على بعد أربعة أسابيع فقط من موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، سادت الفوضى السياسية في الولايات المتحدة، بشكلٍ غير مسبوق، مع تفشي فيروس كورونا، في العاصمة واشنطن، وفي البيت الأبيض، وذهاب قيادات رفيعة في الجيش إلى العزل بسبب مخالطتهم لمصابين بالوباء، بالإضافة إلى وقف العمل في مبنى الكابيتول (الكونغرس)، لأسبوعين. هكذا، بات دونالد ترامب، بكل ما للكلمة من معنى، رئيساً لدولة عظمى، لكنها غارقة بأزمة صحية مهيمنة على كل مفاصل السلطة. على الرغم من ذلك، لا يزال الملياردير الجمهوري، يُكابر، في محاولة للعب آخر أوراقه السياسية في وجه الديمقراطيين، فيما يطلق الحزب الأزرق صرخته الأخيرة قبل يوم الاقتراع، مع تحشيد بعنوان "إعادة توحيد البلاد".
يسعى الجمهوريون للتصويب على أن قضية التدخل الروسي هي خدعة ديمقراطية
ولا تزال مفاجآت أكتوبر/تشرين الأول، تتوالى في واشنطن. وأعلن دونالد ترامب أول من أمس الثلاثاء، رفع السرّية عن جميع الوثائق المتعلقة بالتحقيقات الاتحادية في التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية، واستخدام وزيرة الخارجية السابقة، ومنافسة ترامب الديمقراطية في 2016، هيلاري كلينتون، خادماً خاصاً لرسائل البريد الإلكتروني الحكومية. وكتب الرئيس الأميركي على "تويتر"، أنه "أذن برفع السرية تماماً عن جميع الوثائق المتعلقة بأكبر جريمة سياسية في التاريخ الأميركي، خدعة روسيا. وبالمثل، فضيحة البريد الإلكتروني الخاص بهيلاري كلينتون. لا تنقيح". وعلى الفور، بدأت الأصوات الجمهورية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومنها المتحدثة السابقة باسم ترامب، كايلي ماكنامي، بالتأكيد أن الوثائق التي ستُكشف، ستظهر أن كلينتون هي من دبّرت "الفضيحة الروسية"، وأن الأخيرة تواطأت مع الحزب الديمقراطي وإدارة باراك أوباما، والمدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي آي إيه"، جون برينان، لاختلاق "التدخل الروسي في الانتخابات"، وارتباط حملة ترامب به، وذلك لإلهاء الأميركيين عن فضيحة بريدها الإلكتروني. ويصبّ رفع السرية عن هذه الوثائق، قبل موعد الانتخابات، في خانة جهود ترامب لتشويه سمعة خصومه السياسيين، وهو ما بدا أنه مصّمم عليه، إثر خروجه مساء الإثنين الماضي من مستشفى "وولتر ريد" العسكري، حيث مكث أياماً قليلة للعلاج من كورونا. وفي سلسلة تغريدات متتالية على "تويتر"، أعلن الرئيس أيضاً، وقف المحادثات مع الديمقراطيين في مجلس النواب حول خطّة التحفيز الاقتصادي، مؤكداً أن اقتصاد الولايات المتحدة بخير، وأنها تقود اقتصاد العالم للتعافي من كورونا. واتهم ترامب كذلك، في إحدى تغريداته، "إدارة الغذاء والدواء" الأميركية، التي أعلنت معايير جديدة مشددة تجعل من المستبعد المصادقة على لقاح للوباء قبل الانتخابات، بأنها تعمل ضدّه.
وتأتي قضية رفع السرية، بعدما عاد الجدل حول التدخل الروسي إلى الواجهة الأسبوع الماضي، إثر تقييم وكالات الاستخبارات الأميركية مجدداً أن روسيا تتدخل في انتخابات العام 2020 لمساعدة ترامب ضد منافسه جو بايدن. من جهتهم، يسعى الجمهوريون للتصويب على أن القضية هي خدعة ديمقراطية، ولذلك يحاول أعضاؤهم في مجلس الشيوخ إعادة الأضواء إلى المسألة، من خلال تصويرها على أنها مؤامرة للحزب الأزرق، كان هدفها الإطاحة بترشح ترامب، ولاحقاً برئاسته. واستجوب الكونغرس الأسبوع الماضي المدير السابق لـ"أف بي آي"، جايمس كومي، لهذا الغرض.
أما تعليق المفاوضات حول الخطة الجديدة للتحفيز الاقتصادي (قانون "كيرز" الذي خصص 2,2 تريليون دولار للتخفيف من وطأة الركود الاقتصادي الناجم عن كوفيد 19)، فقد بدّد التفاؤل الذي ساد خلال الأيام الأخيرة، بعدما استأنفت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي المحادثات مع وزير الخزانة ستيفن منوشين بشأنها. لكن ترامب استخدم نبرة حادة حين اتهم الثلاثاء، بيلوسي بالتفاوض بـ"سوء نية"، لكنه أعلن موافقته على التوقيع سريعاً على مشروع قانون مرّره الكونغرس يضمن حزمة ثانية من المساعدات، داعياً الكونغرس للتركيز فقط على المصادقة على تعيين المحافظة آمي باريت، كقاضية في المحكمة العليا خلفاً لروث بادر غينسبورغ. وقال ترامب عن بيلوسي، إنها "تطالب بـ2,4 تريليون دولار لمساعدة ولايات ديمقراطية تدار بشكل سيئ وترتفع فيها معدلات الجريمة، وهي أموال لا علاقة لها بأي شكل من الأشكال بكوفيد 19".
حذّر بايدن من "قوى الظلام" التي تبثّ التفرقة بين الأميركيين ووصفت ميشال أوباما ترامب بـ"العنصري"
هذا الخطاب الانقسامي، دفع الديمقراطيين من جهتهم، لإعلاء الصوت تحذيراً للناخبين من التصويت لترامب في 3 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. وحذّر المرشّح الديمقراطي جو بايدن أول من أمس، من "قوى الظلام" التي تبثّ التفرقة بين الأميركيين، من دون أن يسمّي ترامب، مؤكّداً أنّه سيسعى جاهداً في حال فوزه بالرئاسة إلى "وضع حدٍّ للكراهية والخوف" اللذين يستنزفان الأمة. وقال بايدن، في خطاب انتخابي من مدينة غيتيسبرغ في بنسلفانيا، إحدى الولايات الأساسية، إنه "لا مكان للحقد في أميركا"، مضيفاً أن "قوى الظلام وقوى التفرقة وقوى الماضي تفرّق في ما بيننا، وتمنعنا من النهوض والتقدّم". ولفت إلى أنه "لا يمكننا أن نسمح، ولن نسمح، لمتطرفين ولدعاة تفوّق العرق الأبيض بأن ينقلبوا على أميركا (كما رآها) لينكولن و(ناشطا إلغاء الرقّ) هارييت توبمن وفريدريك دوغلاس، بأن ينقلبوا على أميركا التي شكّلت ملاذاً وموطناً للجميع أيّاً كانت خلفياتهم". ورداً على تعليق مباحثات التحفيز الاقتصادي، اعتبر بايدن أن الرئيس "أدار ظهره لكل عامل لم يستعد وظيفته بعد. أدار ظهره للعائلات التي تعاني لتسديد الإيجار وتأمين الطعام ورعاية أولادها".
بدورها، وصفت السيدة الأميركية الأولى السابقة ميشيل أوباما الرئيس الأميركي دونالد بـ"العنصري"، لافتة إلى أن من شأن استراتيجية تأجيج الخوف وبثّ التفرقة والترويج لنظريات مؤامرة بشعة التي يعتمدها، أن "تدمّر" الولايات المتحدة في حال انتُخب رئيساً لولاية ثانية.
يذكر أنه في آخر تطورات كورونا، أكد مسؤولون كبار في الإدارة الأميركية إصابة ستيفن ميلر، وهو كبير مستشاري ترامب، كما تأكدت إصابة ثلاثة سيناتوريين جمهوريين، هم مايك لي (أوتا)، توم تيليس (كارولينا الشمالية) ورون جونسون (ويسكونسن). كذلك عزل قائد القوات المشتركة الجنرال مارك ميلي، ومسؤولون عسكريون كبار في الكونغرس، بعدما تأكدت إصابة نائب قائد الحرس الساحلي، شارلز راي، بالعدوى الوبائية.