استقبل ميناء العريش، في محافظة شمال سيناء شرقي مصر، أمس الإثنين، أول سفينة تجارية، بعد إغلاق دام سنوات، بسبب سوء الوضع الأمني في المحافظة خلال العقد الأخير. وتم هذا الأمر على الرغم من أنه لم يتم تطوير الميناء كما جرى الحديث تكراراً ومراراً، على لسان المسؤولين المحليين، ونقلاً عن الرئيس عبد الفتاح السيسي، بعد الحديث عن تخصيص مبالغ مالية طائلة لتطوير الميناء، بما يشمل إزالة عشرات الوحدات السكنية التي يملكها المواطنون في المنطقة المخصصة للتوسعة. وتبرز التساؤلات عن سبب الاتجاه لتشغيل الميناء في هذا التوقيت، من دون تطويره، ليستقبل كافة أنواع السفن وأحجامها، بما يخدم الحركة التجارية في البلاد بشكل عام.
وفي التفاصيل، أعلنت محافظة شمال سيناء، أمس الأول الأحد، بدء تشغيل ميناء العريش البحري. وتم استقبال أول سفينة تجارية، أمس الإثنين، بحضور المحافظ اللواء محمد عبد الفضيل شوشة، في احتفالية إعادة التشغيل، واستئناف حركة التجارة الملاحية. وقال شوشة إن الميناء أصبح جاهزاً للعمل، بعد أن استقبل منذ 3 أسابيع قاطرة إرشاد لاستخدامها في توجيه السفن، وإنه بانتظار وصول مندوبي التوكيلات الملاحية والتواصل مع مندوبي الشحن، وإنه تم تلقي طلبات شحن من شركات الإسمنت، والملح، والرمل الزجاجي. ووجّه المحافظ شكره إلى السيسي الذي أعطى تعليماته بفتح الجزء القديم من الميناء بالتوازي مع أعمال التطوير، التي ستستغرق 4 سنوات، بمواجهة 3 كيلومترات للشاطئ ما يعني حدوث نقلة نوعية. ويقع الميناء في أقرب نقطة إلى الشواطئ الأوروبية، وفقاً للمقاييس الجغرافية، ما يكسبه ميزة عالمية، في حين تقوم الهيئة الاقتصادية لقناة السويس بالاتفاق على التطوير، ضمن مخطط النهوض بظهير قناة السويس.
تحتاج الحركة التجارية، من استيراد وتصدير، إلى وجود منفذ سريع وقليل التكلفة مقارنةً بالطريق البرية
وكان السيسي أصدر قراراً جمهورياً، منتصف العام 2019، يقضي باعتبار ميناء العريش وجميع منشآته ومرافقه، وكذلك أي أراضٍ أو منشآت أخرى يحتاج إليها، من أعمال المنفعة العامة، فيما عدا المواقع العسكرية التي تستغل في شؤون الدفاع عن الدولة. كما نصّ القرار، الذي نشرته الجريدة الرسمية، على أن تتولى الهيئة العامّة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس تمويل وتنفيذ تطوير وإدارة وتشغيل ميناء العريش، وأن تتولى وزارة الدفاع مهامّ إجراءات تأمين منطقة ميناء العريش. ونص القرار أيضاً على أن يوقَّع بروتوكول بين وزارة الدفاع والهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، يتضمن الالتزامات الفنية والمالية والقانونية المتعلقة بإدارة ميناء العريش.
ووفقاً للقوانين المصرية، فإن اعتبار مشروع معين من أعمال المنفعة العامة، يتيح للحكومة إزالة العقارات ونزع الملكية، وإعادة تخطيط المناطق التي يحتاج إليها إتمام هذا المشروع بأي وسيلة. ومن ثم، فإن القرار الجمهوري يتيح نزع الملكيات والعقارات التي يتطلبها تنفيذ مشروع توسيع ميناء العريش بإشراف الهيئة العامّة لمنطقة قناة السويس والجيش.
وفي التفاصيل، قال مصدر حكومي مسؤول، لـ"العربي الجديد"، إن في شمال سيناء ووسطها عدداً من المشاريع الحيوية كالإسمنت، والملح، والرمل الزجاجي، والفحم، والرخام، والكثير من المواد الخام التي تدخل في الصناعات المختلفة، وكذلك حركة استيراد تجارية لصالح سكان المحافظة. وبالتالي لا شك أن المحافظة تحتاج إلى تشغيل الميناء في أقرب وقت ممكن، ما دفع إلى اتخاذ قرار بتشغيل الميناء القديم إلى حين جهوزية الميناء بعد تطويره، وذلك بقرار مباشر من رئيس الجمهورية. وتحتاج الحركة التجارية، من استيراد وتصدير، إلى وجود منفذ سريع وقليل التكلفة مقارنةً بالطريق البرية، خصوصاً في ظل الأوضاع الأمنية التي تعيشها المحافظة منذ سنوات طويلة، ما أثر بشكل مباشر على الحركة الاقتصادية فيها، بما يشمل حركة الشاحنات من محافظة شمال سيناء وإليها.
العمل في الميناء يخضع لمتابعة ورقابة مشددة من قبل جهات أمنية في المحافظة
وأوضح المصدر أن هناك اهتماماً حكومياً بالغاً، منذ عدة أشهر، بتشغيل الميناء في أقرب وقت ممكن، ما دفع لاتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لتنفيذ ذلك، ليتحدد مطلع العام الجديد موعداً نهائياً لبدء الحركة الملاحية فيه، خصوصاً في ظل هدوء الأوضاع الأمنية في مدينة العريش تحديداً، خلال العام الماضي، بما يخدم تحسين الوضع الاقتصادي في المدينة التي تعد عاصمة محافظة شمال سيناء. وأشار إلى أن قرار التشغيل يحظى بمتابعة مباشرة من مكتب السيسي، وكذلك الجهات السيادية في شمال سيناء، وأن العمل في الميناء يخضع لمتابعة ورقابة أمنية مشددة من قبل عدة جهات أمنية في المحافظة، بما يضمن سلامة الحركة الملاحية، وعدم اختراق الإجراءات العسكرية والأمنية المتخذة في المحافظة منذ ست سنوات على الأقل.
وكان مركز أبحاث إسرائيلي يميني قد اقترح، قبل عام، معالجة "التحديات" التي يمثلها قطاع غزة لإسرائيل، من خلال تنفيذ خطة لتطوير شمال سيناء، شمال شرقي مصر، عبر التوسع في بناء مشاريع بنى تحتية يمكن أن تُوظف في تحسين الأوضاع الاقتصادية في القطاع. وفي ورقة صادرة عنه، لفت "مركز القدس لدراسة المجتمع والدولة"، الذي يرأس مجلس إدارته وكيل الخارجية الإسرائيلية السابق دوري غولد، إلى أنّ تدشين مشاريع بنى تحتية وسياحية في شمال سيناء، سيوفر فرص عمل للغزيين، إلى جانب إسهام تلك المشاريع، في معالجة مظاهر الحصار المفروض حالياً على القطاع. وتقترح الخطة، التي أعدها العميد المتقاعد شمعون شابيرا، الباحث في المركز، والذي سبق أن عمل سكرتيراً عسكرياً لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، أن تتولى الولايات المتحدة، ودول خليجية، مهمة تمويل المشاريع الهادفة إلى تطوير شمال سيناء. وتشمل الخطة تدشين ميناء بحري داخل ميناء العريش الحالي، بحيث يسمح برسو السفن الكبيرة التي ستستخدم في عمليات الاستيراد والتصدير لصالح قطاع غزة.
في المقابل، قال أحد تجار شمال سيناء، لـ"العربي الجديد"، إن كلمة السر في الاتجاه لتشغيل الميناء في هذا التوقيت بالتحديد، رغم عدم إنجاز مشروع التطوير، تتعلق بأمرين. الأول، وهو الحركة التجارية من شمال سيناء إلى الخارج، وهي في غالبيتها مشاريع تعود بالنفع على الحكومة المصرية، وبعض المشاريع التابعة للقوات المسلحة المصرية. والأمر الثاني، يتعلق بحركة التجارة إلى قطاع غزة عبر معبر رفح البري، والتي تعود بالنفع على شركة "أبناء سيناء"، التي يرأس مجلس إدارتها إبراهيم العرجاني، شريك محمود السيسي نجل الرئيس، ووكيل جهاز الاستخبارات المصرية، والذي تتردد عبارات الشكر له على قرار تشغيل الميناء، عبر صفحات المقربين منه على مواقع التواصل الاجتماعي. وإلا فلمَ العجلة في تشغيل الميناء بعد إغلاق دام سبع سنوات على الأقل، بما يؤثر على عملية التطوير المقررة؟ وكذلك من باب أولى، في حال أرادت الدولة المصرية خدمة المواطنين في شمال سيناء أن تسمح للصيادين بركوب البحر والبحث عن مصدر رزقهم، بدلاً من تشغيل الميناء لصالح الشركات الكبرى والمستثمرين.
ويعتبر ميناء العريش أحد الموانئ المصرية التابعة للهيئة العامة لموانئ بورسعيد، ويقع على ساحل البحر المتوسط. وتأسس الميناء في العام 1996، بعد صدور قرار بتحويل ميناء العريش من ميناء صيد إلى تجاري، إذ قامت الهيئة العامة لميناء بورسعيد بإعداد الميناء لاستقبال السفن التجارية. ويوجد في الميناء، الذي يقع على الساحل الشمالي للعريش، رصيف بطول 242 متراً يستخدم للسفن التجارية بغاطس من 7 إلى 8 أمتار، ورصيف آخر بطول 122 متراً يستخدم للعائمات الصغيرة بعمق 3 إلى 4 أمتار. وكذلك توجد ساحات تخزينية مغطاة وغير مغطاة. وتتلخص أنشطة الميناء في تصدير خامات سيناء التعدينية إلى دول البحر المتوسط والبحر الأسود، واستقبال سفن الصيد الصغيرة والبضائع.