قبل نحو أسبوعين من الموعد النهائي المقرر لانسحاب القوات القتالية الأميركية والأجنبية من العراق، والعاملة ضمن مهام التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة منذ ما يزيد على 7 سنوات، في إطار الحرب على تنظيم "داعش"، تواصل الجماعات والفصائل المسلحة الحليفة لطهران التشكيك بالإعلان الحكومي الأخير، الذي أكد انتهاء مهمة القوات القتالية ومغادرة أغلبها العراق وأن العدد المتبقي هي قوات مخصصة للتدريب والاستشارة.
وأعلن مستشار الأمن القومي العراقي، قاسم الأعرجي، الخميس الماضي، عن نهاية المهام القتالية لقوات التحالف الدولي وانسحابها من العراق، مؤكداً انتهاء آخر اجتماعات العراق العسكرية الفنية مع ممثلي التحالف في هذا الإطار. كما أشار إلى أن العلاقة مع التحالف الدولي تستمر في مجال التدريب والاستشارة والتمكين.
ماكنزي: ستبقى القوات الأميركية تقدّم الدعم الجوي والمساعدات العسكرية في قتال داعش
وأكدت وزارة الدفاع العراقية في بيان منفصل "مغادرة معظم القوات القتالية العاملة ضمن التحالف الدولي" الذي شارك في الحرب ضد "داعش" عقب اجتياح التنظيم مساحات واسعة من شمال وغربي العراق منتصف عام 2014. وشددت الوزارة على أنه "سيتم إخلاء الباقين خلال الأيام المقبلة، قبل الحادي والثلاثين من الشهر الحالي، وستكون هناك مجموعة من المستشارين تحل محل القوات السابقة، بهدف دعم القوات الأمنية في العراق". ونبهت إلى أن "أفراد التحالف الدولي (الباقين في العراق) سيكونون معنيين بتقديم الدعم والمشورة والتمكين للقوات الأمنية العراقية".
لا تغيير في عدد القوات الأميركية في العراق
في المقابل، أكد المتحدث باسم البنتاغون، جون كيربي، عدم حصول تغيير من ناحية عدد القوات الأميركية في العراق، متحدثاً عن أن العدد سيبقى بحدود 2500. وأضاف كيربي، في مؤتمر صحافي عقده الخميس الماضي، أن "مدة مهمة التحالف الجديدة المتمثلة في المشورة والمساعدة تتوقف على طلب الحكومة العراقية ويتم تحديدها بالتشاور مع بغداد". واستدرك كيربي أن "القوات المتبقية لديها الحق في الدفاع عن نفسها وتملك القدرة على القيام بذلك"، مضيفاً "التهديدات ضد القوات الأميركية في العراق لا تزال ذات مصداقية، وإذا تعرّضنا لهجوم فسندافع عن أنفسنا".
هذا الكلام يمثل تطابقاً مع تصريحات لقائد القيادة المركزية الأميركية، الجنرال فرانك ماكنزي، الذي أكد أنه "على الرغم من تحوّل دور القوات الأميركية في العراق إلى دور غير قتالي، فإنها ستبقى تقدّم الدعم الجوي والمساعدات العسكرية الأخرى في قتال العراق ضد تنظيم داعش".
وأضاف ماكنزي أن الفصائل "تريد مغادرة جميع القوات الأميركية من العراق. لكننا لن نغادر، مما قد يثير رداً مع اقترابنا من نهاية الشهر"، متابعاً: "انسحبنا من القواعد التي لم نكن بحاجة إليها، وجعلنا الوصول إلينا صعباً". ورأى ماكنزي أن "عناصر تنظيم داعش سيظلون يمثلون تهديداً في العراق وأن التنظيم سيواصل إعادة تكوين نفسه، ربما تحت اسم مختلف".
هجمات تستهدف أرتال التحالف الدولي
الاتفاق الموقّع بين رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي والرئيس الأميركي جو بايدن في البيت الأبيض نهاية يوليو/تموز الماضي، وعلى الرغم من وضوح بنوده المتعلقة بانسحاب القوات القتالية والإبقاء على الوجود العسكري لأغراض التدريب والاستشارة، بحلول 31 ديسمبر/كانون الأول الحالي، إلا أنه يواجه منذ أيام موجة تشكيك من قبل الفصائل المسلحة الحليفة والأحزاب السياسية الحليفة لإيران. هذا الأمر ينذر بأن الساحة العراقية قد تشهد عودة هجمات الكاتيوشا والطائرات المسيّرة على مصالح ومقرات التحالف والجيش الأميركي تحديداً.
ومنذ نهار الجمعة الماضي شهدت البلاد ثلاث هجمات استهدفت أرتال ما تعرف بـ"الدعم اللوجستي"، التي تحمل معدات غير عسكرية لصالح التحالف الدولي، وعادة ما تكون آتية من موانئ البصرة أو مطار بغداد الدولي. كما أعلنت السلطات الأمنية في قيادة عمليات بغداد مساء الأحد الماضي، إحباط هجوم بصاروخ كاتيوشا كان موجهاً على منصة إطلاق، وعثر عليه في ضاحية الصدر شرقي العاصمة، من دون أن تبيّن مكان وجهة الصاروخ.
ويزور منسق مجلس الأمن القومي الأميركي لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بريت ماكغورك، العراق منذ مساء الأحد، وعقد بعد وصوله بغداد عدة لقاءات كان أبرزَها اجتماعان مفصلان مع الرئيس العراقي برهم صالح ومستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي.
وبحسب بيان نقلته وكالة الأنباء العراقية (واع)، فإن الأعرجي بحث مع ماكغورك، بحضور السفير الأميركي في بغداد ماثيو تولر، الأوضاع الأمنية والسياسية في العراق. ونقل البيان عن ماكغورك "التزام الولايات المتحدة بمخرجات الحوار الاستراتيجي مع العراق"، مشيراً إلى أن بلاده وحسب الاتفاق، لن تستخدم سماء العراق وأرضه ومياهه منطلقاً للاعتداء على دول مجاورة له، مجدداً تأكيد دعم بلاده لتقوية القدرات العراقية في مواجهة الإرهاب. وأشار إلى أن "الولايات المتحدة الأميركية لا تشكل أي تهديد على أي دولة"، مؤكداً أن العدو المشترك هو تنظيم "داعش".
وقال مسؤولون عراقيون إن الجيش الأميركي نقل فعلياً أغلب قواته القتالية الموجودة في قاعدتي عين الأسد وحرير، غرب وشمالي العراق، إلى خارج البلاد منذ أغسطس/آب الماضي، بما فيها قوات "دلتا"، التي كانت تشارك في عمليات إنزال ومهام قتالية لتتبّع قادة "داعش" في العراق، وآخرها قرب بلدة مخمور شمالي العراق.
وتحدث هؤلاء عن تعويض هذه القوات المنسحبة بمستشارين وفرق تدريب ومحللي معلومات وصور جوية، وأن العام المقبل سيشهد إطلاق التحالف الدولي دورات وورش تطوير وتدريب واسعة للقوات العراقية وتحديداً الجيش العراقي وجهاز مكافحة الإرهاب.
عضو في تحالف "الفتح": لغاية الآن لا يوجد انسحاب، وكل ما نسمعه من إعلانات عبارة عن تبديل مهام وهو غير كافٍ
واعتبر جنرال عراقي في بغداد، طلب عدم ذكر اسمه، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، الاتفاق بأنه "واضح ولا يوجد تحايل أو التفاف"، مضيفاً أن "الجنود والوحدات القتالية الأجنبية انسحبت فعلاً من العراق ولم يتبقَ غير القليل من الجنود سيرحلون قبل نهاية الشهر، بما فيها مروحيات هجومية وأسلحة ثقيلة استقدمت قبل معركة الموصل عام 2016، وهذا يشمل أيضاً القوات البريطانية وليس الأميركية فقط".
وشدد على أن معظم الجهد البشري للتحالف الدولي في العراق حالياً هو في إطار التدريب والاستشارة، باستثناء سلاح الجو الذي ما زال ضرورياً لتأمين الأجواء وإسناد الوحدات القتالية العراقية في تتبّع جيوب التنظيم.
حلفاء إيران يشككون بالانسحاب الأميركي
وتطرح قوى سياسية وفصائل مسلحة ضمن معرض التشكيك بالإعلان الحكومي عن إنهاء تواجد القوات القتالية الأجنبية في العراق جملة من الأسئلة والملاحظات. من بين هذه الأسئلة سبب استمرار وجود منظومة باتريوت في قاعدة عين الأسد، وأيضاً عدم وجود أي توثيق لعمليات الانسحاب من الجانب العراقي أو الأميركي، فضلاً عن عدم دخول القوات العراقية إلى قاعدتي حرير وعين الأسد، وتقديم صورة تؤكد عملية الانسحاب لهذه القوات. بينما يذهب آخرون إلى التساؤل حول الطريقة التي يجري التأكد من كون تلك القوات قتالية أم انها استشارية والفرق بين الحالتين.
وأبدى عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان السابق، القيادي في "الإطار التنسيقي" الذي يضم القوى الحليفة لطهران، كاطع الركابي، شكوكه بعملية الانسحاب. وقال في إيجاز قدمه للصحافيين في بغداد، الاثنين الماضي: "ليست لدينا ثقة بتصريحات الحكومتين العراقية والأميركية بشأن خروج القوات القتالية من العراق نهاية العام الحالي".
وأضاف أنه "ليس من المعقول أن تترك القوات الأميركية قاعدة عين الأسد التي صرفت عليها المليارات". واعتبر أن "الملف الأميركي في العراق غامض ومبهم، ومنذ عام 2014 وإلى الآن لا نعلم أعداد القوات المسلحة في العراق ولا نعلم ما هي مهامها الرئيسية بعد الانتهاء من ملف تنظيم داعش".
من جهته، اعتبر عضو جماعة "عصائب أهل الحق"، محمود الربيعي، أن مطلبهم هو "خروج كل القوات العسكرية التابعة للاحتلال من دون استثناء"، في إشارة إلى القوات الأميركية، مهدداً بأن "سلاح المقاومة سيُخرج القوات الأجنبية من العراق".
ويرجح مراقبون عراقيون أن ترفع القوات العراقية حالة التأهب والإجراءات الأمنية حول محيط القواعد والمعسكرات التي تتواجد فيها قوات التحالف الدولي ضمن تنفيذ الاتفاق الذي ينص على أن تتولى بغداد حماية القوات المتبقية.
وقال عضو تحالف "الفتح"، الممثل السياسي لـ"الحشد الشعبي"، حسن فدعم، لـ"العربي الجديد"، إنه "لغاية الآن لا يوجد انسحاب، وكل ما نسمعه من مواقف وإعلانات عبارة عن تبديل مهام وهو غير كافٍ ولا مقنع، والقرار المطلوب هو انسحابهم بشكل كامل". واعتبر فدعم أن "بقاء 2500 عسكري أجنبي وبقاء الأجواء العراقية تحت سيطرة الأميركيين يمثل التفافاً على قرار البرلمان السابق القاضي بإنهاء الوجود الأجنبي بالكامل في البلاد"، متحدثاً عن موقف سياسي سيتم الإعلان عنه لاحقاً.
وعن ذلك، قال الخبير في الشأن السياسي والأمني العراقي أحمد النعيمي، لـ"العربي الجديد"، إن ملف الوجود العسكري الأجنبي في العراق، والأميركي على وجه التحديد، يتأثر بشكل كبير بما ستنتج عنه مفاوضات فيينا بين إيران والغرب.
وأضاف النعيمي أنه في حال تم التوصل إلى اتفاق ما خلال هذه المفاوضات فالمتوقع ركن ملف التواجد الأجنبي في العراق والتعامل مع انسحاب القوات القتالية الأجنبية على أنه إنجاز متحقق ومقبول للفصائل المسلحة. واعتبر أن "السيناريو الآخر هو العودة إلى صفحة المواجهة غير المباشرة عبر صواريخ الكاتيوشا والطائرات المسيّرة المفخخة، وهي أيضاً تدخل ضمن عمليات الضغط على حكومة الكاظمي للحصول على مكاسب داخلية، على غرار ما تحقق لها في يونيو/حزيران الماضي خلال التوصل إلى هدنة مع الحكومة لوقف الهجمات".
لكن عضو التيار المدني العراقي أحمد حقي، اعتبر أن التسوية المرتقبة قد تكون إعلاناً من قبل فصائل مسلحة وأحزاب سياسية بأنها تنتظر تشكيل حكومة كاملة الصلاحيات تضع في برنامجها إنهاء الوجود الأجنبي بالكامل سواء كان قتالياً أو استشارياً، وهو يعني ترحيل الملف إلى مرحلة زمنية أخرى. وأضاف لـ"العربي الجديد"، أن "مسألة الوجود العسكري الأجنبي باتت مسيسة أكثر من كونها قضية أمنية عراقية لكلا الجانبين الأميركي والعراقي".
(شارك في التغطية من بغداد: سلام الجاف)