تركيا تنذر فصائل المعارضة السورية: للالتزام بخطة ضبط الشمال

04 نوفمبر 2022
تريد تركيا أن تنضوي كل الفصائل ضمن الجيش الوطني (عمر حج قدور/فرانس برس)
+ الخط -

تتجه الحكومة التركية لترتيب الأوضاع في الشمال السوري المضطرب بسبب الخلافات بين فصائل المعارضة السورية، والتي خاضت الشهر الماضي مواجهات عنيفة، تدخّلت فيها "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، وكادت أن تعصف بهذه الفصائل وتبدّل خريطة السيطرة بشكل كامل، لولا التدخّل العسكري التركي.

وعُقد أمس الأول الأربعاء في مدينة غازي عنتاب جنوب تركيا، اجتماع بين ممثلي فصائل المعارضة السورية وبين مسؤولين عسكريين وأمنيين أتراك لـ"ضبط الأوضاع في الشمال السوري والقضاء على الفوضى الأمنية الموجودة، وتشكيل مرجعية عسكرية حقيقية لهذه الفصائل"، وفق ما كشف مصدر مطلع مقرب من بعض الفصائل التي حضرت الاجتماع، لـ"العربي الجديد".

وأشار المصدر إلى أن الجانب التركي عرض "خطة" على ممثلي الفصائل هدفها إرساء الاستقرار في الشمال السوري الذي يقع ضمن نفوذ أنقرة العسكري والأمني.

وبحسب مصادر تركية وسورية، تواصلت معها "العربي الجديد"، فإن أنقرة طلبت من قادة الفصائل الذين حضروا الاجتماع الالتزام بخطتها وفقاً للبنود التي حددتها، ملوّحة بفرض عقوبات.

خطة تركيا لضبط أوضاع الشمال السوري

وعن هذه الخطة، شرح المصدر المطلع المقرب من الفصائل، لـ"العربي الجديد"، أنها تتضمن انسحاب "تحرير الشام" عسكرياً وأمنياً من منطقة عفرين التي دخلت إليها أخيراً نصرة لبعض فصائل المعارضة المتحالفة معها، على أن يتم تشكيل هيئة استشارية من قادة الفيالق الثلاثة في "الجيش الوطني" مع الحكومة المؤقتة ووزارة الدفاع فيها، للتنسيق مع الجانب التركي وإدارة المنطقة.

كما تنص الخطة على "إفراغ وإلغاء جميع حواجز المنطقة وتسليمها للشرطة العسكرية التابعة للجيش الوطني"، إضافة إلى "تسليم جميع المعابر من أجل إدارتها من فريق عمل اقتصادي متفق عليه، وتوحيدها مالياً في صندوق واحد".

وبحسب المصدر، طلب الجانب التركي من الفصائل "حلّ جميع الأجهزة الأمنية ضمن الفصائل وإنشاء جهاز أمني واحد لكل المنطقة، وإغلاق جميع السجون التابعة لهذه الفصائل في الشمال".

تنص الخطة على إفراغ وإلغاء جميع حواجز المنطقة وتسليمها للشرطة العسكرية التابعة للجيش الوطني

وطلب الأتراك في الاجتماع "إنهاء جميع التشكيلات العسكرية الموجودة حالياً مثل: عزم، وثائرون، وحركة التحرير والبناء، وسواها من التشكيلات، وحل الفصائل الصغيرة والالتزام بالعمل فقط ضمن الفيالق العسكرية الثلاثة والتي هي قوام الجيش الوطني السوري، الذي من المفترض أن تنضوي كل فصائل المعارضة تحت رايته".

وهدد الجانب التركي بمحاسبة كل قائد فصيل يدخل باحتراب عسكري مع فصائل أخرى، كما طلب إخراج مقرات جميع الفصائل من المدن في الشمال السوري. وبحسب المصدر، طلب الجانب التركي أيضاً من ممثلي الفصائل "عدم الترتيب مع أي جهة خارجية بدون التنسيق مع الهيئة الاستشارية، وحل جميع المشاكل في المنطقة من خلال المؤسسات أو الفيالق أو الهيئة الاستشارية، وعدم الاحتكام لأي لجنة أخرى". واعتبر الأتراك المجلس الإسلامي السوري "مرجعية للجميع"، على أن "لا يتدخّل بين الفصائل".

وأوضح مصدر مطلع آخر، لـ"العربي الجديد"، أن اجتماع غازي عنتاب "استغرق 45 دقيقة فقط"، مؤكداً أن الجانب التركي "كان واضحاً في تهديد قادة الفصائل في حال عدم تنظيم أمور الشمال السوري"، مضيفاً: "المسؤولون الأتراك أكدوا أن أنقرة ستضطر للتعامل مع قادة آخرين في حال استمرار الفوضى في الشمال".

وأشار إلى أن الجانب التركي "طلب تفعيل الفيالق الثلاثة في الجيش الوطني السوري، وتفعيل دور وزير الدفاع في الحكومة المؤقتة، وتشكيل هيئة استشارية، وأمهل الفصائل حتى نهاية العام الحالي للقيام بهذه الترتيبات".

وقال المصدر إن المسؤولين العسكريين والأمنيين الأتراك "نوّهوا خلال الاجتماع إلى أن الجنسية التركية التي مُنحت لبعض قادة الفصائل لن تحميهم، وأن الثروات التي جُمعت من قبل البعض وموجودة في الخارج هي تحت الأنظار وغير محمية".

وبحسب المصدر، أكد الجانب التركي أيضاً أن "استخدام القوة ممنوع في حل أي خلاف بين الفصائل مستقبلاً"، مضيفاً: "طُلب من ممثلي الفصائل في الاجتماع عدم فتح أي قنوات اتصال مع الدول، وحل الأجهزة الأمنية المتعددة، والامتناع عن التواصل مع الجهات الرسمية التركية (الجيش، الداخلية، الرئاسة) إلا عن طريق الهيئة الاستشارية".

وأشار المصدر إلى أن الجانب التركي "فرض عقوبات على بعض الفصائل التي تسبّبت في الاشتباكات التي جرت في الشهر الماضي، ستُبلغ بها لاحقاً"، مضيفاً: "المسؤولون الأتراك كانوا واضحين برفضهم أي دخول لهيئة تحرير الشام إلى المناطق الخاضعة لفصائل المعارضة في الشمال السوري".

قيادة موحدة للجيش الوطني

لكن مصادر دبلوماسية تركية مطلعة قالت لـ"العربي الجديد": "ليس كل ما رشح إعلامياً من نقاط في الاجتماع يعد دقيقاً"، كاشفة أن "الجانب التركي كان هو الوحيد المتحدث في الاجتماع، وقادة الفصائل استمعوا له".

وأضافت المصادر أن "الجانب التركي تحدث بشكل حاسم وقاطع وبلغة حازمة بأن أنقرة هي صاحب الكلمة والقول الأخير في المنطقة، وعلى الفصائل ألا تخرج عن التعليمات التركية بعد الآن، ولا تتصرف من تلقاء نفسها، وإلا فإن العقوبة ستكون شديدة وتصل إلى حد الملاحقة، سواء في المناطق الآمنة أو داخل تركيا".

الجانب التركي تحدث بشكل حاسم وقاطع وبلغة حازمة بأن أنقرة هي صاحب الكلمة والقول الأخير في المنطقة

وأضافت أن "الجانب التركي كشف أنه بصدد تشكيل قيادة موحدة عسكرية للجيش الوطني، وهو ما يعني دخول فصائل في هذه القيادة وانتهاء مهام فصائل أخرى، أي أن هناك فصائل لن تكون موجودة مستقبلاً، وسيتم اختيار العناصر بعناية داخل القيادة والجيش الذي تعتزم أنقرة إنشاءه"، مشيرة إلى "تحميل أنقرة قادة الفصائل مسؤولية دخول تحرير الشام إلى المنطقة بسبب النزاعات بينها".

وأكدت المصادر أن "أنقرة مهتمة أيضاً بصورة استقرار المنطقة ووحدة الفصائل تحت قيادة واحدة، تجاه المجتمع الدولي ومستقبل المنطقة الآمنة"، مضيفة "استخدم الوفد التركي لغة حازمة وقاطعة، وقال كلامه وخرج من الاجتماع".

وجاء اجتماع غازي عنتاب بعد تدخّل "هيئة تحرير الشام" في نزاع داخلي بين فصائل المعارضة السورية الشهر الماضي، استغلته الهيئة لدخول عفرين شمال غربي حلب في محاولة منها لتغيير خريطة السيطرة بشكل كامل. لكن الجيش التركي تدخّل بشكل مباشر بعد أن وصلت أرتال الهيئة إلى تخوم مدينة أعزاز في ريف حلب الشمالي، والتي تعد المعقل الأهم لقوى المعارضة.

ولطالما عانى الشمال السوري من النزاعات بين الفصائل والتي تصل إلى حد الصدام العسكري والذي يذهب ضحيته عسكريون ومدنيون، فضلاً عن قيام فصائل ومجموعات بارتكاب تجاوزات "جسيمة" بحق السكان في مناطق الشمال. وما تزال النزعة الفصائلية هي السائدة في الشمال، على الرغم من ظهور "الجيش الوطني" منذ نحو خمس سنوات، لكنه لم يستطع القضاء على هذه النزعة.

ويزدحم الشمال بمناطقه الثلاث (غصن الزيتون، درع الفرات، نبع السلام الواقعة في شرقي نهر الفرات) بعشرات الفصائل والمجموعات التي لا رادع لها، وهو ما يدفع البعض منها إلى ممارسة تجاوزات بحق المدنيين أو الاقتتال بين بعضها أحياناً من أجل النفوذ، خصوصاً على المعابر بين مناطق المعارضة من جهة، ومناطق النظام و"قوات سورية الديمقراطية" (قسد) من جهة أخرى.

وبيّن الباحث السياسي في مركز "الحوار السوري" للدراسات أحمد القربي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "سياق الفوضى في الشمال مستمر منذ تحريره سواء من تنظيم داعش، أو من قسد"، مشيراً إلى أن الاحتراب الأخير بين الفصائل "ولّد رغبة لدى أنقرة بضبط الأوضاع في هذا الشمال، ولكن حتى الآن لم تتضح معالم الخطة التركية حيال ذلك".

ورأى القربي أن "العامل الرئيسي لهذا الضبط وجود إرادة تركية"، مضيفاً: "إذا وُجدت هذه الإرادة والرغبة لدى الأتراك ستنجح المبادرة في ضبط ما يجري في الشمال. بدون هذه الإرادة لن يكون هناك أي تحسن في الأوضاع السائدة اليوم في هذا الشمال".

المساهمون