ترتيبات بهدف إطلاق حزب سوري معارض: أي جدوى لتعدد الأجسام السياسية؟

10 يونيو 2024
نصر الحريري في إسطنبول، 23 ديسمبر 2020 (عمر أنصار/الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- شخصيات مدنية وعسكرية معارضة في إسطنبول تعمل على تأسيس حزب سوري معارض جديد لإحياء القضية السورية وكسر الجمود السياسي، مع تساؤلات حول الحاجة لأجسام سياسية جديدة في المشهد المعارض المتشعب.
- المشهد السياسي المعارض يعاني من تحديات التمثيل الفعال والثقة، مع تراجع بريق الائتلاف الوطني السوري وصعوبات تواجه منصات مثل "موسكو" و"القاهرة" وهيئة التنسيق الوطنية للتغيير الديمقراطي.
- الجهود لتوحيد المعارضة وإطلاق أجسام سياسية جديدة تواجه عقبات مثل الانقسامات الداخلية والتأثيرات الإقليمية والدولية، مع التأكيد على أهمية وحدة الموقف والعمل المشترك لتنشيط الحياة السياسية وتمكين الأجيال الجديدة.

تعمل شخصيات مدنية وعسكرية سورية معارضة على كسر حالة الجمود والمراوحة التي تضرب المشهد السياسي من خلال إطلاق حزب سوري معارض جديد تأمل أن يكون خطوة في اتجاه إعادة القضية السورية إلى دائرة الاهتمام الدولي، إلا أن هذا الأمر طرح علامة سؤال حول حاجة المعارضة إلى أجسام سورية سياسية جديدة تضاف إلى التيارات الموجودة على الساحة.

وذكرت مصادر مطلعة، لـ"العربي الجديد"، أن عدة شخصيات سورية معارضة "سبق لها العمل في الشأن العام" تعمل في مدينة إسطنبول التركية على وضع اللمسات الأخيرة على النظام الداخلي لحزب جديد"، مرجحة أن يتم الإعلان عن إطلاق حزب سوري معارض جديد خلال العام الحالي.

وقال نصر الحريري، الرئيس الأسبق للائتلاف الوطني السوري والرئيس الأسبق لهيئة التفاوض وأبرز الوجوه السياسية التي تعمل على إطلاق حزب سوري معارض جديد في حديث مع "العربي الجديد"، إنه "جرت اجتماعات بين سوريين أخيراً لكسر حالة الجمود والعطالة في الملف السوري"، مضيفاً: هناك غياب لتمثيل سياسي حقيقي للسوريين.

نصر الحريري: الشارع السوري لديه رغبة واضحة في ولادة أجسام سياسية جديدة

وتابع الحريري: هناك استياء كبير من الوضع الحالي لمؤسسات المعارضة لعدم قدرتها على أداء دورها بشكل فعال. هذه المؤسسات باتت أقرب إلى تمثيل مصالح الدول الفاعلة في الملف أكثر من تمثيلها المصلحة الوطنية السورية، في ظل غياب المشروع السياسي واقتصار النشاط على الزيارات الوهمية.

إطلاق حزب سوري معارض جديد

وأعرب الحريري عن اعتقاده بأن الشارع السوري "لديه رغبة واضحة في ولادة أجسام سورية سياسية جديدة، إذ يجب أن تكون لدينا مرجعية سياسية واحدة من تيارات وأحزاب ناضجة للمحافظة على الثورة وصناعة مستقبل أفضل للسوريين. ورأى أن الأجسام السياسية السورية المعارضة الموجودة اليوم "وُلدت بالصدفة"، مضيفاً: الكثير منها وهمية، تضم شخصيات تفتقر إلى الحالة التمثيلية. هذه أجسام وظيفية فقط للمشاركة في العملية السياسية المعطلة أصلاً، ولن يكون لها أي حضور في المستقبل السياسي السوري.

تقارير عربية
التحديثات الحية

وينقسم المشهد السياسي المعارض اليوم إلى هيئات ومجالس ومنصات خارجية، وأخرى داخلية، وثالثة مستبعدة تماماً عن العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة والمتوقفة منذ عامين. ويأتي الائتلاف في مقدمة أجسام المعارضة السورية في الخارج، حيث تعتبره الأمم المتحدة الممثل الأهم لهذه المعارضة، لذا له النصيب الأكبر من أعضاء الهيئة التي تتولى عملية التفاوض مع النظام.

وكان الائتلاف قد أُسس في نوفمبر/ تشرين الثاني 2012 في العاصمة القطرية الدوحة في ذروة الحراك الثوري في سورية، ليكون الممثل الشرعي والوحيد للثورة، ونال اعترافاً وترحيباً إقليمياً ودولياً، لكنه مع مرور السنوات فَقَد الكثير من بريقه السياسي. وجرت في السنوات الأخيرة عدة محاولات "لإصلاح" الائتلاف الوطني السوري، وتوسيع دائرة التمثيل فيه، إلا أنها لم تنجح في ردم هوّة عدم الثقة التي تفصله عن الشارع السوري المعارض الذي عبّر في حراكه المستمر عن فقدانه الثقة بهذه المعارضة بأجسامها الحالية، خصوصاً تلك التي تتحرك في الخارج.

وإلى جانب الائتلاف هناك منصات سياسية أخرى تعمل في الخارج، منها "موسكو"، التي تدور في فلك الرؤية الروسية للحل في سورية، و"القاهرة"، التي انبثقت عن اجتماعات موسعة لمعارضين سوريين في العاصمة المصرية في العام 2015. بيد أن الوقائع تشير إلى أنه ليس لهما أي حضور أو تأثير في الشارع السوري المعارض، وأنهما تملكان توجهات "مهادنة" للنظام، ومخالفة لأولويات هذا الشارع.

ويُنظر إلى هيئة التنسيق الوطنية للتغيير الديمقراطي على أنها تمثّل معارضة الداخل السوري، رغم كونها ما زالت تنشط في دمشق. وتأسست الهيئة في أواخر العام 2011، في ذروة الثورة السلمية في البلاد، وتضم مجموعة من الأحزاب والحركات ذات التوجهات القومية العربية، إضافة إلى أحزاب ذات أبعاد يسارية. وتعرضت الهيئة للكثير من الهزات السياسية، إذ انشقت شخصيات قيادية عدة عنها، خلال السنوات الماضية، فضلاً عن تغييب اثنين من أبرز قادتها المؤسسين لها في سجون النظام السوري، وهما عبد العزيز الخيّر، ورجاء الناصر.

مصدر معارض: تيارات المعارضة اليوم كلها مرتبطة بل مرتهنة لجهات إقليمية ودولية

وعارضت الهيئة منذ البداية عسكرة الثورة، ودعت إلى حوار مع النظام السوري، الذي لم يكترث بمحاولات التوصل لحلول سياسية للقضية السورية وفق القرار الدولي 2254 الصادر منذ نحو تسع سنوات. وفي الشمال الشرقي من سورية، هناك مجلس سورية الديمقراطي (مسد)، وهو الجناح السياسي لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، إلا أنه مستبعد تماماً من العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة بسبب رفض الائتلاف الوطني تمثيله في هيئة التفاوض بسبب ارتباطه بهذه القوات المتهمة بالتبعية لحزب العمال الكردستاني.

وحاول هذا المجلس مراراً الوصول إلى صيغ تفاهم مع عدة أطراف معارضة، منها هيئة التنسيق الوطنية، ولكن هذه المحاولات لم يكن لها أي انعكاس على المشهد السوري المعارض. كما أبدى استعداده للتفاوض مع الائتلاف الوطني السوري، إلا أنّ الأخير وضع فك ارتباط "الاتحاد الديمقراطي"، أبرز أحزاب هذا المجلس، و"قسد" عن حزب العمال الكردستاني، المصنف من دول عدة في خانة التنظيمات الإرهابية، شرطاً قبل الدخول في هذه المفاوضات. وفي الشمال الغربي من سورية يكاد يغيب العمل السياسي تماماً في ظل سيطرة هيئة تحرير الشام التي تمنع نشاط أي أحزاب أو تيارات سياسية تخالف توجهها، وهو ما كان أحد الأسباب المباشرة لاندلاع حراك شعبي ضدها منذ فبراير/ شباط الماضي.

ورأى أحمد العسراوي، وهو قيادي في هيئة التنسيق الوطنية وعضو وفد المعارضة في اللجنة الدستورية، في حديث مع "العربي الجديد"، أن المعارضة اليوم "بحاجة إلى وحدة موقف وجهود أكثر من حاجتها إلى إطلاق حزب سوري معارض وذلك مع تراجع الاهتمام بالملف السوري بعد اندلاع الحرب الأوكرانية واستمرار العدوان الصهيوني على فلسطين عامة وقطاع غزة خاصة.

من جانبه، رأى مدير وحدة الدراسات في مركز "أبعاد" محمد سالم، في حديث مع "العربي الجديد"، تعليقاً على العمل من أجل إطلاق حزب سوري معارض أن "وجود أجسام سورية سياسية جديدة أمر حيوي وضروري، سواء في الداخل السوري أو الخارج"، مضيفاً: هو دليل على وجود حياة سياسية متجددة وعلى اهتمام الشارع بالسياسة وبكيفية تنظيم حراكه السياسي على شكل تيارات وأحزاب وجمعيات منظمة. وأشار سالم إلى أن "هناك أجيالاً جديدة ولدت، ومن الطبيعي أن تبحث عن الانتماء أو العمل ضمن صيغ جديدة، وهذا أمر صحي"، مضيفاً: لكن الأهم هو أن تكون هناك محصلة لعمل هذه التيارات، بحيث تكون قادرة على الائتلاف والتحالف أو التنسيق في ما بينها لتعمل بشكل متناسق ومنسجم، لا أن تعمل بعضها ضد بعض، وهو ما عانته بدرجات متفاوتة فصائل وتيارات المعارضة السورية حتى اللحظة.

وبُذلت جهود كبيرة خلال السنوات الماضية لتوحيد هيئات المعارضة السورية المختلفة "إلا أنها اصطدمت بمصالح إقليمية ودولية تريد بقاء الحال في سورية على ما هو عليه"، وفق مصدر معارض فضّل عدم ذكر اسمه. وأعرب المصدر المعارض تعليقاً على العمل بهدف إطلاق حزب سوري معارض جديد، عن اعتقاده بأن السوريين "باتوا خارج معادلة بلادهم"، مضيفاً: مصير سورية بيد القوى الإقليمية والدولية، وحتى النظام تابع للروس والإيرانيين، ولا كلمة له على الإطلاق، والشعب دفع ولا يزال الثمن الباهظ من تهجير وتفقير وضياع، وأشار إلى أنه "جرت محاولات خلال السنوات الماضية لعقد مؤتمر جامع لأطياف المعارضة للخروج بمرجعية سياسية واحدة وموحدة، إلا أنها فشلت بسبب الهوّة الكبيرة التي تشكلت عبر سنوات بين أطياف المعارضة، فضلاً عن سعي إقليمي ودولي لإبقاء هذا الشرخ".