تراجع مصداقية المحكمة العليا الأميركية: إرث ترامب لا يزال حاضراً

21 يناير 2023
قضاة المحكمة التسعة في صورة تذكارية، أكتوبر الماضي (Getty)
+ الخط -

أعاد إعلان المحكمة العليا الأميركية، أول من أمس الخميس، فشلها في معرفة هوية الشخص أو الأشخاص الذين من الممكن أن يكونوا قد سرّبوا قرارها الانقلاب على قانون الإجهاض الشهير الذي صدر في عام 1973، تسليط الضوء على طبيعة عمل هذه المحكمة، والتأثير الذي تركه الرئيس السابق دونالد ترامب عليه.

ورغم أن الاعتقاد السائد هو أن لترامب، الذي تمكّن من تعيين 3 قضاة من أصل 9 في المحكمة خلال ولايته (2017 – 2021)، تأثير قوي على المحكمة العليا، وهي أعلى محكمة في القضاء الفيدرالي الأميركي، لجهة جعله الكفّة تميل داخلها إلى الجناح المحافظ، إلا أن هذا الاعتقاد يبقى محل جدل. لكن الأكيد أن انقلاب المحكمة على قانون "رو ضد وايد" التاريخي، الصادر قبل 4 عقود، والذي يحمي حقّ المرأة في الإجهاض، وهو انقلاب "تاريخي" بدوره، أظهر ثغرات عدة داخل نظام حماية المعلومات والسرّية في المحكمة، في وقت أصبحت فيه قراراتها تعكس أكثر فأكثر حدّة الانقسام السياسي القوي في واشنطن.

وأعلنت المحكمة العليا الأميركية، الخميس، فشلها بعد 8 أشهر من التحقيق في معرفة هوية الجهة التي قد تكون سرّبت قرارها الانقلاب على قانون "رو ضد وايد". وكانت المحكمة قد قضت في يونيو/ حزيران الماضي ببطلان القانون، ما خلّف امتعاضاً واسعاً لدى التيار الديمقراطي والجماعات النسوية والحقوقية والتقدمية في البلاد. واستغل الديمقراطيون ذلك للتصويب على الجمهوريين المؤيدين لمنع الإجهاض خلال حملة انتخابات الكونغرس النصفية (8 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي). وسبق قرار المحكمة تسريب موقع "بوليتيكو"، في مايو/ أيار الماضي ما سماها "المسودة الأولى" للقرار، وأقرّ رئيس المحكمة جون روبرتس، وهو من المحافظين، لاحقاً بصحة التسريب.

هيمن المحافظون على المحكمة بواقع 6 قضاة مقابل 3 

ووجد تحقيق المحكمة أن 82 موظفاً بالإضافة إلى القضاة كانت لديهم إمكانية الوصول إلى النسخة الإلكترونية أو المطبوعة من مسودة القرار، الذي صاغه القاضي المحافظ سامويل أليتو، والتي كانت شبه مطابقة للنسخة النهائية. وقادت التحقيق مسؤولة الأمن في المحكمة غايل كورلي، التي لفتت في التحقيق إلى أن أياً من الموظفين لم يعترف بمسؤوليته عن التسريب، لكن بعضهم أقرّوا بأنهم أطلعوا أزواجهم على القرار، وهو ما يعدّ خرقاً لسرّية المحكمة.

وشكّل التسريب سابقة في تاريخ المحكمة، وانتقد التحقيق هشاشة بروتوكول السرّية الذي تتمتع به المحكمة تقليدياً، وتعويل أنظمة المحكمة على "الثقة" أكثر من إجراءات الحماية لتقييد الوصول إلى المعلومات الدقيقة. وطالبت مجموعات حقوقية عدة باستجواب قضاة المحكمة إذا لم يكن قد تمّ ذلك. لكن ترامب طالب بسجن الصحافيين جوش غيرشتين وألكسندر وارد، من "بوليتيكو"، اللذين نشرا التسريب.

وأجري التحقيق في وقت تتعرض فيه المحكمة العليا الأميركية لمزيد من الانتقادات، وسط قلق يتصاعد حول تلاشي مصداقيتها. وتعرض قضاة في المحكمة لتهديدات بعد الانقلاب على حق الإجهاض، وخرجت تظاهرات رافضة أمام منازلهم. وفي تقريره نهاية 2022، اعتبر رئيس المحكمة جون روبرتس أن "القضاة لا يجب أن يعملوا تحت الخوف"، من دون أن يتطرق إلى الاتهامات بالتسييس الموجهة إلى المحكمة.

وبحسب استطلاع لوكالة "رويترز" ومؤسسة "إيبسوس" الشهر الماضي، فإن 43 في المائة من الأميركيين فقط ينظرون بإيجابية إلى عمل المحكمة، وقد يكون للانقلاب على قانون الإجهاض دور في ذلك، إلا أن للمحكمة قرارات أخرى تؤكد جنوحها أخيراً إلى اليمين، وهو ما يرتبط أيضاً بتركيبة مجلس الشيوخ وهوية ساكن البيت الأبيض، على اعتبار أن التعيينات فيها (مدى الحياة) تخضع لرغبة الحزب الموجود في السلطة. ويحق للرئيس الأميركي اختيار اسم قاضٍ في المحكمة، لدى وفاة أو اعتزال أحد قضاتها، ما يتطلب موافقة مجلس الشيوخ.

تنتهي ولاية المحكمة السنوية عادة في نهاية يونيو، ولذلك فإن قراراتها المهمة تأخذها في هذا الشهر

وحتى نهاية 2020، كان المحافظون يهيمنون على المحكمة بواقع 5 قضاة لهم، و4 للديمقراطيين، إلا أن رئيس المحكمة كان يصوّت أحياناً لقرارات تصب في صالح الديمقراطيين.

وكان الرئيس الأسبق باراك أوباما قد فشل في العام الأخير من ولايته الثانية بتعيين بديل للقاضي المحافظ أنتونين سكاليا، الذي توفي في فبراير/ شباط 2016، لعدم موافقة مجلس الشيوخ الذي كان يهيمن عليه المحافظون حينها على اسم وزير العدل الحالي ميريك غارلاند، الذي كان طرحه.

وسمّى ترامب لدى وصوله للرئاسة القاضي نيل غورسوش بديلاً لسكاليا، كما سمّى في 2018 بريت كافانو بديلاً للقاضي المحافظ أنتوني كينيدي (استقال)، وفي سبتمبر/ أيلول 2020، وافق زعيم الأغلبية الجمهورية في الشيوخ حينها ميتش ماكونيل على تعيين القاضية آمي كوني باريت، بدلاً من القاضية الديمقراطية في المحكمة روث بادر جينسبرغ، التي توفيت.

وجعلت هذه التعيينات للجمهوريين 6 قضاة في المحكمة. أما الرئيس الحالي جو بايدن فسمّى في إبريل/ نيسان الماضي القاضية كيتانجي بروان جاكسون، بدلاً من القاضي ستيفن بريير الذي أعلن تقاعده، لكن ذلك لم يغيّر في تركيبة المحكمة، لأن كليهما من الجناح اليساري.

وتنتهي ولاية المحكمة السنوية عادة في نهاية يونيو، ولذلك فإن قراراتها المهمة تأخذها في هذا الشهر، ومن المقرر أن تبحث العام الحالي في مسألة الهجرة المستهدف فيها بايدن. وكانت المحكمة في يونيو الماضي قد انقلبت أيضاً على قانون لولاية نيويورك يقيّد حمل السلاح الفردي خارج المنزل، كما قلّصت سلطة وكالة حماية البيئة للحد من ثاني أكسيد الكربون من محطات الطاقة، وهو قرار اعتبرته الأمم المتحدة مؤسفاً. وقبل يونيو الماضي، أظهر استطلاع للرأي لمعهد "غالوب" أن 25 في المائة من الأميركيين فقط يثقون كثيراً بعمل المحكمة، لكن الجمهوريين يقولون إن شعبية بايدن أيضاً في تراجع دراماتيكي.

ووسط الشكوك المتزايدة حول طبيعة عملها، تظهر المحكمة بعض المحاولات لتبدو متوازنة، ما يكلّفها خصوصاً غضب ترامب. فقد رفضت المحكمة طلباً من ترامب للتدخل في معركته مع وزارة العدل حول وثائق مارآلاغو السرّية. وكانت قد رفضت محاولاته لإقحامها في نظرية "سرقة انتخابات 2020". وبحسب مجلة "نيويوركر" في أكتوبر الماضي، فإن "الخبراء القانونيين يعتقدون أن قرارات المحكمة حتى عام 2024، ستؤدي دوراً كبيراً فيما إذا كانت الولايات المتحدة قد خرجت من ظلّ مرحلة ترامب أم تواصل الانحدار إلى طريق الاستبداد".

 

المساهمون