أثار تلويح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بإمكانية استخدام جميع الوسائل المتاحة للدفاع عن النفس، مخاوف أوكرانيا والغرب من لجوء الكرملين إلى السلاح النووي لقلب موازين القوى في مناطق شرق أوكرانيا وصد أي تقدم أوكراني مضاد ومنع تكراره.
وتتيح العقيدة العسكرية الروسية استخدام السلاح النووي في حالتين اثنتين، تتعلق أولاهما بتوفر معلومات موثوقة حول انطلاق صواريخ بالستية باتجاه أراضي روسيا أو أراضي حلفائها، أو تعرّضهم لهجوم بالسلاح النووي أو غيره من أسلحة الدمار الشامل.
أما الحالة الثانية، فهي هجوم على روسيا باستخدام أسلحة تقليدية في حال كان يهدد وجود الدولة في حد ذاته، وسط تساؤلات حول ما إذا كان ذلك سينطبق أيضاً على المقاطعات الأوكرانية الأربع (دونيتسك ولوغانسك وزاباروجيا وخيرسون) التي تنوي روسيا ضمها بعد إجراء استفتاءات تقرير المصير التي ستنطلق يوم غد الجمعة.
وبحسب التقديرات والمعلومات المتوفرة، فإن الترسانة النووية الروسية لا تقتصر على أسلحة الردع الاستراتيجية، بل تضم أيضاً نحو ألفي رأس حربية تكتيكية قد تستخدم في نزاع إقليمي في حال بلغ التصعيد نقطة اللاعودة.
ويشير أستاذ العلوم السياسية بمعهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية، كيريل كوكتيش، إلى أنه في حال انضمت المقاطعات الأربع إلى روسيا، فإن مفعول العقيدة العسكرية الروسية سيسري عليها جميعاً، من دون أن يعني ذلك أن روسيا ستستخدم سلاحاً نووياً تكتيكاً تلقائياً.
ويضيف كوكتيش، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "في حال صوتت الأقاليم الأربعة لصالح الانضمام لروسيا، فإن أحكام العقيدة العسكرية الروسية ستنطبق عليها، ولكن ذلك لا يعني أن روسيا ستستخدم السلاح النووي التكتيكي تلقائياً، بل لا تزال لديها إمكانيات لم تلجأ إليها بعد لمنع التقدم الأوكراني عن طريق شن ضربات بواسطة أسلحة تقليدية على عناصر البنية التحتية الأوكرانية مثل المحطات الكهروحرارية الـ11 العاملة في أوكرانيا".
ويلفت إلى أن تحذير بوتين موجه بالدرجة الأولى إلى رعاة أوكرانيا الخارجيين، كما أنه بالرغم من أن "الضربات بالأسلحة النووية التكتيكية قادرة على إصابة أهداف دون إلحاق تداعيات بيئية كارثية بالبيئة المحيطة مقارنة مع الهجومين النوويين الأميركيين على مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين في عام 1945، إلا أنها لا تزال أيضاً عامل ردع أكثر منها سلاحاً للاستخدام. تحذيرات بوتين هي رسالة إلى الولايات المتحدة و"صقور" دعم أوكرانيا في أوروبا بأن روسيا لن تقبل بهزيمة، وأن الغرب قد يستيقظ يوماً في واقع جيوسياسي مغاير في حال استمر في دعم أوكرانيا بنفس الوتيرة أو زادها".
ويشكك الإعلامي الأوكراني فيتالي بورتنيكوف، هو الآخر، في واقعية إقدام بوتين على استخدام السلاح النووي التكتيكي، كونه سيجعل روسيا دولة مارقة من دون حسم المعركة على الأرض، وفق تقديره.
ويقول بورتنيكوف، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه يعتقد أن "القيادة الروسية يمكن أن نتوقع منها أي عمل جنوني، ولكن المسألة تكمن في ماهية الجدوى منه، كونه لن يغير الوضع العام بالحرب، ولكنه سيجعل روسيا دولة مارقة، وسيغير وضع علاقاتها مع القوى النووية الأخرى بشكل جذري".
وكان بوتين قد لوح بُعيد إعلانه التعبئة الجزئية أمس الأربعاء، بإمكانية استخدام "جميع الوسائل المتاحة" للدفاع عن النفس، موجها حديثه إلى "من يسعى لابتزاز روسيا بالسلاح النووي"، فعليهم أن يعلموا أن "الرياح قد تعود إليهم"، مشدداً على أنه لا يخادع.
وهذه ليست أول مرة يلوح فيها بوتين بورقة الأسلحة النووية منذ بدء الحرب في أوكرانيا، إذ سبق له أن أمر في نهاية فبراير/شباط الماضي، بتحويل قوات الردع التابعة للجيش الروسي إلى حالة "النظام الخاص لأداء الدوريّة القتالية".