تداعيات تأجيل الانتخابات الليبية: هل حسمت وليامز جدل بقاء الحكومة بعد 24 ديسمبر؟

24 ديسمبر 2021
مجلس النواب يسعى لتغيير الحكومة برئاسة الدبيبة(الأناضول)
+ الخط -

يخيم صمت مطبق على كل المؤسسات والأطراف السياسية في ليبيا بشأن مصير السلطة التنفيذية، لا سيما بعد تأجيل الانتخابات التي كان من المفترض أن تجرى اليوم، الجمعة، في وقت أكدت فيه المستشارة الأممية في ليبيا ستيفاني وليامز على ضرورة المحافظة على "التقدم" الذي أحرزته العملية السياسية خلال الأشهر الماضية وعدم التفريط فيه، ما يطرح تساؤلا حول ما إذا كانت الأمم المتحدة قد حسمت الجدل بشأن بقاء المجلس الرئاسي والحكومة في السلطة؟

وخلال بيانها الأول منذ وصولها إلى العاصمة طرابلس وإجرائها عددا من اللقاءات مع مختلف القادة والنافذين السياسيين، أكدت المستشارة الأممية ستيفاني وليامز على عدم إمكانية التفريط في "التقدم الذي جرى إحرازه في ليبيا" منذ انطلاق العملية السياسية بإنشاء ملتقى الحوار السياسي، وأنه "لا ينبغي بأي حال من الأحوال استخدام التحديات الحالية في العملية الانتخابية لتقويض الاستقرار والتقدم" المحرز في العملية السياسية.

بل وحثت وليامز، في بيانها ليل الخميس، جميع القادة والمؤسسات الليبية "على التركيز على العملية الانتخابية"، وتهيئة الظروف السياسية والأمنية لـ"ضمان إجراء انتخابات شاملة وحرة ونزيهة وسلمية وذات مصداقية تحظى نتيجتها بقبول جميع الأطراف"، مشيرة إلى أن الأمم المتحدة أحيطت علماً بتوصية مفوضية الانتخابات إلى مجلس النواب بشأن تأجيل الانتخابات الرئاسية إلى يوم 24 يناير/كانون الثاني المقبل.

ورحبت بالتزام المفوضية "بالعملية الانتخابية الجارية ومواصلة مراجعة طلبات المرشحين للانتخابات البرلمانية".

غموض مصير الانتخابات في ليبيا

ويوافق اليوم، الجمعة، الموعد المفترض إجراء الانتخابات فيه، فيما لا يزال مصيرها غير محدد حتى الآن، في ظل الصمت المطبق الذي يلازم مواقف كل المؤسسات الليبية، بما فيها مجلس النواب، الذي بات معنياً بمعالجة تداعيات القوانين الانتخابية التي أصدرها بشكل أحادي وفرضها في المشهد، لكنه دفع إلى المشهد بقضايا أخرى أكثر جدلاً تتعلق بانتهاء ولاية الحكومة يوم 24 ديسمبر، الذي يوافق اليوم، من خلال تصريحات عدد من النواب المقربين من هيئة رئاسة المجلس، دون أن تحسم الهيئة الأمر وأبقته قيد الجدل السياسي والقانوني.

وتناقلت وسائل إعلام ليبية منذ أسابيع عزم مجلس النواب على النظر في الحكومة، وإمكانية استبدالها بغيرها، كونها أحد أسباب التأزيم. وزادت هذه التصريحات كثافة خلال الساعات الماضية، فقد أكد عضو مجلس النواب إبراهيم الزغيد، في تصريحات صحافية ليل أمس الخميس، أن "حكومة عبد الحميد الدبيبة تنتهي ولايتها يوم غد الجمعة".

وأكد أن جلسة النواب "المقبلة سيكون فيها شيء جديد"، في إشارة لحكومة بديلة، وهي التأكيدات ذاتها التي ذهب إليها عضو مجلس النواب الآخر سعيد مغيب.

الحديث عن حكومة جديدة

ووسط حديث عن إمكانية تشكيل مجلس النواب حكومة جديدة برئاسة فتحي باشاغا، ضمن صفقة تعقد بينه وبين النواب بدلاً من الدبيبة، لمّح مغيب، خلال تصريحات صحافية، إلى وجود هذا السيناريو، وقال إن اختيار رئيس الحكومة الجديد "سيتم بتحالفات جديدة. وفي حال انقلب علينا مثل الدبيبة، نقسموا ونبقى وحدنا"، في إشارة لمخاوفه من إمكانية أن لا يلبي باشاغا مصالح مجلس النواب.

وفيما لزم رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة الصمت حيال هذه التصريحات، سرب عدد من أعضاء ملتقى الحوار السياسي معلومات بشأن صحة سعي مجلس النواب لتغيير الحكومة، مؤكدين سعي عدد من النواب لدى وليامز بشأن حشد موقف الأمم المتحدة لصالح هذا التغيير، لكن الأخيرة أكدت على أن "إسقاط الحكومة يحتاج إلى 120 نائباً وتشاوراً مع المجلس الأعلى للدولة"، وفق تصريحات لعضو المجلس الأعلى للدولة محمد معزب، وهو ما أكده أيضاً عضو ملتقى الحوار السياسي محمد أبوسنينة، في تصريحات صحافية، ليل أمس الخميس.

الموقف من الحكومة سياسي وليس قانونياً

وعلى الصعيد القانوني، أكدت عضو ملتقى الحوار السياسي ماجدة الفلاح، لـ"العربي الجديد"، أن خريطة الطريق تسند استمرار بقاء الحكومة في السلطة، موضحة أن خريطة الطريق حددت عمر الحكومة بـ"وصول البلاد إلى فترة الانتخابات يوم 24 ديسمبر أو بانتهاء المرحلة التمهيدية، المحددة بيوم 21 يونيو/حزيران المقبل".

ويوافق أستاذ القانون الدستوري بالجامعات الليبية سليمان الرطيل على استناد الفلاح إلى خريطة الطريق كمستند لبقاء الحكومة في السلطة، لكنه في المقابل يتوقف على القوة القانونية لخريطة الطريق كوثيقة يمكن الاحتكام اليها، مشيراً إلى أن مجلس النواب عمل على إضعافها منذ البداية بعدم تضمينها في الإعلان الدستوري.

وقال الرطيل، متحدثاً لـ"العربي الجديد": "يبدو أن هذا ما تعرفه وليامز أيضاً عندما قالت إن إسقاط الحكومة يحتاج لـ120 صوتاً وتوافقاً مع مجلس الدولة، ولو كانت خريطة الطريق ملزمة بقوة القانون للوحت بها في وجه مجلس النواب".

وأردف "في كل الأحوال تبقى خريطة الطريق ورقة بيد من يعارض بقاء الحكومة وأيضاً بيد من يسعى للإبقاء عليها"، لكن في المقابل يرى أستاذ العلوم السياسية بالجامعات الليبية عيسى الغزوي أن الموقف من الحكومة سياسي وليس قانونيا.
 
وأوضح قائلاً "لو كان الأمر كذلك لشملت مطالب التغيير كل السلطة التنفيذية"، متسائلاً "لماذا يطالب مجلس النواب بتغيير الحكومة ويسكت عن المجلس الرئاسي؟ وعلى أي أساس قانوني تستند هذه التجزئة في السلطة التنفيذية؟ ليُطالب بإسقاط جزء والتغاضي عن استمرار آخر".

ولفت الغزوي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الخلاف يتعلق بالصراع العميق مع رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، وليس كل الحكومة، ففيها أيضاً موالون لعقيلة صالح"، مرجحاً أن يتم تجاوز قضية الحكومة خلال الأيام المقبلة بسبب دفع الأمم المتحدة والمجتمع الدولي الوضع إلى اتجاهات أخرى تتركز كلها حول ضرورة معالجة الانسداد الحاصل في العملية الانتخابية.

وأشار إلى أنه "سيكون السؤال الأكبر لمجلس النواب ماذا ستفعل حكومة جديدة؟ وهل يتعلق الانسداد الحالي بالحكومة؟".

ورأى الغزوي أن "الحكومة ليست جزءاً من هذا الانسداد إلا في ما يتعلق بترشح رئيسها الدبيبة، الذي يواجه صعوبات كبيرة للبقاء في المشهد الانتخابي"، بحسب رأيه، "ولذا فضل الصمت وعدم مناكفة عقيلة صالح الذي لا يريد هو الآخر التورط في مستنقع الخلافات وفضل الابتعاد والعمل من خلال حلفائه".

وفي قراءته لبيان وليامز، يقول الغزوي إنها "حثت الجميع على المضي في توفير الظروف للعملية الانتخابية وكأن شيئاً لم يحصل ودون أن تلتفت إلى أن الفاصل بين بيانها وبين يوم 24 ديسمبر هو ساعات قليلة".
 
وفي الشأن، أشار أستاذ العلوم السياسية إلى أنها سربت خطتها المقبلة بشأن الانتخابات ضمن بيانها، معتبراً أن إشارتها إلى أنها أحيطت علماً بتوصية المفوضية لمجلس النواب تأجيل الانتخابات الرئاسية وترحيبها في الوقت ذاته باستمرار عمل المفوضية على مراجعة طلبات المرشحين للانتخابات البرلمانية، دليل واضح على سعيها لإجراء الانتخابات البرلمانية لإنتاج سلطة تشريعية جديدة تزيح مجلسي الدولة والنواب من المشهد، كونهما مرتكز عمليات العرقلة لتهيئة الظروف للانتخابات الرئاسية.

وختم الغزوي قراءته لبيان وليامز بالقول ان تشديدها على عدم التفريط في "التقدم المحرز" في العملية السياسية خلال الأشهر الماضية هو حسم واضح لقضية الحكومة وتأكيد على بقائها في السلطة كونها أحد إفرازات تلك العملية السياسية.