خالف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، نصائح مستشاريه وقدم نفسه بديلاً نهائياً للقيادة التقليدية للحزب الجمهوري الذي يعزو إليها هزيمة الانتخابات النصفية، في حين أن معظم الجمهوريين الذين خسروا كانوا من بين المرشحين الذين خاضوا المعركة باسمه وتبنى هو حملتهم الانتخابية.
وأعلن ترامب، في خطاب طويل ليل الثلاثاء ترشحه لانتخابات الرئاسة في العام 2024، مخالفاً نصائح مستشاريه الذين حذروا من أن التوقيت غير مناسب لكونه يأتي في نفس اللحظة التي يخرج فيها "حزبه" الجمهوري من هزيمة قاسية في الانتخابات النصفية، لكن حساباته تأتي مختلفة كالعادة.
كما تُعزى عودة ترامب للمرة الثالثة إلى ميدان انتخابات الرئاسة، إلى "رغبة الثأر" لخسارته انتخابات 2020، ليس فقط من بايدن وحزبه الديمقراطي، بل أيضاً وربما أساساً من قيادة الحزب الجمهوري، مع أنها وقفت إلى جانبه ووفرت له الحماية من العزل مرتين في مجلس الشيوخ.
ويبدو أن ترامب بترشحه المبكر أراد أيضاً استباق الآخرين أو ربما تخويفهم من منافسته على الترشح بعد أن يكون قد استنفر قاعدته – حوالي 35% من رصيد الجمهوريين الانتخابي – للالتفاف حول ترشحه قبل أن يدخلوا حلبة الترشح، خصوصا وأنه من المحتمل دخول أسماء معروفة تحظى بحضور انتخابي في أوساط الجمهور التقليدي للحزب مثل نائب الرئيس السابق مايك بنس، أو تلك التي بدأ يلمع نجمها في سماء الحزب الجمهوري مثل حاكم ولاية فلوريدا رون دي سانتس.
واستشعر ترامب خطر سانتس، ففتح عليه في الأيام الأخيرة حنفية تقزيم لإبعاده عن الترشح والتي رد عليها سانتس بالمثل، والغاية من ذلك هي الحدّ من عدد الطامحين الجمهوريين قدر الإمكان، وبما يعزز بالنهاية احتمال أن يرسو عليه الاختيار في انتخابات التصفية الحزبية أي الانتخابات الأولية التي ما زالت بداياتها على مسافة 14 شهراً من اليوم.
ويربط المراقبون معاندته وإصراره على إعلانه المبكر، باعتبارات وحسابات أخرى، منها استقواؤه بالترشح لمواجهة الاتهامات وربما المحاكمات الجزائية بعدة دعاوى على وشك أن يقرر فيها القضاء أو وزارة العدل.
رغبة الثأر
يرى ترامب أن قيادة الحزب الجمهوري لم تقم بما فيه الكفاية عند تصديق الكونغرس لانتخابات 2020، لتغيير النتائج من فوق الدستور وإعلان فوزه في انتخابات يزعم أنها "سُرقت منه"، وترشحه اليوم يعد عملية تصفية حساب مع الجمهوري الذي "غدر" به، حسب زعمه في انتخابات 2020.
وفي حال أصبح ترامب مرشح الحزب الجمهوري في انتخابات 2024، فإن كفة الديمقراطي ستصبح راجحة للفوز بالرئاسة، حسب ما تنطق به نتائج الانتخابات النصفية الأخيرة ولا سيما أنه من المتوقع أن تكون الأوضاع قد تحسّنت في ذلك الحين من ناحية تراجع معدلات التضخم وبالتالي تزايد التأييد لحزب بايدن.
وإذا خسر ترامب في التصفية لصالح مرشح جمهوري آخر، عندئذ لا مجازفة في القول إنه سيدعو قاعدته لمقاطعة الانتخابات، وبالتالي حرمان المرشح الجمهوري من حوالي ثلث أصوات حزبه واستطراداً من الرئاسة. وبذلك، فالجمهوري في مأزق في الحالتين.
الأزمة الأخطر التي يخشاها الجمهوريون، أن يدخل ترامب المعركة ويخسرها ويتكرر سيناريو الـ2020. ومن هنا، الحركة المبكرة لمن هم في وارد المرشح البديل. نائب الرئيس السابق بنس، لمّح أمس وبوضوح إلى ما سمّاه "المرشح الأفضل" في انتخابات 2024، لافتاً بذلك إلى عزمه على خوض المواجهة مع رئيسه السابق. وكذلك جاءت تلميحات دي سانتس، ويقال إن آخرين ربما التحقوا بالركب ومنهم حاكم ولاية فيرجينيا المجاورة لواشنطن، غلين يونغكن.
والمؤكد أن واشنطن لا تتحمل 2020 ثانية ولا تسمح بها، لكن من السابق لأوانه الحديث عن احتمالات وترجيحات، والتوقعات الحالية مبنية على المعطيات الراهنة التي لا ضمانة لاستمرارها.
الخطوة الترامبية الجديدة لا سابق لها سوى مرة واحدة في تاريخ الرئاسة الأميركية، إذ فاز الرئيس غروفر كليفلاند بالرئاسة في 1885، وفشل في تجديدها في 1889. وبعد 4 سنوات، عاد وفاز بالرئاسة مرة أخرى في 1893، لكن حالته لم تكن مثيرة للجدل بقدر حالة الرئيس ترامب، فهل يكرر التاريخ نفسه، أم أن هذا احتمال لا تتوفر شروطه هذه المرة؟