- حركة البناء الوطني تجري مشاورات لتشكيل "حزام وطني" يدعم الرئيس تبون، في محاولة لتأسيس تحالفات تتجاوز مصالح الأحزاب الضيقة، مقابل رفض جبهة التحرير الوطني لقيادة حركة البناء للمشهد.
- الصراع بين الأحزاب يعكس حساسية تقليدية في العلاقة بين الأحزاب والسلطة، مع توقعات بمزايدات بين الأحزاب لاستعراض قوتها وقدرتها على التعبئة لصالح الرئيس، خاصة مع التركيز على حسابات ما بعد الرئاسيات.
يبرز في المشهد السياسي في الجزائر تدافع وسباق محموم بين أحزاب السلطة الجزائرية والقوى الموالية للرئيس عبد المجيد تبون، بشأن تصدّر الحملة الانتخابية للرئيس والطرف الذي يقودها على المستوى السياسي والشعبي. ففيما تقوم حركة البناء الوطني بمساعي تجميع قوى فتية حولها بنية تصدّر المشهد، تؤكد قيادة جبهة التحرير أنها "القاطرة التي تقود".
وكانت حركة البناء الوطني، وهي طرف في الحزام الحكومي والرئاسي، قد أعلنت أخيراً عن إجراء سلسلة مشاورات مع الأحزاب والمنظمات المدنية وشخصيات مستقلة، بشأن الانتخابات الرئاسية المقبلة. يأتي ذلك بزعم تشكيل ما وصفه رئيس الحركة عبد القادر بن قرينة، في لقاء مع إطارات الحزب السبت الماضي، في مدينة مستغانم غربي البلاد "حزاماً وطنياً يدعم رئيس الجمهورية في تحقيق أهداف برنامجه".
وأشار بن قرينة، خلال اللقاء، إلى أن "الجميع يقرّ بظهور نتائج الحزام الوطني، ونجددُ به فكر التحالفات الوطنية بعيداً عن مصالح الأحزاب والمكونات، ويحقق أغلبية لممارسة السلطة، ويؤسس لشبه إجماع وطني يساعد الرئيس القادم على ممارسة السلطة، وتنفيذ برنامجه بأريحية تامة". وبدا إثر هذه التصريحات أن هناك سباقاً لافتاً بين أحزاب الموالاة حول من يقود حملة تبون، ومن يظهر جاهزية سياسية أكثر لذلك.
وضمن مؤشرات هذا الصراع، بدا لافتاً نأي أبرز حزبين مواليين، جبهة التحرير الوطني والتجمّع الوطني الديمقراطي، عن المشاركة في مشاورات سياسية تقودها منذ أسبوعين حركة البناء الوطني.
ولا ترغب جبهة التحرير الوطني، بصفتها كبرى أحزاب السلطة التسليم بالقيادة لحركة البناء الوطني، وأكدت أنها ستكون في صدارة المشهد السياسي خلال الانتخابات الرئاسية، حيث أعلنت رسمياً عن دعم استمرار الرئيس تبون لولاية رئاسية ثانية في انتخابات السابع من سبتمبر/ أيلول المقبل، دون الحاجة إلى إجراء مشاورات داخلية حتى.
لا ترغب جبهة التحرير الوطني، بصفتها كبرى أحزاب السلطة، التسليم بالقيادة لحركة البناء الوطني
وقال الأمين العام للحزب عبد الكريم بن مبارك، السبت، خلال لقاء لقيادات الحزب في تمنراست أقصى جنوبي الجزائر، إن الجبهة ستشارك في الانتخابات "بقوة، كقاطرة تقود صدارة المشهد السياسي، لدعم الرئيس تبون لاستكمال برنامجه الطموح والواعد".
وأضاف بن مبارك "سيكون حزبنا في الطليعة لتوفير كل أسباب النجاح لهذه الانتخابات"، و"يظلّ هذا الحزب في الريادة والقوة السياسية والنضالية الأولى في البلاد، وحزبنا جاهز ومستعد للمساهمة بفاعلية في إنجاح الانتخابات الرئاسية المقبلة، ونحن جاهزون ومنفتحون على كل المبادرات، التي تحقق التوافق السياسي حول إجماع وطني في الرئاسيات المقبلة".
وفي السياق نفسه، أكد الأمين العام للتجمّع الديمقراطي مصطفى ياحي، السبت الماضي، في تجمع سياسي أن الحزب "يؤكد جاهزيته للمساهمة في إنجاح الانتخابات الرئاسية المقبلة، من خلال تجنيد كل قواه وفواعله من مناضلين ومنتخبين وإطارات ومحبين من أجل تحقيق هذا المسعى".
وأضاف ياحي أن "الجزائر تحتاج في المرحلة الراهنة إلى توافق سياسي حول رجل إجماع وطني في الرئاسيات المقبلة، وهذا من أجل الحفاظ على المكاسب المحققة".
وتقرّ قيادات في حزبي جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي بوجود تدافع غير معلن على صدارة الحملة الانتخابية، لكنها ترفض الحديث عن ذلك بشكل علني. وتعتبر قيادتا الحزبين أن الانخراط في أية مشاورات سياسية يقودها طرف معين بمفرده (حركة البناء الوطني)، قد تفهم على الصعيد السياسي على أنها تسليم له بقيادة المشهد، وتصدر حملة الرئيس تبون في الرئاسيات المقبلة.
وتذكّر القيادتان بتجربة سابقة لم تكن إيجابية بالقدر اللازم في العمل المشترك مع حركة البناء، خلال مشروع مبادرة التلاحم التي جرت في يونيو/ حزيران 2023، التي انتهت إلى تحفظات عبّر عنها الحزبان وأحزاب أخرى خاصة بشأن طريقة إدارتها من قبل قيادة حركة البناء، وهو ما قد لا يشجّع هذين الحزبين على تكرار التجربة.
ويعتقد مراقبون أن النشاط السياسي المكثف لأحزاب الموالاة، وإقدام أحزاب على إدارة الحملة الانتخابية، وإنشاء مبكر لفريق دعاية إعلامية، وقيادة سلسلة مشاورات مع القوى السياسية والتنظيمات المدنية، تدخل كلها في إطار تقديم نفسها للرئيس تبون وللسلطة على أساس الجاهزية والقدرة على تجميع القوى لصالح الرئيس تبون في الانتخابات المقبلة، وهو تدافع شهدته بعض الاستحقاقات السابقة أيضاً.
حساسية تقليدية بين أحزاب السلطة الجزائرية
وقال المحلل السياسي عادل أورابحي لـ"العربي الجديد"، إنه "من الواضح أن هناك تدافعاً وسباقاً بين قوى الموالاة، وتنافساً على قيادة حملة تبون، حركة البناء الوطني ترى نفسها في وضع مثالي يسمح لها بتصدر حملة الرئيس تبون، من حيث إن وجوهها القيادية معروفة شعبياً وإعلامياً، مقارنة بالقيادات الجديدة لحزبي جبهة التحرير الوطني والتجمع الديمقراطي غير المعروفة والتي ليس لها أي حضور شعبي وسياسي سابق".
واستدرك أورابحي بالقول: "لكنني أعتقد أن جبهة التحرير الوطني خاصة لن تسلّم بسهولة، وقد تفاجئ بإسناد أقوى للرئيس في الحملة الانتخابية".
وأضاف أنه "بسبب الحساسية السياسية التقليدية بين هذه الأحزاب في علاقتها بالسلطة، فإننا سنشهد سياق مزايدة على بعضها، بخصوص تقديم وإظهار الدعم السياسي لمرشح السلطة، ومن حيث إن كل حزب يعتبر أن الانتخابات الرئاسية فرصته الأساسية لاستعراض قوته وقدرته على التعبئة لصالح الرئيس تبون، خاصة أن عين هذه الأحزاب مرتبطة أساساً بحسابات ما بعد الرئاسيات على صعيد الحكومة والانتخابات النيابية المبكرة المحتملة، والتي يجري الحديث بشأنها".