قبلت المحكمة الدستورية العليا في تركيا، اليوم الاثنين، مذكرة الادعاء المطالبة بإغلاق حزب "الشعوب الديمقراطي" الكردي المعارض، لتبدأ فعليا المحاكمة ومراحلها.
وقررت المحكمة في الجلسة التي عقدت صباح اليوم في أنقرة، وخصصت للنظر في المذكرة التي أعدها مدعي عام المحكمة الإدارية العليا، والتوصيات التي جاءت من مقرر مكلف من المحكمة، بقبول الدعوى ولائحة الاتهام المقدمة، والبدء بالمحاكمة.
كما قررت المحكمة، في نفس الجلسة، النظر لاحقا في طلب المحكمة الإدارية العليا تجميد دعم خزينة الدولة للحزب، وتجميد أصوله المالية وحسابات الحزب المصرفية.
وكان مقرر المحكمة الدستورية العليا قد أوصى، الجمعة الماضي، المحكمة بقبول مذكرة الادعاء العام الثانية الصادرة عن المحكمة الإدارية العليا لإغلاق حزب "الشعوب الديمقراطي" الكردي، عقب رفض المذكرة الأولى التي رفعت في مارس/آذار الماضي بسبب نقص في الأصول، وتفيد التوصية الجديدة بقبول المذكرة وعدم حجز أموال وتجميد حسابات الحزب في الوقت الحالي، وطلب الحصول على مدافعة من حزب "الشعوب الديمقراطية".
ومع قبول المحكمة الدعوى بحسب توصية المقرر، تكون دعوى إغلاق الحزب قد بدأت رسمياً، وعليه، سيتم إصدار قرار يتعلق بأصول وحسابات الحزب في وقت لاحق، ويتم إرسال المذكرة لحزب "الشعوب الديمقراطي" من أجل تقديم مدافعة أولى خلال 60 يوماً، يمكن تمديدها بطلب من الحزب.
المحاكمة ينتظر أن تستمر من 8 أشهر إلى قرابة العام
كما سيقدم الادعاء العام مطالعته وترسل أيضاً لـ"الشعوب الديمقراطي"، ليرافع لاحقا كل طرف عن نفسه أمام المحكمة، وبعد استكمال التقرير، سيتم عرضه على الأعضاء ليتم تحديد موعد من قبل رئيس المحكمة، من أجل اتخاذ قرار الإغلاق الذي يتطلب موافقة 10 أعضاء من أصل 15 من المحكمة.
وبحسب خبراء قانونيين، فإن المحاكمة ينتظر أن تستمر من 8 أشهر إلى قرابة العام، بسبب كثرة الأدلة المتوفرة في مذكرة الادعاء العام، والتي تتضمن تهماً تتعلق بالإرهاب نتيجة الارتباط بحزب "العمال" الكردستاني المحظور، ومطالبة المذكرة بمنع عدد كبير من السياسيين من ممارسة العمل السياسي.
وتتألف المذكرة التي قبلت اليوم من قرابة 850 صفحة، بعد أن كانت في المرة الأولى تبلغ 609 صفحات، وطالبت المحكمة الإدارية بمنع قرابة 500 سياسي من حزب "الشعوب الديمقراطي" من ممارسة العمل السياسي، وتجميد حسابات الحزب المصرفية.
وتأتي الدعوى القضائية تتويجا لتحقيقات أجرتها المحكمة الإدارية العليا، وبظل ضغوط من حزب الحركة القومية اليميني المتطرف، حليف حزب العدالة والتنمية الحاكم، وضغوط مماثلة شملت طرد نواب من البرلمان ومحاولات رفع الحصانة عن نواب برلمانيين آخرين.
وجاء في بيان صادر عن المحكمة الإدارية العليا أن "المذكرة تتضمن، بما لا يدع مجال للشك، دلائل عن تهديد الحزب لوحدة الدولة عبر الأفعال والممارسات التي قام بها، وتمت إعادة تنظيم المذكرة من جديد مع التحفظ على سبب الإعادة بوقت سابق، والحديث عن نواقص في المذكرة الأولى".
واستند المدعي العام، في بيان صدر عنه، إلى المادة 90 الفقرة 68/3 من الدستور، والتي تنص على ممارسة الحزب السياسي فعالياته وفق القواعد الديمقراطية والعالمية بطريقة سلمية، والمادة 14 التي تنص على مبادئ الدولة ووحدة الشعب والبلاد، والمواد 69 و103 و68 المرتبطة بالقضية، واستندت المذكرة كذلك إلى الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان حسب المادة 11، الفقرتين الأولى والثانية المتعلقتين بحرية ممارسة العمل المدني، بما يضمن الأمن العام على الصعيد الوطني.
وتأسس حزب "الشعوب الديمقراطية" في عام 2012، وخلف حزب "السلام والديمقراطية" الكردي الذي أغلق في عام 2014، وحزب "المجتمعات الديمقراطية" الكردي الذي أغلق في عام 2009، ويتوقع أن تشهد الأيام المقبلة تظاهرات من مؤيدي وأنصار الحزب اعتراضا على هذا القرار، وردود فعل سياسية من المعارضة بشكل كبير.
ويعتبر حزب "الشعوب الديمقراطي" الحزب الكردي الوحيد في البرلمان، وحقق في الانتخابات البرلمانية التي جرت في عام 2018 نسبة 11.7٪ من الأصوات بمجموع 67 نائبا برلمانيا، ولكن مع الاستقالات وطرد الحزب بعض الأعضاء، وطرد البرلمان لآخرين، انخفض عدد النواب إلى 55 نائبا من إجمالي 600 نائب يشكلون البرلمان التركي.
شكل موضوع إغلاق "الشعوب الديمقراطي" حديث السياسيين مؤخرا مع طلب الأحزاب القومية إغلاق الحزب
وشكل موضوع إغلاق الحزب حديث السياسيين مؤخرا، مع طلب الأحزاب القومية إغلاق الحزب، في ظل صمت من الحزب الحاكم، ورفض من المعارضة، خاصة أن حزب "العدالة والتنمية" سبق أن عانى من دعوى قضائية في عام 2008 لإغلاقه، ولكنه نجا بأعجوبة وعمل على تعديلات دستورية تصعب من إغلاق الأحزاب، وحصر ذلك بالقضاء، إذ كان سابقا يمكن تقديم الطلب مباشرة للمحكمة الدستورية العليا.
وفي الوقت الذي رفض فيه الحزب الكردي تقديم أي تعليق حاليا، ينتظر أن يعلق بشكل موسع على ما جرى من إجراءات لاحقا، واكتفى الحساب الرسمي للحزب بكتابة تغريدة على تويتر تضمنت أن "محاكمة كوبناني متواصلة وفيها تشهد محاكمة آيلا آكات آتا، في محاكمة فاشية، فإن الكفاح كما جرى عبر الشوارع سيتواصل أيضا عبر قاعات المحكمة"، في إشارة إلى أن الحزب سيلجأ إلى كافة الوسائل القانونية المشروعة للدفاع عن نفسه.
وينتظر أن تتصاعد ردود الأفعال المحلية والدولية على قرار قبول المحكمة الدعوى، وأن تكون هناك ردود فعل شعبية من قبل أنصار الحزب، وخاصة في مناطق ذات غالبية كردية.