثيوبي رغبتنا في أن نتشارك في إنشاء هذا السد، لكن المهم للغاية بالنسبة لنا ألا تتسبب هذه النوعية من المشروعات في ضرر لمصر من ناحية حقوقها المائية".
وزاد: "نتابع موضوع سد النهضة بحرص شديد جداً، من خلال كل الوسائل الممكنة الدبلوماسية والسياسية لكيفية التعامل مع هذا الملف، وكل ما ننادي به حتى هذه اللحظة أن نصل معاً، مصر وإثيوبيا والسودان، إلى توافق حول اتفاق قانوني مُلزم ينظم حقوق الدول الثلاث في الاستفادة من أعمال التنمية".
إلى ذلك، نفى مدبولي وجود فتور في العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية، قائلاً: "العلاقات المصرية الأميركية استراتيجية، وممتدة منذ تاريخ طويل، وتحديداً منذ توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل".