مضى أسبوع على أزمة الانتخابات الأميركية من دون جواب في واشنطن عن سؤالين مُلحيّن: إلى أين؟ وإلى متى؟
لا أحد يعرف سوى الرئيس الخاسر دونالد ترامب المحتجب في البيت الأبيض. لا تصريحات ولا تغريدات إلا ما ندر.
كسر غيابه، أمس الأربعاء، بحضوره مراسم تكريم الجندي المجهول في مقبرة أرلنغتون الوطنية المجاورة لواشنطن، وذلك بمناسبة عيد المحاربين القدامى. ما عدا ذلك استمر بانكفائه عن المشهد مع التشبث برفض التنازل لمنافسه الفائز جو بايدن. وبذلك ترك الجميع أسرى الظن والتخمين بما ستكون عليه خطوته التالية.
السيناريوهات المتداولة في هذا الخصوص تتقاطع كلها تقريباً عند رسم لوحة داكنة لتفاعلات الخلاف حول نتائج الانتخابات. الإشارات التي صدرت عن الإدارة والخطوات التي أقدم عليها ترامب عززت التشاؤم.
وزير الخارجية مايك بومبيو صب الزيت على النار، أول من أمس الثلاثاء، خلال لقائه الصحافي، عندما قال إن "عملية الانتقال إلى ولاية ترامب الثانية ستكون سلسة". ملاحظته عززت الشكوك بقدر ما أثارت من الاستهجان لتدخله في ملف لا يخصه وبما اضطره بعد ساعات لتصحيح كلامه الذي بدا أقرب إلى البوح بما هو مطروح على الأقل لدى فريق المتشددين في الإدارة الذي يصر على المضي في معركة النتائج "المزورة".
وجاء ذلك وسط امتناع الإدارة عن التعاون مع فريق الرئيس المنتخب ولا الاتصال به وذلك خلافاً للأصول والتقاليد المتوارثة. خاصة تزويد بايدن بموجز عن التقرير الاستخباراتي اليومي الذي يطلع عليه الرئيس. كما تردد أن توجيهات صدرت إلى المعنيين في الدوائر الفيدرالية الرسمية بعدم استخدام لقب الرئيس المنتخب عند الإشارة إلى بايدن.
الأهم من ذلك، كان قرار التغييرات التي أجراها ترامب في البنتاغون، بعد يوم من إقالته وزير الدفاع مارك آسبر. استبداله لأربعة من كبار مسؤولي الوزارة بمقربين منه وُصفوا بأنهم غير "مؤهلين"، أثار علامات استفهام وعزز المخاوف من مقاصد مثل هذا التغيير في هذه اللحظة. ثمة من رأى فيه تمهيدا لمفاجأة انسحاب عسكري كامل من الشرق الأوسط قبل نهاية العام. آخرون وضعوا التغيير في خانة التحضير "لإشعال نار أزمة خارجية يورّثها لإدارة بايدن" بحيث تغرق فيها من البداية. أو حسب قراءة أخرى، ربما يكون ترامب قد تعمّد وضع البنتاغون بأيد موالية له بحيث يمكنه أن "يستقوي بالقوات المسلحة" لو أصرّ على الاستمرار في منصبه بذريعة أن الانتخابات "سُرقت منه". وهو التفسير الأخطر ولو أن هناك من اعتبره مبالغا فيه لأن "العسكر لن يشارك في أي انقلاب" حسب الجنرال المتقاعد باري ماكفري.
ويذكر أن عبارة انقلاب، الغريبة عن القاموس السياسي الأميركي، قد أدخلتها الأزمة لأول مرة في التداول الانتخابي.
لكن هذه الأجواء قابلها ما يمكن وضعه في خانة الحلحلة التي بدأت تتبلور ملامحها. من أهمها أن دائرة اعتراف الجمهوريين بفوز بايدن تتوسع أكثر فأكثر. السيناتور لانكفورد طالب البيت الأبيض بوجوب تزويد بايدن بخلاصة التقرير الاستخباراتي اليومي وبأنه سيتدخل إذا لم يحصل ذلك قبل يوم الجمعة المقبل. يعني سيعلن اعترافه بفوز بايدن وينضم إلى زملائه الجمهوريين الأربعة الذين اتخذوا مثل هذه الخطوة. واليوم دعا كارل روف أحد أبرز وجوه الحزب الجمهوري والمقرب من الرئيس السابق جورج بوش، إلى وجوب الإقرار بالأمر الواقع "لتعذر العودة عن نتائج الانتخابات".
وفي هذا السياق تناقلت التقارير الليلة معلومة مفادها بأن ترامب قد "يقبل بالنتيجة لكنه لن يتنازل". إذا صحت تكون بمثابة الإشارة الأولى الواضحة لتراجعه من خلال صيغة تحفظ ماء الوجه حيث تجمع بين القبول وعدم صدور تنازل صريح. وهذا احتمال غير مستبعد في ضوء تزايد الاعتراف بفوز بايدن والذي بلغ 79 بالمائة، حسب استطلاع أخير.
عادة في مثل هذا الوقت من السنة الانتخابية تصبح رئاسة المرشح الخاسر أقرب إلى تمريك وقت لغاية التسليم في العشرين من يناير/كانون الثاني المقبل. صحيح أنه يحتفظ بصلاحياته كاملة حتى آخر ساعة من هذه المدة، لكنه عموماً لا يمارسها إلا في حدود مهامه الروتينية، مع تمرير بعض الإجراءات الوداعية التي ترتبط باسمه. وأحياناً يتخذ قرارات لا يخشى عواقبها بحكم نهاية مدته، مثل إصدار قرارات عفو عن متهمين أو محكومين من أنصاره أو ممن حظوا بشفاعة لديه.
من هنا درج استخدام لقب "البطة العرجاء" على الرئيس المغادر، على اعتبار أنه صار غيابه القريب يطغى على هالة رئاسته التي بدأت تتلاشى. ترامب يمر في هذه المرحلة، لكنه ما زال يمسك بخيوط أزمة تنطوي على أخطار كبيرة ويتحكم بقواعدها مستقوياً بقاعدته وملوحاً بخطوات قد تؤدي إلى مأزق كبير يخشى الجميع من الوقوع فيه. أمامه فترة 70 يوماً قبل التسليم الدستوري. يمكنه أن يطلع بمفاجآت كثيرة خلالها وأن ينهيها على طريقته. لكن الإجماع أن يوم 20 يناير/ القادم تنتهي اللعبة. أما كيف ستنتهي، فهذا أمر آخر.