يدفع تصاعد التوتر في منطقة بحر البلطيق، وعموم منطقة دول الشمال المحاذية لروسيا، السلطات الفنلندية نحو استجابة مختلفة للتحديات الأمنية في العلاقة مع روسيا، من ضمنها فكرة إنشاء جدار حدودي.
وبحسب المناقشات البرلمانية في هلسنكي أمس الثلاثاء، جرى التطرق إلى ما ينبغي عمله بشأن السياسات الأمنية والتحديات المتزايدة مع ارتفاع منسوب التوتر في العلاقة مع موسكو، وخصوصاً بعد أن أصبحت البلد على بعد رمية حجر من عضوية كاملة في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، مع جارتها السويد.
وقبيل الاجتماعات سُرِّب تبني مختلف التيارات السياسية لفكرة إنشاء جدار حدودي مع روسيا، بالأخص في المناطق التي تشكل خاصرة رخوة، وفقاً لتوصية الجيش الفنلندي وأمن الحدود.
وأشارت رئيسة الحكومة سانا مرين (يسار وسط) بعد اجتماع أمس إلى اعتبار المقترح المقدم "حيوياً وسيجري تبنيه". وكانت فنلندا قد شهدت استعادة أجواء الحرب المريرة التي خاضتها مع الاتحاد السوفييتي في 1939، وعرفت بحرب الشتاء، بعد أن استعرضت موسكو عضلاتها العسكرية بنشر صواريخ قيل إنها نووية، في مكان غير بعيد عن الحدود المؤدية إلى العاصمة هلسنكي.
وارتفع في البلد منسوب التأهب والنظرة السلبية للجار الروسي الذي تعايش معه طوال فترة الحرب الباردة بين الشرق والغرب (حتى عام 1992)، حيث اعتبرت موسكو أن جارتها الشمالية، بالإضافة إلى السويد، يجب أن تحافظا على "الحياد" في العلاقة المتوترة بينها وبين الغرب، فيما خطت هلسنكي أخيراً خطوة إضافية نحو عزل روسيا، حين قلصت فرص دخول الروس من سان بطرسبرغ بالحافلات بقصد السفر نحو وجهات أخرى، أو الانتقال كسائحين إلى الدول المجاورة.
ويشعر الروس بقلق إزاء تزايد الجرأة الفنلندية على الانخراط في المجهود العسكري والأمني في منطقة بحر ودول البلطيق. فعلى رغم محاولات هلسنكي لعدم توتير الأجواء مع موسكو، إلا أنها في أقصى الشمال الفنلندي السويدي تبدو أكثر نشاطاً في تتبع التحركات العسكرية الروسية المتزايدة في بحر بارنتس وعلى طول حدودها الشرقية لأكثر من 1300 كيلومتر مع روسيا، التي زادت في المقابل استغلال إعادة تنشيط قواعد جوية هامة في المنطقة القطبية، التي بقيت مهجورة سنوات طويلة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.
وخلال الأشهر الأخيرة خُصِّصَت ميزانية "مشروع تجريبي" لإقامة سياج حدودي شرقي فاصل على طول بضعة كيلومترات، ويبدو أن النقاشات الآن تتجه نحو مشروع واسع لإقامة جدار دفاعي ممتد من جنوب شرق فنلندا، غير بعيد عن سان بطرسبورغ.
وتعني إقامة هذا الجدار أن تغيراً جذرياً طرأ في علاقة الفنلنديين بجارهم الروسي، بحسب ما أشار تقرير لهيئة البث العام والتلفزيون في هلسنكي، واي إل إي (Yle)، أمس الثلاثاء.
ووفقاً للتقرير، فإن استكمال الجدار الحدودي سيأخذ وقتاً طويلاً، في ظل حاجة البلد إلى خطط دفاعية سريعة. وأشار في السياق زعيم "حزب التجمع"، بيتري أوربو، إلى أنه "نحن في خضم أزمة عميقة الآن، ونحتاج إلى إجراءات أخرى سريعة"، وفقاً لما نقلت صحيفة "هوفستادسبلاديت".
في المحصلة، يبدو أن الأزمة التي تعيشها فنلندا على المستوى المالي، في سياق الأزمة الأوروبية العامة بسبب الطاقة وارتفاع التضخم، لم تثنها عن تأكيد توفير مئات الملايين من اليوروهات لأجل تنفيذ السياج الدفاعي مع الروس، بحسب ما شددت رئيسة الحكومة مارين.
ومن الجدير ذكره أن "حرب الشتاء" الأولى أو الحرب السوفييتية الفنلندية (بين نوفمبر/تشرين الثاني 1939 ومارس/آذار 1940) شهدت هزيمة ساحقة للجيش الأحمر السوفييتي في غابات فنلندا، التي انتهجت أساليب حرب العصابات والمقاومة الشعبية.
ومنذ تاريخه، تبنت فنلندا ما يشبه خدمة إلزامية تشمل الذكور والإناث لجعل الشعب في معظمه مسلحاً وقادراً على مقاومة الجيوش الغازية لبلدهم، ولم تتراجع مع انتهاء الحرب الباردة عن أساليبها السابقة في تخصيص أموال كبيرة للموازنات الدفاعية والحرص على وجود آلاف الملاجئ (نحو 5 آلاف ملجأ) على امتداد البلد، لحماية حوالى 90 في المائة من الضربات النووية حتى.