تركيا والاتحاد الأوروبي: من حليف استراتيجي إلى ضيف ثقيل

11 ديسمبر 2020
عقوبات أوروبية على تركيا (Getty)
+ الخط -

يبدو بعيداً ذلك الزمن وقت انعقاد قمة هلسنكي عام 1999، عندما تقرر، بحماس كبير من قبل الأوروبيين، فتح الباب أمام مفاوضات الانضمام مع تركيا. إذ شكلت تلك القمة الأوروبية نقطة تحول في سجل العلاقات مع أنقرة. وجاء في خلاصات القمة آنذاك: "يرحب المجلس الأوروبي بالعناصر الإيجابية التي ميزت أخيراً تطور الوضع في تركيا. فضلاً عن نية تركيا مواصلة إصلاحاتها من أجل تلبية معايير كوبنهاغن"، التي تحدد انضمام مرشح إلى عضوية التكتل الأوروبي.
ويتذكر الصحافيون المعتمدون في بروكسل أنه في ذروة القمة، وفّرت فرنسا طائرة للمفاوضين الأوروبيين، خافيير سولانا عن المجلس الأوروبي، وغونتر فيرهوغن عن المفوضية الأوروبية، وممثل الرئاسة الفنلندية، للذهاب إلى أنقرة لشرح الموقف الأوروبي وإقناع رئيس الوزراء التركي حينها بولنت أجاويد بالحضور والتقاط صورة مع ممثلي الدول الأعضاء الأخرى. وبعد واحد وعشرين عاماً بالضبط، يمكن كتابة عكس كل جمل البيان الختامي لقمة هلسنكي تقريباً. إذ تستنكر أوروبا "افتقار تركيا إلى التقدم في إصلاحاتها، واستفزازاتها المتكررة، وتعاملها أحادي الجانب"، كما يقول الخبير في الشؤون الأوروبية نيكولا غرو فيرهايد لـ"العربي الجديد"، ويضيف "إذا كان لدى العديد من الدول، قبل بضعة أشهر، تردد حول الموقف من تركيا والحاجة إلى مواصلة الحوار، خصوصاً بعد مجموعة من التحركات التركية الإيجابية، كالتصريحات السياسية وسحب السفن مثلاً، التي يُنظر إليها أحياناً أنها تعهدات حسن النية من أنقرة، فاليوم لم يعد أحد ينخدع كما تكرر ذلك في عدة مراسم أوروبية. إذ لم يعد هناك أي قادة يؤمنون بجدية بأن حركة واحدة للسفن أو تصريح تركي سيغير قواعد اللعبة".

أزمة في وقت قياسي
‎بعد التحركات التركية في مجموعة من القضايا، سورية وليبيا وأرمينيا والبحر الأبيض المتوسط، اقتنع الأوروبيون بأن شيئاً ما انكسر في هذا التحالف بين اتحاد قوي اقتصادياً ودولة كبيرة تقع على نقطة التقاء أوروبا والشرق الأوسط. "ومع ذلك، فإن الأوروبيين لا يريدون تدمير كل شيء. والعقوبات المتخذة حتى الآن، وهي متدرجة، وفيّة لروح التعامل الأوروبي وما أرادته برلين على وجه الخصوص، للحفاظ على الباب مفتوحا دائماً للحوار الدبلوماسي"، وفق الخبير في الشؤون الأوروبية توماسو غالابوتي، مضيفاً لـ"العربي الجديد" أن "الأوروبيين لا يريدون قطع الجسور والاتجاه نحو نظام عقوبات صارم وقاس، قد يؤدي إلى إعادة النظر يشكل جذري في العلاقات مع شريك مهم ليس فقط على المستوى الأوروبي ولكن أيضا في إطار حلف شمال الأطلسي".
واستطرد "ومع ذلك، لا تنبغي الاستهانة ببادرة العقوبات هذه، ولا ينبغي التقليل من شأنها. فمثل هذه العملية تجاه دولة ما زالت نظرياً مرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي هي بمثابة إغلاق الباب أمامها، والاعتراف بأنها لم تعد "تلبي معايير كوبنهاغن". 
وأوضح "وإذا كانت عملية إقرار وتنفيذ العقوبات من قبل الاتحاد الأوروبي بطيئة في غالب الأحيان، فالتراجع عنها أبطأ بكثير". وكما يفسر إيريك كورنو، المختص في الشؤون الأوروبية، لـ"العربي الجديد"، "قد تبدو أوروبا ضعيفة وناعمة قليلاً وغير واثقة من نفسها. لكنها وجهة نظر مخطئة. فبمجرد الحصول على الوحدة بين الدول الأعضاء، من الصعب للغاية كسرها. لذلك يجب أن تكون أنقرة حذرة. فروسيا، التي حاولت في عدة مناسبات ثني قرارات العقوبات التي فرضت عليها، لم تتمكن من ذلك. الشيء ذاته بالنسبة للجانب البريطاني في قضية خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي. فعلى مدى أربع سنوات، بذل القادة البريطانيون كل شيء تقريبا لثني مواقف الأوروبيين من دون جدوى. رغم أن حججهم كانت أقوى بكثير من الأتراك".

رسائل القمة الأوروبية
وإذا كانت العقوبات الفردية على مجموعة من الشخصيات والكيانات التركية، مع التهديد باتخاذ إجراءات إضافية إذا واصلت تركيا استفزازاتها، لا ترقى إلى مستوى مطالب كل من اليونان وقبرص وفرنسا، التي كانت تفضل عقوبات اقتصادية مع حظر لبيع الأسلحة لتركيا، فإن رسائل كثيرة وجهتها القمة الأوروبية إلى أنقرة. ففي محاولة لتضييق الخناق تدريجيا، ينتظر أن يقدم وزير خارجية الاتحاد، جوزيب بوريل، تقريراً، خلال القمة الأوروبية التي ستعقد في آذار/مارس 2021، حول تطور الوضع، مع اقتراح، إذا لزم الأمر، بتوسيع العقوبات لتشمل شخصيات أو شركات جديدة.
 وعلى الرغم من أن تعليق مفاوضات الانضمام مع تركيا ليس مطروحاً حتى الآن على جدول أعمال العقوبات، فإن المفاوضات معلقة في الواقع من الناحية العملية، كما يشير العديد من الدبلوماسيين الأوروبيين. ولأول مرة تقدم المفوضية الأوروبية التقييم السنوي لتقدم عملية المفاوضات مع الدول المرشحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي من دون التطرق إلى تركيا، وهي إشارة سياسية قوية أخرى موجهة إلى أنقرة. أما تصريح المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي طالما دافعت عن ضرورة استمرار الحوار مع تركيا، بأن الاتحاد "يود إعداد برنامج عملي إيجابي بخصوص علاقاتنا مع تركيا، ولكنني مضطرة للقول إننا أصبنا في الرئاسة الألمانية للاتحاد بخيبة أمل بسبب الأحداث، وأقول ذلك بكل صراحة"، فيشير إلى أن تغييراً بدأ يحدث في السياسة الأوروبية تجاه تركيا.

المساهمون