تراجع الخطاب المصري تجاه أزمة سد النهضة

07 يونيو 2022
تستعد إثيوبيا لبدء الملء الثالث للسد (أمانويل سيليشي/فرانس برس)
+ الخط -

قالت مصادر مصرية خاصة إن تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي بخصوص أزمة المياه، والتي أطلقها خلال افتتاح "المعرض والمؤتمر الطبي الأفريقي الأول"، الأحد الماضي، "تكشف عن تراجع في لهجة الخطاب الرسمي المصري في قضية سد النهضة الإثيوبي".

وأشارت المصادر، في أحاديث خاصة لـ"العربي الجديد"، إلى أن السيسي "بدأ حديثه عن الأزمة بالتأكيد أن مصر تواجه تحديات كثيرة، أهمها الزيادة السكانية، وشدد على أنه بالرغم من أن حصة مصر من المياه ثابتة منذ سنوات طويلة، مع تضاعف أعداد السكان، إلا أن البلاد لم تدخل في صراعات".

وأضافت المصادر أن السيسي وفي سياق الحديث عن حلول لأزمة المياه، لم يذكر سوى موضوع تحلية ومعالجة المياه، للتعامل مع أزمة نقص المياه، وهو الحديث الذي يختلف اختلافاً جذرياً مع تصريحاته السابقة في العام الماضي عندما قال: "بقول للناس كلها محدش هيقدر ياخد نقطة مياه من مصر، واللي عاوز يجرب يجرب".

مصادر مصرية: تأكيد السيسي عدم الدخول في صراعات، يُعدّ قبولاً بالأمر الواقع الذي فرضته أديس أبابا

ولفتت المصادر إلى أن "تراجع خطاب السيسي بشأن معركة المياه مع إثيوبيا، جاء في وقت أعلنت فيه أديس أبابا رسمياً عن أن الملء الثالث سيتم في أغسطس/ آب وسبتمبر/ أيلول المقبلين، خلال موسم الأمطار السنوي، وهو ما يُعدّ تحدياً سافراً من قبل إثيوبيا للإرادة المصرية في هذه القضية".

وقالت إن "تأكيد السيسي عدم دخول مصر في صراعات، وأنها ستعتمد على تحلية ومعالجة المياه، في الوقت الذي تتحدى فيه إثيوبيا الجميع وتعلن عن موعد الملء الثالث، يُعدّ قبولاً بالأمر الواقع الذي فرضته أديس أبابا على القاهرة في هذه القضية الحساسة التي ترتبط بحياة الملايين في مصر والسودان".

من جهته، قال مصدر فني في وزارة الري المصرية إن "الحديث عن أن تحلية ومعالجة المياه كحل لمشكلة نقص المياه الناتجة عن سد النهضة، أمر لا يمت للواقع بصلة".

وأوضح أن "أقصى ما يمكن توفيره من المياه بواسطة محطات المعالجة والتحلية لن يتجاوز 500 مليون متر مكعب من المياه، وهي كمية ضئيلة جداً إذا ما تمت مقارنتها بحصة مصر من مياه النيل والتي تُقدر بـ55 ملياراً ونصف مليار متر مكعب ويمكن أن تصل إلى 60 مليار متر مكعب إذا ما احتسبنا الفائض من السودان، وهي مياه عذبة ومجانية ترد إلى مصر من دون أدنى مجهود، عكس مياه التحلية التي تُكلف محطاتها مليارات الدولارات".

السيسي يرفض التصعيد في أزمة سد النهضة

وفي 27 مايو/ أيار الماضي، أعلن مدير عام سد النهضة كيفلي هورو، في مقابلة مع قناة "العربية"، عن بدء الملء الثالث للسد في موسم الأمطار المقبلة، وبالتحديد في أغسطس وسبتمبر المقبلين.

وسارع السودان في اليوم التالي، إلى إصدار بيان عبر وزارة خارجيته لرفض تصريحات هورو، ووصفها بـ"غير المسؤولة والتي تؤكد عدم اكتراث إثيوبيا بالأضرار المحتملة على دولتي المصب". فيما لم يصدر عن وزارة الخارجية المصرية أو المسؤولين المصريين أي تعليق على تصريحات مدير عام سد النهضة التي أكد فيها أن بلده "لا يهتم بمخاوف مصر من خطورة السد وتأثيره عليها".

وكانت تصريحات السيسي، في مؤتمر أفريقيا الطبي، الأحد الماضي، هي أول تصريحات رسمية مصرية بعد إعلان إثيوبيا عن الملء الثالث. وقال السيسي: "احنا بنقابل تحديات كتير لكن ما خوفتناش وما أحبطتناش. هديكم مثال احنا بنزيد تقريباً 2 ونص مليون نسمة كل سنة، وفي وفيات حوالي 500 ألف، يعني بنزيد حوالي 2 مليون كل سنة".

وأضاف السيسي أن "حصة مصر من المياه 55 مليار متر مكعب سنوياً، وده لم يتغير منذ أيام ما كانت مصر 4 ملايين نسمة، هل احنا دخلنا في صراع مع أشقائنا عشان نزود الحصة دي، لا. إنما اشتغلنا على إن احنا نعظم من مواردنا، وما فيش نقطة مية، وأنا مش مبالغ في الكلام ده، ومش بقوله هنا لأسباب سياسية، لكن بقوله لأن التحدي فرصة، أوعى تعتبره عائق لنا أو لدولنا، لا. التحدي فرصة للتغلب عليه".

وتابع السيسي: "عملنا برامج لمعالجة المياه معالجة ثلاثية متطورة. عايز أقول لكم إن البرامج اللي اتعملت في مصر في هذا المجال عشان نخلي الإنسان المصري في كل مصر ياخد مياه طبقاً لمعايير منظمة الصحة العالمية، ثم احنا نستفيد من نقطة المية دي بأكبر قدر ممكن... احنا هنكون تقريبا تاني دولة في العالم تعظم وتستفيد من معالجات وتحلية المياه لصالح شعبها".

وبالتوازي مع تصريحات السيسي بشأن معالجة وتحلية المياه، أكدت وزارة الري المصرية أن خططها "تُساهم في تحقيق نقلة نوعية في إدارة الموارد المائية كمّاً ونوعاً".

مصر تستبعد الحل العسكري

من جهته، قال دبلوماسي مصري سابق، خبير في الشؤون الأفريقية، إن التصريحات الرسمية المصرية، سواء الصادرة عن الرئيس أو وزارة الموارد المائية والري، تؤكد أن الدولة المصرية تستبعد الحل العسكري نهائياً، وتبني استراتيجيتها في الأزمة فقط على التقارير الفنية التي تشير إلى عدم تأثير الملء الذي يتم حالياً على حصة مصر من المياه.

تبني مصر استراتيجيتها في الأزمة على التقارير الفنية التي تشير إلى عدم تأثير الملء الحالي على حصتها من المياه

وأضاف المصدر "على الرغم من صحة التقديرات التي تشير إلى عدم تأثير الملء الثالث على مصر والسودان في الوقت الحالي، إلا أن قضية السد نفسها تشكل تهديداً وجودياً، خصوصاً أن مصر تعاني من فقر مائي، يتطلب إجراءات عاجلة من الحكومة"، وقال إن "حديث المسؤولين المصريين الدائم حول مشروعات التحلية ومعالجة المياه سببه وعود إسرائيلية وإماراتية بمساعدة مصر في هذا المجال، إذ إن الدولتين تمتلكان تكنولوجيا التحلية والمعالجة، وتريدان استثمارها في مصر".

وكشفت أحدث صور التقطت بالأقمار الصناعية لسد النهضة الإثيوبي، يوم الجمعة الماضي، أن أديس أبابا تواصل تعلية الممر الأوسطي في السد وتفريغ بعض السدود الأخرى استعداداً لموسم الفيضان والتخزين.

وحسب خبير المياه المصري عباس شراقي، فإن العمل في رفع الممر الأوسط لسد النهضة ما زال مستمراً منذ نحو شهر، ولا توجد أرقام مؤكدة عن مدى الارتفاع الحالي على الرغم من تداول الوصول إلى مستوى 581 متراً بزيادة 5 أمتار، وتستهدف إثيوبيا الوصول إلى منسوب 595 متراً منذ التخزين الأول في صيف 2020.

وقال شراقي في تصريحات: "تتبقّى أسابيع قليلة على بداية هطول الأمطار الغزيرة والمتوقعة في أول يوليو/ تموز المقبل، والتي من شأنها أن تجري عملية تفريغ جزئي للسدود في إثيوبيا، وأهمها سد تاكيزي على نهر عطبرة حيث يقوم بتخزين 9.5 مليارات متر مكعب ليستقبل 3 مليارات جديدة".

وأكد شراقي أن "هذا التفريغ للسدود ازداد منذ أيام، ومن المتوقع وصول هذه المياه إلى السد العالي خلال أسبوعين من الآن"، مشيراً إلى أن "التفريغ من سد النهضة ما زال مستمراً من خلال بوابة التصرف الشرقية، بالإضافة إلى كمية قليلة من تشغيل التوربين رقم 10".

المساهمون