ترامب نحو تشكيل إدارة لحكم "التفويض" وسياسة "الصفقات"

09 نوفمبر 2024
ترامب في خطاب من البيت الأبيض، 11 مارس 2020 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يركز الرئيس المنتخب دونالد ترامب على تشكيل إدارته الجديدة بسرعة، مع التركيز على الولاء التام من الشخصيات التي دعمته، مثل سوزي وايلز وروبرت أوبريان، وسط غموض حول مناصب مثل وزير الدفاع.

- يهدف ترامب إلى تنفيذ أجندة جذرية تتضمن تغييرات كبيرة في النظام السياسي، مما يثير مخاوف من أزمة دستورية محتملة، مع سعيه لتوسيع صلاحياته بدعم من المحكمة العليا.

- تواجه إدارته تحديات داخلية وخارجية، مع التركيز على إدارة الأزمات بدلاً من الانخراط العميق في القضايا الدولية، بينما يعيش الديمقراطيون حالة من الصدمة بعد الهزيمة الانتخابية.

فيما تشتعل حرب الاتهامات وتوزيع الملامات بين الديمقراطيين في أعقاب هزيمتهم المدوية في انتخابات الرئاسة الأميركية والكونغرس، يعكف الرئيس المنتخب دونالد ترامب على تشكيل إدارة تتولى ترجمة "التفويض" الذي انطوى عليه فوزه في الانتخابات، والذي يخوّله، كما يرى، ممارسة الحكم بالصورة التي يرتئيها.

ويبدو أنه مستعجل لاستكمال التعيينات الرئيسية في إدارته قبل أن يقسم اليمين الدستورية بعد 73 يوماً، في العشرين من يناير/ كانون الثاني المقبل. فالوقت من ذهب والأجندة التي يحملها مثقلة ببنود غير اعتيادية وتغييرية جذرية يلامس بعضها عصب النظام وأصوله وأعرافه. وكان سبق له خلال الحملة الانتخابية أن أشار إلى بعض هذه البنود التي تتراوح بين عزمه على استخدام السلطة "لتصفية الحسابات" مع خصومه، كما "لممارسة الديكتاتورية ولو في اليوم الأول" من ولايته الثانية، مروراً باعتزامه الاستعانة بالقوات المسلحة "لمواجهة التظاهرات" المحلية، وانتهاء بتلميحه إلى نيته البقاء في البيت الأبيض الذي "كان الأحرى بي ألا أغادره بعد انتخابات 2020"، حسب قوله. خطوات كبيرة وشبه انقلابية وبما قد يتسبب بأزمة دستورية لو تمكن من تحقيقها.

للنهوض بهذه المهمة، يجرى التداول بأسماء تسرّبت عن مطبخ عملياته في مارالاغو بولاية فلوريدا، توحي بأن ترامب هذه المرة يعتزم اعتماد الولاء التام مقياساً حاسماً لتعييناته في إدارته. الولاء الذي لا يجادل صاحبه في خيارات الرئيس، كما كان الأمر في إدارته الأولى التي تميّزت بسلسلة من الصدامات بينه وبين بعض الوزراء، وبما أدى إلى إقالة معظمهم. الأجندة في الإدارة المقبلة مكتظة بالبنود "الانتقامية" التي لا تسمح بتغيير الوجوه بالوتيرة التي شهدتها رئاسته الأولى. معظم الذين بقوا معه مطروحة أسماؤهم لمناصب مهمة في الإدارة الجاري تركيبها الآن، والتي افتتحها ترامب بتعيين سوزي وايلز في منصب "كبير الموظفين" في البيت الأبيض ( بمثابة مدير عام البيت الأبيض)، والتي عملت معه مستشارةً استراتيجيةً في حملته الانتخابية الأخيرة.

كذلك مطروح اسم روبرت أوبريان الذي عمل مستشارَ ترامب لشؤون الأمن القومي، ولو في نهاية رئاسته الأولى. الآن هو مرشح لمنصب كبير قد يكون وزيراً للخارجية، مع أنه تردد أن هذا الموقع قد يكون من نصيب السيناتور الجمهوري ماركو روبيو. ويذكر أن روبيو سبق أن طرح اسمه مرشحاً لمنصب نائب الرئيس. لكن ترامب اختار في النهاية ج. دي فانس. والآن قد يتكرر استبعاد روبيو، بحيث تكون وزارة الخارجية من نصيب آخرين مثل ريتشارد غرينيل، السفير السابق في ألمانيا والذي بقي إلى جانب ترامب في الولاية الأولى.

وكذلك، ما زال الغموض يلف منصب وزير الدفاع رغم ما تردد عن أنه يرجح أن يكون في النهاية من حظ الوزير مايك بومبيو، وزير الخارجية السابق في إدارة ترامب، الذي وقف إلى جانب الرئيس حتى اللحظة الأخيرة. والمعروف أن بومبيو تدخل بهدوء لصرف نظر الرئيس ترامب آنذاك عن مواقف وقرارات كان يعتزم اتخاذها، ومنها في الشرق الأوسط. وربما لهذا السبب، تردد أن الصقور المقربين من الرئيس في مطبخ التعيينات (أحد أبناء ترامب والمعاون ستيف ميلر) دفعوا باتجاه استبعاد بومبيو عن وزارة الدفاع، بحجة أنه يلزمها وزير حازم. ربما يكون السيناتور الجمهوري المتشدد طوم كوتن، أو النائب الجمهوري مايك والتز الذي سبق أن عمل مساعداً لأحد صقور إدارة بوش الابن، وزير الدفاع السابق دونالد رامسفيلد.

كذلك يحوم الاختيار حول النائبة الجمهورية الممعنة في التشدد إليز ستيفانيك لمنصب السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة. ولا تقل عنها تشدداً وولاء الأسماء المرشحة لوزارات مهمة مثل وزارتي العدل والأمن الداخلي (مثل السيناتور الجمهوري مايك لي والنائب مارك غرين) اللتين لا بد أن يعول عليهما الرئيس ترامب في تغييراته وانقلاباته وتصفية حساباته، وما تنطوي عليه من اصطدامات مع القانون. وهو هذه المرة يستقوي إلى حدّ بعيد بدرع قضائي منحته إياه المحكمة العليا أوائل الصيف الماضي، عندما حصّنت الرئيس ضد أي مخالفة قانونية تحصل "في سياق قيامه بعمله الرسمي". وفي ذلك ما يساعده على توسيع صلاحياته المحلية، مع ما يثيره ذلك من خشية متزايدة من حدوث تصدعات داخلية. أما على الصعيد الخارجي، فمن غير المتوقع أن تنخرط إدارة الرئيس ترامب في القضايا الخارجية إلا بحدود إدارة أزماتها، وبالذات في الشرق الأوسط.

الآن وعلى نقيض اليوم التالي لانتخابات 2020، دخلت واشنطن في أجواء انتقال سلس للسلطة من جو بايدن الى ترامب. الأول يمر حزبه في وضع تختلط فيه الصدمة مع الشعور العارم بالفشل والهزيمة التي لم تتردد اليوم الديمقراطية نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب السابقة، في ربطها بانسحاب بايدن المتأخر من المعركة، بحيث لم تتوفر المدة الكافية أمام كامالا هاريس للقيام بحملة انتخابية فعالة. في المقابل، يعكف الرئيس المنتخب على تركيب إدارته وسط مخاوف داخلية وتساؤلات مفتوحة حول سياسته الخارجية، التي لا يتوقع المراقبون أن تكون غير ما كانت عليه قبل أربع سنوات، بما هي أقرب إلى سياسة الصفقات منها إلى إدارة ودبلوماسية العلاقات الدولية.

المساهمون