تركيا: ملامح مبكرة للمعركة الانتخابية المحلية في المدن الكبرى

04 سبتمبر 2023
إسطنبول عقب الانتخابات الرئاسية، مايو الماضي (أنور دوغمان/Getty)
+ الخط -

بدأت الأحزاب السياسية التركية في الأيام الأخيرة تكثيف حراكها لرسم المعركة الانتخابية في كبرى المدن التركية، إذ تشهد البلاد بعد أقل من 7 أشهر انتخابات بلدية، تشكّل إسطنبول وأنقرة نقطة الصراع الكبرى فيها، خصوصاً بعد فوز التحالف الجمهوري الحاكم بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية في مايو/ أيار الماضي، لتنصب جهود المعارضة على محاولة تكرار سيناريو الانتخابات البلدية عام 2019 والفوز بكبرى المدن.

رئيسا بلديتَي إسطنبول أكرم إمام أوغلو وأنقرة منصور ياواش، وهما أبرز اسمين لدى حزب "الشعب الجمهوري" و"تحالف الشعب" المعارض، أعلنا عزمهما الاستمرار في حكم المدينتين لخمس سنوات مقبلة، في حملة جاءت بشكل منفرد من قبلهما من دون الإعلان من حزبهما بشكل رسمي. ويبدو أن إسراع الرجلين بإطلاق حملتهما تستهدف استباق أي مناقشات وسجالات، ومحاولة إعادة بناء تحالف للمعارضة مشابه للذي كان قائماً في الانتخابات المحلية السابقة، فالانتخابات المقبلة المُقررة في 31 مارس/آذار المقبل، تأتي بظروف مشابهة لسابقتها.

أنقرة وإسطنبول محور الخطط الانتخابية

وتحاول المعارضة الدفع باتجاه أن حكم البلاد والبرلمان بيَد التحالف الجمهوري الحاكم، بالتالي يجب أن تحظى المعارضة بفرصة الاستمرار بحكم البلديات التركية لتبقى المنافسة السياسية والخدمية في البلاد. من جهته، يدفع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى استعادة تحالفه في إسطنبول وأنقرة من المعارضة في ولايته الأخيرة، بعدما استنفد دستورياً فرص الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة إلا إذا لم يتم فترته بشكل كامل.

في الانتخابات الرئاسية الماضية، حصد تحالف المعارضة أصوات غالبية سكان المدن الكبرى

وتدفع هذه الأجواء الأطراف السياسية في تركيا لرسم خطط انتخابية، ولهذا تتوالى الإعلانات من الأحزاب والتصريحات التي تحمل انتقادات وتناقضات. ففي حين تؤكد أحزاب انفتاحها على إقامة تحالفات، تتحدث أخرى عن سعيها لخوض الانتخابات منفردة، ربما بهدف رفع سقف المطالب. وتبدو المعنويات مرتفعة لدى التحالف الجمهوري الحاكم بعد فوزه بانتخابات مايو الماضي، وسوء الخدمات في بلديات المعارضة بحسب قوله، إلا أن نتائج الانتخابات الأخيرة في المدن الكبرى ما زالت لصالح المعارضة.

وأعلن ياواش الأربعاء الماضي، نيته الترشح للانتخابات المحلية في العاصمة أنقرة طالباً الدعم من سكانها، وذلك في احتفالية عيد النصر الوطني. وقال: "أثق بكم عائلتي الكبيرة، أعتزم مواصلة أن أكون رئيس بلدية الجميع، ولا يوجد وقت لإضاعته بالمناقشات السياسية، وبدعمكم آمل خوض الانتخابات وأكون معكم في السنوات الخمس المقبلة".

وقبله بأسبوعين أعلن رئيس بلدية إسطنبول إمام أوغلو، عزمه الترشح مجدداً لانتخابات البلدية في إسطنبول. وقال في مؤتمر صحافي، إنه سيبدأ مشواره من أجل تقديم خدمات بشكل متساوٍ لـ16 مليوناً، هم سكان إسطنبول، وللدفاع عن المدينة، وسينطلق كما حصل في العام 2019، مع رفاقه في حزب "الشعب الجمهوري"، وبدعم بقية الأحزاب من أجل الفوز مجدداً. وتحدث عن سعيه لتأسيس تحالف إسطنبول الجديد، مضيفاً: "أقول لأصدقائي في حزب "الشعب الجمهوري"، لقد اعتذرت عن خسارة الانتخابات السابقة (الرئاسية والبرلمانية)، ليس هناك مجال لليأس، ويجب إزالة العوائق أمامنا".

لا خيار أمام المعارضة التركية سوى التحالف

وتمكنت المعارضة من الفوز بالانتخابات البلدية السابقة نتيجة تحالف شمل "الحزب الجيد" وحزب "الشعب الجمهوري" وحزب "السعادة"، وحظي بدعم حزب "الشعوب الديمقراطي" الكردي. هذا الأمر رفع الأمل لديها للفوز بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية السابقة، لكن بعد فشلها، شهد تحالف المعارضة انشقاقات وتراشقات واتهامات.

وعلى الرغم من ذلك لا يوجد خيار أمامها للفوز مجدداً سوى التحالف، وهو ما دفع إمام أوغلو وياواش للإعلان عن نيتهما الترشح لقطع الطريق أمام مرشحين آخرين ولتذكير المعارضة بالتحالف، إلى جانب منع المزيد من التراشق الإعلامي، خصوصاً أن الأوضاع الاقتصادية ما زالت تدفع بتفوق المعارضة في المدن الكبرى.

في المقابل، فإن "الحزب الجيد"، أبرز أطراف "تحالف الشعب" المعارض، سبق له أن أعلن نيّته خوض الانتخابات منفرداً. وأكد المتحدث باسم الحزب كورشاد زورلو، الثلاثاء الماضي، أن الحزب يستعد لتسمية مرشحين في عموم تركيا منها إسطنبول وأنقرة، في تأكيد لكلام زعيمة الحزب ميرال أكشنر قبلها بأيام. مواقف "الحزب الجيد" الغاضبة جاءت بعد نتائج الانتخابات البرلمانية والرئاسية الأخيرة التي خسر فيها تحالف المعارضة، إذ كانت أكشنر تأمل ترشيح إما رئيس بلدية أنقرة أو إسطنبول للانتخابات الرئاسية، في حين تمسّك زعيم "الشعب الجمهوري" كمال كلجدار أوغلو بترشحه.

غونغور يافوز أصلان: التحالف الجمهوري  يحافظ على مواقفه السابقة

وعرضت أكشنر على إمام أوغلو وياواش الترشح للرئاسة لكنهما التزما بتعليمات كلجدار أوغلو ودعماه في الانتخابات، الأمر الذي أغضب أكشنر، مع تمسك كلجدار أوغلو باستمرار إمام أوغلو وياواش بحكم البلديتين. وعلى الرغم من التصريحات المتباينة، إلا أن الخيارات قليلة لدى المعارضة وتتوقع أوساط متابعة استمرار التعاون المشترك بين الحزبين في الانتخابات البلدية.

انشقاقات في التحالف الجمهوري الحاكم 

على جبهة التحالف الجمهوري الحاكم، ثمة انشقاقات أيضاً وانتقادات من بعض الأحزاب لحكومة أردوغان، آخرها كان من زعيم حزب "الوحدة الكبرى" مصطفى دستجي الذي كشف الأربعاء الماضي، أن "الحزب سيكون له مرشحون في بعض المناطق، وسيكون له مرشحون أيضاً ضمن التحالف الجمهوري".

وقبلها كشف قيادي بارز في حزب "الرفاه من جديد"، الاثنين الماضي، أن الحزب، الذي يعد أحد أطراف التحالف الجمهوري الحاكم، سيخوض الانتخابات المحلية المقبلة منفرداً في جميع الولايات التركية. وقال نائب رئيس الحزب الوزير السابق سعاد كلج: "أعلنا أن حزب الرفاه من جديد سيخوض الانتخابات في 81 ولاية و922 منطقة، بمرشحيه، وسيكون هناك مرشحون لرئاسة البلديات وأعضاء المجلس البلدي".

وتمكن حزب "الرفاه من جديد" من دخول البرلمان بـ5 مقاعد في الانتخابات الأخيرة ليكون من أفضل الأحزاب الصاعدة، برئاسة فاتح أربكان، ابن القيادي الراحل نجم الدين أربكان، وينتمي إلى الرؤية الوطنية التي أسسها القيادي الراحل. ووجه أربكان الابن في الفترة السابقة انتقادات للحكومة الجديدة بسبب فرض الضرائب وارتفاع الأسعار وزيادة التضخم.

وعلى الرغم من هذه المواقف إلا أن حزبَي "العدالة والتنمية" و"الحركة القومية"، أبرز أطراف التحالف الجمهوري، لا يزالان على تناغم. وقال زعيم "الحركة القومية" دولت باهتشلي في تصريح الاثنين الماضي، إن "جميع مكونات التحالف الجمهوري الحاكم مستعدة من أجل خوض الانتخابات المحلية في 31 مارس المقبل، بكل سعادة وحماس، وسيواصل التحالف التعاون ضمن مفهوم العقل المشترك".

كما أفاد المتحدث باسم "العدالة والتنمية" عمر تشليك في مؤتمر صحافي في اليوم نفسه، بأن "التحالف الجمهوري بكافة مكوناته، كما أعلن الرئيس أردوغان وباهتشلي، مستمر في طريقه كما هو بدون أي تغيير". وكان أردوغان وباهتشلي التقيا الثلاثاء الماضي في ظل تسريبات عن إعطائهما التعليمات لقيادات الحزب للبدء بمرحلة التعاون. وتفيد التسريبات عن تقدم "الحركة القومية" في 3 ولايات، وسيكون المرشح للبلدية منها وتحديداً في أنطاليا ومرسين وأضنة، فيما يتفوق "العدالة والتنمية" في 51 ولاية.

التحالف الجمهوري يسعى لاختيار مرشحين أقوياء

استراتيجية التحالف الحاكم واضحة من خلال تغييرات داخل "العدالة والتنمية" في المؤتمر الطارئ الذي يُعقد في 7 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، وتتبعه فترة الترشيح، واختيار مرشحين قادرين على منافسة إمام أوغلو وياواش، ومحاولة تقليل حدة التضخم الذي يضرب سكان المدن الكبرى، التي من دونها يرى خبراء أن فرص فوز التحالف الحاكم في المدن الكبرى تبقى أقل من فرص المعارضة.

الكاتب الصحافي غونغور يافوز أصلان، قال لـ"العربي الجديد"، إن "التحالف الجمهوري عبر حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية، يحافظ على مواقفه السابقة من خلال تطوير تكتيكات معينة وليس التوافق ضمن الإطار العام، وهناك جهود بخصوص 30 بلدية كبرى وبلديات المناطق". وأضاف أنه "على جبهة المعارضة فإن الحزب الجيد وبعد مؤتمره العام (في يونيو/ حزيران الماضي)، وخطاب أكشنر قبل أيام يبدو أنه سيلجأ لخريطة طريق مختلفة في بعض المناطق بخوض الانتخابات لوحده". لكن أصلان لفت إلى أنه "ليس هناك موقف واضح عن فك الارتباط مع حزب الشعب الجمهوري، ويجب انتظار شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل لتبيان الصورة".

وفي ما يخص الأحزاب على جبهة التحالف الجمهوري لا سيما "الرفاه من جديد" و"الوحدة الكبرى"، لفت أصلان إلى أن "مواقف حزب الرفاه من جديد ليست جديدة، كما أن حزب الوحدة كان له موقف مشابه بالانتخابات السابقة، بعدم تسمية مرشح في البلديات الكبرى والمنافسة في البلديات الصغرى".

بالمقابل اعتبر أن "على الحزب الجيد أن يحدد وجهته المستقبلية، أما حزب الشعوب الديمقراطي فلا يستطيع الانفصال عن حزب العمال الكردستاني، ومن الواضح أن هناك تسمية لمرشحين من طرفهم باسم (حزب) اليسار الأخضر".
وفي وقت رأى أصلان أن إعلان رئيسَي بلدية أنقرة وإسطنبول ترشحهما للانتخابات ليس مبكراً، فإنه اعتبر أنه "لا خيارات لهما، والتحالف الجمهوري يسعى لتسمية مرشحين أقوياء لمنافستهما".

الفوز في أنقرة وإسطنبول رهن بالتحالفات

من جهته، قال الباحث في مركز "سيتا" التركي للأبحاث والدراسات عمر أوزكزلجك، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن انتخابات إسطنبول وأنقرة هي الأهم، بسبب "تفرّق المعارضة وعدم استقالة زعيم الشعب الجمهوري كمال كلجدار أوغلو، ما سيؤدي إلى رد فعل داخل حزب الشعب الجمهوري ويفتح الباب لفوز العدالة والتنمية"، لا سيما في حال ركّز الأخير على موضوع الزلزال (شباط الماضي)، ومسألة اللاجئين السوريين في المدينة، وتسمية "الحزب الجيد" مرشحاً له بإسطنبول.

أما عن الوضع في أنقرة، فقال أوزكزلجك إنه "مختلف، لأن إمام أوغلو في إسطنبول كان يتقاسم الكعكة مع الحزب الجيد وحزب الشعوب الديمقراطي، أما ياواش فقد تقاسم الكعكة في أنقرة مع الحزب الجيد فقط وخلفيته قومية وسيحظى بدعم الحزب الجيد ومن المتوقع أن يحافظ على حكم البلدية". لكنه أضاف: "في السياسة التركية كل شيء يمكن أن يتغير خلال 24 ساعة"، معتبراً أن "إعلان أحزاب التحالف الجمهوري دخول الانتخابات منفردة محاولة لزيادة نفوذها بالاستفادة من الرياح الحالية ومساومة بشكل أفضل مع حزب العدالة والتنمية الحاكم".

ولفت الباحث التركي إلى أن الحزب الجيد عليه أن يتخذ قراره في حال رغب بمنافسة العدالة والتنمية، ويكون صاحب كلمة في مستقبل السياسة التركية ما بعد أردوغان، من خلال تحديد مصير تحالفه مع كلجدار أوغلو. وأشار إلى أن حزب "الشعوب الديمقراطي" "يذهب باتجاه تسمية مرشحيه مع تصاعد الأصوات داخله والتي اعتبرت أن دعم كلجدار أوغلو بالانتخابات الرئاسية كان أمراً خاطئاً". ورأى أوزكزلجك أن "كلجدار أوغلو سيسعى لتحجيم إمام أوغلو كما فعل سابقاً مع المرشح الرئاسي وعضو الحزب (الشعب الجمهوري) محرم إنجه، وخلاصة الوضع أعتقد أن إسطنبول سيفوز بها العدالة والتنمية، فيما سيحتفظ ياواش بأنقرة".

المساهمون