اجتمع وزراء داخلية الاتحاد الأوروبي، أمس الخميس في لوكسمبورغ، لمناقشة كيفية إدارة تأثير الحرب في قطاع غزة على دول الاتحاد، وسط وجود خلافات جوهرية داخل البرلمان الأوروبي وفي المؤسسات المختلفة، وبرزت أيضًا في الشوارع، بشأن العديد من الملفات الخاصة بالحرب.
وقال نائب رئيس المفوضية الأوروبية مارغاريتيس شيناس: "علينا أن نتعامل مع التأثيرات المتعددة للأزمة المستمرة في الشرق الأوسط، وجزء من هذا هو تقييم جميع العواقب المحتملة بالنسبة لنا في الاتحاد الأوروبي".
بالمقابل، يرى متابعون تضارب التصريح بشأن الحرب في أعلى رأس هرم مؤسسة الاتحاد الأوروبي، بين رئيسة المفوضية الألمانية أورسولا فون ديرلاين، ومفوض الشؤون الخارجية جوزيب بوريل.
يأتي ذلك فيما تحاول دول أوروبية عديدة كبح المظاهرات والاحتجاجات المساندة لغزة في عواصمها، بينما حذر الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، من تداعيات الوضع وقال، الثلاثاء الماضي إن "أوروبا تشهد تصاعداً في "الإرهاب الإسلامي" وإن جميع الدول مهددة به، وذلك بعد أن قُتل مُعلم في فرنسا واثنان من مشجعي كرة القدم السويديين في بلجيكا.
وقال ماكرون خلال مؤتمر صحافي في تيرانا: "جميع الدول الأوروبية معرضة للخطر. وهناك بالفعل عودة لهذا الإرهاب الإسلامي ونحن جميعاً عرضة له. هذا ما يتماشى مع الديمقراطيات ودول القانون حيث يكون هناك أفراد يمكنهم في أي لحظة أن يقرروا ارتكاب الأسوأ"، بحسب تعبيره.
تعميق الشرخ الثقافي والعرقي
من جانبه، قال مدير مركز الدراسات الاستراتيجية حول المغرب العربي عدنان منصر، لـ"العربي الجديد"، إن "التداعيات المباشرة للمواقف الأوروبية على الجاليات المغاربية في أوروبا مثلا بدأت عبر هجوم بروكسل. وهناك تجربة طويلة في هذا الموضوع تسمح لنا ببعض التوقعات".
وأضاف "هناك غضب لا يمكن إلا أن يتضخم لدى هذه الجاليات، ليس بسبب الجرائم الصهيونية ومساعدة معظم الدول الأوروبية للعدوان والمجازر الصهيونية، بل أيضا بسبب تجريم تظاهر هذه الجاليات ضد ما يحصل ومنعها من التعبير عن مشاعرها ولو بطريقة سلمية".
وبحسب منصر فإن ذلك "سيزيد في ترسيخ القناعة لدى أبناء الجاليات العربية وبالخصوص المغاربة بأنهم مواطنون من درجة ثانية يحرمون من أبسط حقوقهم التي تكفلها الأوراق الرسمية. يمكن توقع عمليات عنيفة أخرى، لكن ما سيحصل بالتأكيد هو تعميق الشرخ الثقافي والعرقي داخل المجتمعات الأوروبية التي تعيش فيها جاليات مغاربية قديمة وكثيفة".
وتابع: "على المدى البعيد، سيكون مبدأ التعايش داخل هذه المجتمعات أمرا مشكوكا فيه، وستحمل أي اضطرابات اجتماعية مقبلة صبغة ثقافية وعرقية عنيفة أكيدة".
وبشأن المواقف المعارضة للعدوان داخل أوروبا، قال منصر "هذه مواقف كانت موجودة دوما، ولكنها مستهدفة ومحاصرة وضعيفة، مع ذلك فإن دورها هام في نقل الصورة الحقيقية لما يحصل، وفي توضيح كذب الدعاية الصهيونية".
وأضاف: "هذه الأقلية تمثّل في الوقت نفسه نقاط ارتباط مع المدافعين عن قضايانا العادلة داخل المجتمعات الأوروبية، ويمكن أن تسهّل الكثير من العمل.. نحتاج إلى تعميق الروابط بهذه الأقلية، وإبقائها مطلعة بدقة على ما يجري. هذا أمر لا يقل أهمية عن بقية فروع المجهود الدفاعي للمقاومة".
الاستعمارية والإمبريالية
من جهته، اعتبر رئيس المعهد العربي للديمقراطية، خالد شوكات أن "المواقف الأوروبية، والغربية عموما، أظهرت أن الغرب ومن ضمنه أوروبا، لم يتخلّص من بعدين في هويّته، البعد الاستعماري الإمبريالي، ولا شك أن هذه المواقف ستنعكس على العلاقات الأوروبية المغاربية التي ستتجه إلى مزيد من التوتر وسوء الفهم.. إذا ما نظرنا إلى أن فرنسا هي المعنية أكثر من غيرها بهذه العلاقات".
وقال شوكات إن "علاقات باريس بالعواصم المغاربية هي علاقات مضطربة ومتأزمة اليوم، وقد بلغ منسوب الثقة بين الطرفين أدناه. إن العواصم المغاربية الثلاث، تونس والجزائر والرباط، لا تنظر بعين الرضا لسياسة فرنسا تجاهها وقد زادت مواقف باريس من القضية الفلسطينية الطين بلّة.. كذلك الحال بالنسبة للأقلية المغاربية في فرنسا التي تعتبر الأكبر من نوعها، حيث يعيش قرابة عشرة ملايين مواطن مغاربي هناك، فرهاب الإسلام أو الإسلاموفوبيا والسيرة الاستعمارية في المنطقة العربية وأفريقيا، تجعل أفق العلاقات غائما مرشحا لمزيد التوترات".
وأضاف شوكات: "عند الحديث عن مواقف أوروبا الرسمية، لا يخلو الأمر من استثناءات، سواء تعلق الأمر بدول كإسبانيا واليونان وإيرلندا، أو بمعارضات أوروبية مثل حزب فرنسا الأبية، فقد ظهرت هذه المواقف مغردة خارج السرب، وهي مواقف مقدرة ومحترمة ولن ينساها الجمهور المغاربي، سواء في دوله الأصلية أو في مختلف بلدان الهجرة، وهي التي تبقي على بعض الأمل في علاقات تقوم على الاحترام المتبادل والتعاون.
تخوفات من استغلال إيطاليا ملف المهاجرين
إلى ذلك، عبر النائب التونسي السابق المقيم بإيطاليا، مجدي الكرباعي، لـ"العربي الجديد"، عن تخوفه من استغلال السلطات الإيطالية دعم المهاجرين للقضية الفلسطينية كذريعة للترحيل القصري والمكثف للمهاجرين، لا سيما بعد تصريحات مسؤولين اعتبروا أن المهاجرين المناصرين للمقاومة الفلسطينية يمكن أن يكونوا "مشاريع جهاديين" وهو ما يهدد أمنهم بحسب اعتقادهم.
وأضاف الكرباعي أن" السلطات الإيطالية يمكن أن تحوّل هذا الدعم إلى فزاعة خوف من المهاجرين حتى تتمكن من ترحيلهم أو اتخاذ إجراءات صارمة ضدهم" .
ويرى الكرباعي أن "المعارضة الأوروبية التي تنتقد مواقف الحكومات من القضية الفلسطينية مدعوّة للضغط على الحكومات لإيجاد حلول هذه القضية وتسويات تضع حدا لما يقترفه الكيان المحتل ضد الفلسطينيين".
وأكد الناشط السياسي أن "حزب خمسة نجوم الإيطالي، وضّح موقفه مما يحصل في غزة وأدان الاعتداءات الصهيونية على غزة"، معتبرا أن "الحزب اليساري كان وفيا لمواقفه وبياناته السابقة بشأن القضية الفلسطينية".
ودعا التونسيين والجاليات للتصويت مستقبلا لحزب خمسة نجوم لأنه "الحزب السياسي الوحيد القادر على الدفاع عن حقوق الجاليات التي تشكل جزءا من المجتمع الإيطالي".
وذكّر الكرباعي بأن "القضية الفلسطينية كانت تاريخيا حاضرة دائما في المجتمع الإيطالي، وقد ترجم الدعم الشعبي الإيطالي للقضية من خلال مسيرات المساندة ومن قبل جماهير كرة القدم وهو ما يؤكد وجود فروقات بين الموقف الرسمي الإيطالي والموقف الشعبي من هذه القضية".