تشير المعطيات والتطورات الميدانية في الشمال السوري، إلى أن الجانب التركي لا يزال مصراً على شن عملية برية ضد "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، على الرغم من الرفض الأميركي والروسي لذلك، ومحاولات إقناع أنقرة بتسوية ما، غير أن استمرار القصف التركي المدفعي والجوي العنيف، على شمال وشمال شرقي سورية، وتأكيد أنقرة حقها في "ملاحقة الإرهابيين" والتصرف خارج حدودها من أجل حماية أمنها، بالتوازي مع حشود على الأرض، كلها تؤكد اتجاه تركيا لشن هذه العملية.
تركيا تتمسك بحق التصرف في الخارج
وجدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، التأكيد أمس الأحد، أن بلاده لها "حق التصرف" في المناطق التي حددتها خارج حدودها من أجل حماية أمنها، وأنه "لا يمكن لأحد أن يمنعها من استخدام هذا الحق".
جاء ذلك خلال كلمة له في ملتقى جماهيري نظمه حزب العدالة والتنمية في إسطنبول. وأعلن أن القوات التركية "تمكنت من تحييد 480 إرهابياً من تنظيم حزب العمال الكردستاني عبر عملية "المخلب - القفل" الجارية شمالي العراق".
وفي كلمة أخرى، أكد أردوغان أنّ "نتيجة الكفاح الذي تخوضه تركيا ضد الإرهاب سواء في شمال العراق أو شمال سورية ستعود بالخير عليها". جاء ذلك خلال اتصال مع وزير الدفاع خلوصي أكار، خاطب فيه قادة القوات التركية المشاركة في عملية "المخلب-القفل" شمالي العراق.
أردوغان: تركيا لها "حق التصرف" في المناطق التي حددتها خارج حدودها من أجل حماية أمنها
وكان أكار يعقد أثناء الاتصال اجتماعاً مرئياً مع القادة من مركز للعمليات العسكرية لرفقة رئيس الأركان يشار غولر، وقادة القوات البرية والبحرية والجوية. وأشار أردوغان إلى أن الجيش التركي "يحاسب ويعاقب الإرهابيين على الدماء التي يريقونها".
من جهته، أكد أكار أن "القوات التركية ستواصل مطاردة الإرهابيين أينما كانوا"، وأن "دماء شهداء الجيش التركي لن تبقى بدون انتقام". تصريح أكار جاء خلال جولة تفقدية على الوحدات العسكرية التركية العاملة على الحدود التركية مع العراق أمس برفقة غولر وقادة القوات البرية والجوية والبحرية.
ولا يبدو أنّ أنقرة توصلت حتى يوم أمس إلى تفاهمات مع الأميركيين أو الروس حول العملية البرية في سورية. واعترف المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، أن هناك خلافات بين روسيا وتركيا بشأن الوضع في سورية، لكن مستوى العلاقات بين البلدين يسمح بحلها من خلال الحوار.
وأوضح بيسكوف في تصريح صحافي أمس، أن الخلافات مع تركيا بشأن سورية تم في وقت سابق وقفها والتقليص منها، وذلك بمجرد التوقيع على اتفاقية في سوتشي، مشيرا إلى أنه بعد ذلك صرح مسؤولون روس، وكذلك الرئيس أردوغان، عن عدم رضاهم عن تنفيذ الاتفاقية التي تم توقيعها. وأضاف أن "مستوى علاقاتنا وحكمتنا السياسية يسمحان لنا بحل هذه الخلافات، ليس من خلال المواجهة، بل من خلال المفاوضات الصعبة والطويلة أحيانا، ولكن مع ذلك بالمفاوضات".
قصف مكثف على مواقع "قسد"
في هذا الوقت، أعلنت وزارة الدفاع التركية مواصلتها قصف "مواقع الإرهابيين" شمالي سورية والعراق. ونشرت الوزارة في حسابها على مواقع التواصل الاجتماعي، مشاهد القصف المدفعي وأكدت "استهداف أوكار الإرهابيين وهدمها على رؤوسهم".
واستأنف الجيش التركي قصف مواقع تابعة لـ"قسد" وقوات النظام في الشمال السوري منتصف ليل السبت-الأحد. وشنّت طائرات حربية غارات على مطار منغ العسكري شمال حلب، وعلى قرى شوارغة المالكية ومراش شمالي حلب، الخاضعة لسيطرة "قسد".
كما وسعت المدفعية التركية نطاق قصفها في ريف حلب، مستهدفة قرى الشعالة وزويان وتلال العنب والشيخ عيسى ومحيط مدينة تل رفعت في ريف حلب الشمالي، إضافة إلى قرى طاطمرش والشوارغة والعلقمية ومرعناز وتنب والمالكية في ناحية شران بريف عفرين شمال غرب محافظة حلب.
وتحدث المرصد السوري لحقوق الإنسان عن سقوط خمسة قتلى من قوات النظام السوري في قرية قرب مدينة تل رفعت نتيجة قصف بمسيّرة تركية أمس. كما أشار إلى تبادل للقصف المدفعي بين القوات الكردية من جهة والقوات التركية والفصائل السورية الموالية لها في المنطقة. وأسفرت الضربات التركية منذ 20 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي عن مقتل نحو 65 شخصاً، بينهم 35 مقاتلاً من "قسد" وحلفائها، و28 عنصراً من قوات النظام السوري.
وتزامن القصف مع دخول تعزيزات جديدة من داخل الأراضي التركية عبر معبر باب السلامة تضمّنت دبابات ومدفعية ومعدات لوجستية، وفق قيادي في الجيش الوطني المعارض لـ"العربي الجديد"، الذي أفاد أيضاً بانتقال وحدة عسكرية تركية كاملة من إدلب إلى ريف حلب الغربي. وأضاف القيادي أن أغلب الأهداف المحددة التابعة لـ "قسد" في ريف حلب الشمالي تم استهدافها من قبل الجانب التركي عن طريق الغارات الجوية أو القصف المدفعي، مضيفاً: "دُمرت أبراج الاتصال وغرف العمليات والنقاط المحصنة".
مصادر في المعارضة السورية: تم توزيع محاور العملية المرتقبة على فيالق الجيش الوطني السوري الثلاثة والاستعدادات باتت كاملة لشن العملية
وكشفت مصادر في المعارضة السورية لـ"العربي الجديد" أنه "تم توزيع محاور العملية المرتقبة على فيالق الجيش الوطني السوري الثلاثة"، مضيفة: الاستعدادات باتت كاملة لشن العملية. ورجحت أن تكون بلدة تل رفعت في ريف حلب الشمالي غرب نهر الفرات الهدف المقبل إضافة إلى مدينة عين العرب في شرقي الفرات.
في الأثناء، وصلت تعزيزات عسكرية لقوات النظام السبت إلى عين العرب ضمّت 20 آلية على الأقل من دبابات وناقلات جند ومدافع ومواد لوجستية وسيارات مرفقة برشاشات ثقيلة، وانتشرت في نقاط تقع غربها، وفق مصادر محلية في الشمال.
كما ذكرت مصادر مطلعة في مدينة القامشلي أن الجانب الروسي عقد اجتماعات عدة مع قياديين في "قسد" للتباحث حول العملية التركية المحتملة، مشيرة إلى أن موسكو "تحاول استغلال المخاوف الكردية من توغل تركي لتحصيل مكاسب للنظام في شرقي الفرات".
عملية محدودة تستثني عين العرب؟
في غضون ذلك، نقل موقع "باسنيوز" عمن قال إنه مصدر كردي مطلع، لم يسمه، توقعه أن تكون هناك عملية برية تركية "محدودة" غربي الفرات، شمال شرقي حلب. وقال المصدر، وهو مقرب من "وحدات حماية الشعب"، وفق الموقع، إن هناك مفاوضات بين روسيا وتركيا حول عملية عسكرية تركية محدودة في شمالي حلب.
وتوقع "أن تشن تركيا عملية برية محدودة على مناطق الشهباء وريف منبج الواقعة تحت سيطرة قسد". واستبعد أن تشن تركيا أي هجوم بري على منطقة عين العرب في الوقت الحالي وذلك بسبب "خصوصية المدينة وموقف واشنطن الرافض لأيّ عملية عسكرية تركية في شرق الفرات".
وفي السياق، اعتبر المحلل السياسي التركي فراس رضوان أوغلو، في حديث مع "العربي الجديد"، أن أنقرة "جادة أكثر من أي وقت مضى في شن عملية ضد قسد في الشمال السوري"، مضيفاً: "البدء بالعملية من عدمه مرتبط بمدى التوصل إلى تفاهمات بين أنقرة وموسكو وواشنطن حيال الأوضاع في الشمال السوري".
البدء بالعملية من عدمه مرتبط بمدى التوصل إلى تفاهمات بين أنقرة وموسكو وواشنطن
من جهته، رأى النقيب المنشق عن قوات النظام، الباحث في "المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام"، رشيد حوراني، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "كل المؤشرات حتى اللحظة تؤكد أن الجانب التركي جاد في شن عملية برية واسعة النطاق في الشمال السوري".
وتابع: "هناك تحضيرات عسكرية للقوات التركية وحلفائها المحليين من الفصائل السورية، وفرض حظر التجول في مدينة كلس التركية على الحدود، وارتفاع وتيرة الاجتماعات بين تركيا مع كل من روسيا والولايات المتحدة الأميركية من جهة، وبين قسد وكل من روسيا والولايات المتحدة من جهة أخرى، وهي مؤشرات كافية للدلالة على جدية العملية وعزم أنقرة على تنفيذها وتحصيل مناطق نفوذ جديدة على حساب الجانبين الروسي والأميركي".
ورأى حوراني أن موسكو وواشنطن "فشلتا في تطبيق التفاهمات التي جرت بينهما وبين أنقرة بما يتعلق بوضع قوات قسد في الشمال السوري". واعتبر أن النظام السوري لن يستفيد من أي عملية عسكرية يشنها الجانب التركي "لأن قسد لم تقبل بما يطلبه النظام منها من سيطرة كاملة على مناطق نفوذها، لمنع أي تدخل عسكري تركي في شمال وشمال شرق سورية".