ترامب و"تزوير الانتخابات": حملة منسقة للمناصرين الأوفياء

23 ديسمبر 2021
تؤمن قاعدة ترامب بأن الانتخابات سُرقت منه (Getty)
+ الخط -

ليست مسألة الادعاء بتزوير الانتخابات الرئاسية الأميركية التي أجريت في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وفاز فيها الديمقراطي جو بايدن، والتي يسوقها سلفه دونالد ترامب وأنصاره في الحزب الجمهوري، مجرد زوبعة انقضت مع رحيل ترامب من البيت الأبيض. ولا يقتصر تتويج هذا الادعاء، باقتحام أنصار ترامب مقر الكونغرس في واشنطن، في 6 يناير/كانون الثاني الماضي، للاعتراض على تصديق مجلسي النواب والشيوخ على فوز بايدن.

فقد تحولت قضية "التزوير"، التي بناها ترامب على قاعدة تقارب النتائج الانتخابية بينه وبين بايدن في 6 ولايات متأرجحة، من نظرية مؤامرة، إلى حملة سياسية طويلة الأمد، وإحدى الركائز الأساسية لتحشيد الناخبين الجمهوريين في الانتخابات النصفية للكونغرس، المقررة في الخريف المقبل، أو في انتخابات الرئاسة في 2024. ويذهب محللون أميركيون بعيداً، في اعتبار أن حملة "ستوب ذا ستيل"، أي "أوقفوا السرقة"، قد تحولت إلى "أيديولوجيا" للجمهوريين الجدد، وتختصر الكثير من هواجسهم بالتهميش.

تحولت ادعاءات التزوير من نظرية مؤامرة، إلى حملة سياسية طويلة الأمد

ولهذا السبب، تتجه حملة "أوقفوا السرقة"، سواء أكانت منسقة أم تعمل مؤسساتياً، أم حتى ارتجالياً من قبل المؤيدين لترامب، خصوصاً من أصحاب نظريات المؤامرة، إلى أكثر من اتجاه لتثبيت فكرتها وتنفيذ أجندتها السياسية. فمن جهة، يواصل اللوبي الترامبي ملاحقة مسؤولي الانتخابات في الولايات بادعاءاتهم بالتزوير، وهو سلوك لم ينقطع منذ أن بدأت نتائج الانتخابات بالظهور إثر يوم الانتخاب في 3 نوفمبر.

ومن جهة أخرى، يواصل المسؤولون الجمهوريون في الولايات، محاولة نزع الأهلية عن أصوات عدد كبير من الناخبين الديمقراطيين، واستهداف الحق الانتخابي للأقليات التي تصوت للحزب الأزرق. ويأتي ذلك ضمن معركة قوية وحامية، بين الحزبين، لانتخابات الكونغرس النصفية، التي ستكون نتائجها حاسمة في استكمال أجندة إدارة بايدن.

ويستفيد الجمهوريون كثيراً من تحول "التزوير الانتخابي" من مجرد ادعاء، يستوجب تثبيته وتأكيده الحصول على بيانات ومعلومات موثقة، وإعادة فرز أصوات، إلى "أيديولوجيا" راسخة، بغضّ النظر عن صحتها، تسهل تعزيز فكرة سيطرة الديمقراطيين، ومعهم "الدولة العميقة"، على واشنطن. ويخدم ذلك، كلاً من جناح ترامب في الحزب الجمهوري، أو الفريق الأكثر اعتدالاً، بانتظار اختبار الانتخابات التي قد تجري على أساس التحالف، أو جعل الحملة أكثر تسعيراً بين الجناحين.

فريق ترامب يستهلك طاقة موظفي الانتخابات

ولا يزال فريق ترامب يقضّ مضاجع السلطات الانتخابية في أكثر من ولاية أميركية، بوابل متزايد من الادعاءات، بأن تصويت الخريف الماضي الرئاسي لم يكن آمناً، وسط مطالبات بالتحقيق، ونزع التصديقة عن النتائج، وهي جهود تستهلك مئات الساعات من وقت السلطات الحكومية، وتواصل تعميم ثقافة التشكيك في منظومة الانتخابات في أميركا. 

وفي هذا السياق، نشرت صحيفة "واشنطن بوست" اليوم الخميس، تقريراً جديداً عن هذه المحاولات التي تجري بغطاء قانوني، والتي قالت إنها امتدت من الولايات الست التي حاول ترامب بدايةً فيها قلب نتائج الانتخابات لمصلحته، وهي ميشيغن، وويسكونسن، وجورجيا، ونيفادا، ومينيسوتا، وأريزونا، إلى ولايات في العمق الجمهوري كإيداهو. وفي هذه الولاية، أعاد موظفو الانتخابات أخيراً عدّ الأصوات الانتخابية يدوياً في ثلاث مقاطعات لدحض ادعاءات التزوير. وأطلق المسؤولون المعنيون في أوكلاهوما، تحقيقاً، لإحباط الادعاءات بأن ماكينات الانتخابات قد جرت قرصنتها.

وأوضحت "واشنطن بوست" أن الحملة المتواصلة يقود جزء منها مساعدون لترامب ممولون جيداً، الذين وجدوا آذاناً صاغية لهم من بعض مسؤولي الولايات الكبار، ويدفعون لفحص ماكينات انتخابية أو إعادة عدّ أصوات، أو يرفعون دعاوى لقلب نتائج الانتخابات. ولفتت "واشنطن بوست" إلى أن الحملة تحظى بدعم من القاعدة الشعبية لترامب، حيث يقوم سكان محليون مقتنعون بفكرة تزوير الانتخابات، بالضغط على مسؤولي الانتخابات لمعالجة المسألة.

رجل الأعمال الأميركي المحافظ مايك ليندل، صرف 25 مليون دولار حتى الآن، للترويج لادعاءات التزوير

وبحسب الصحيفة، فإن المسؤولين المعنيين لم يتوصلوا إلى أي دليل بعد يثبت أن تزويراً شاب انتخابات 2020، وأكدت جميع المراجعات والإجراءات القانونية أن التصويت في الخريف الماضي كان آمناً. على الرغم من ذلك، فإن الحملة التي اضطروا إلى التعامل معها، تستهلك الكثير من وقتهم. وبحسب هؤلاء، فإنها أصبحت "متعبة ومقلقة، حيث أصبحت تتزامن مع التحضيرات للانتخابات النصفية اليوم، في الوقت الذي تزيد فيه قلة ثقة الناخب بنظامه الانتخابي". 

وقال المتحدث باسم مجلس الانتخابات في كارولينا الشمالية، باتريك غانون، للصحيفة: "إذا أردنا مواصلة تأمين انتخابات متاحة وآمنة للجميع، فإن الانزلاق في متاهة دحض نظريات المؤامرة لن يكون عاملاً مساعداً". 

ومقدّمةً نماذج عن الناشطين في حملة التشكيك بالانتخابات، نقلت الصحيفة عن رجل الأعمال الأميركي مايك ليندل، وهو ناشط سياسي محافظ أيضاً، قوله خلال مقابلة سابقة إنه صرف 25 مليون دولار حتى الآن، للترويج لادعاءات التزوير. كذلك تطرقت إلى ادعاء أحد مساعدي ليندل، دوغلاس فرانك، وهو أستاذ في مادتي العلوم والرياضيات، أنه اكتشف خوارزميات سرّية استخدمت لتزوير انتخابات 2020. وطوال العام الحالي، واصل الرجلان ضغوطهما مع مسؤولين عن الانتخابات على الصعيد الوطني، وقد اجتمعوا بعدد منهم، بحسب مطلعين على القضية.

تهديدات وطلب الإعدام 

وهدّد فرانك بإجراءات قانونية عدة إذا لم يجرِ التعاون معه، والتحقيق بادعائه أن الماكينات الانتخابية قد وُصِلَت بالإنترنت، حيث تسرب تسجيل له قال فيه إنه "سيبدأ برفع دعاوى قانونية في كل مكان". وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، بدأ بالدعوة إلى سجن أو "إعدام رمياً بالرصاص، كل من ثبتت إدانته بالخيانة"، مضيفاً في أحد المنشورات أن "التاريخ لن ينظر برأفة إلى مسؤولي الولايات الذين غضوا نظرهم عن التزوير الضخم الذي حصل في 2020".

وكتب فرانك السبت الماضي عن سكرتيرة ولاية ميشيغن، جوسلين بنسون، التي رفضت التجاوب مع ادعاءاته، أن عليها أن تواجه لجنة قضائية "قادرة على إصدار عقوبة الإعدام"، مشبهاً الأمر بالعقوبات التي فرضت على قادة النازية بعد الحرب العالمية الثانية. من جهتها، قالت بنسون في مقابلة الأسبوع الماضي، إنها تنظر إلى هذه الحملة بأنها هجوم على الديمقراطية، وتعتزم الرد بحملة مضادة العام المقبل، داعية الأميركيين إلى السير على خطاها.

وعلى الرغم من لقاء عدد من المسؤولين الانتخابيين بالناشطين المحافظين الداعمين لترامب، إلا أن عدداً من هؤلاء المسؤولين أكدوا بحسب ما تنقل عنهم الصحيفة، أن معظم الادعاءات لا تستحق عناء المتابعة. لكن ناشطي مؤامرة التزوير، الذين يتحدث بعض منهم في تجمعات مؤيدة لترامب، يحضرها الأخير شخصياً، يذهبون أبعد من ذلك، لاتهام اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري، بعدم التحرك لحماية النظام الانتخابي، ووقف "الجرائم" الانتخابية التي يدعون وقوعها. 

 

المساهمون