تخفيف قيود الإقامة الجبرية على الزعيمين الإصلاحيين في إيران: قراءة في التوقيت والأسباب

25 ابريل 2022
تساؤلات بشأن الأهداف والتوقيت والأسباب (Getty)
+ الخط -

بعد تخفيف مستمر على مدى العامين الأخيرين، أقدمت السلطات الإيرانية، صباح اليوم الإثنين، على اتخاذ خطوة كبيرة باتجاه إلغاء الإقامة الجبرية على الزعيم الإصلاحي مير حسين موسوي (80 عاما)، وذلك عبر إزالة القيود المفروضة من أمام منزله، في شارع باستور وسط العاصمة طهران

غير أنه، حسب وكالة "ميزان" التابعة للسلطة القضائية الإيرانية، فإن موسوي سيبقى "تحت الرقابة" الأمنية، حفاظا على روحه، كما تقول الوكالة، ومنعا لقيامه بـ"ارتكاب أعمال مخالفة للقانون"، الأمر الذي يشي بأن الإقامة الجبرية لم تلغ نهائيا بعد.

وعزت الوكالة نفسها، أحد أسباب إزالة القيود داخل الزقاق ذي الممر الواحد، والذي يعيش فيه موسوي وزوجته زهراء رهنورد، إلى تسهيل تردد الجيران عليه، الذين تأثرت حياتهم بتلك القيود.

من جهتها، أفادت وكالة "نور نيوز" المقرّبة من مجلس الأمن القومي الإيراني، مساء اليوم الإثنين، بأن "التخفيف التدريجي لقيود الرقابة على السادة مير حسين موسوي ومهدي كروبي قد بدأ منذ سنوات وهو ما زال مستمرا"، مضيفة أن قيود الرقابة رفعت عن السيدة زهراء رهنورد منذ أكثر من عامين.

القرار جاء من أعلى سلطة أمنية إيرانية، أي المجلس الأعلى للأمن القومي، حيث ذكرت وكالة "فارس" الإيرانية المحافظة أن البوابتين الموضوعتين في زقاق "اختر" في شارع باستور "تم إزالتهما بقرار من المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني".

وتواصل "العربي الجديد" مع عدد من المحللين من التيارين الإصلاحي والمحافظ للتعليق على القرار بشأن إزالة القيود من على منزل موسوي وأسباب وأهداف ذلك، لكنهم رفضوا التعليق عليه باعتباره موضوعا أمنيا لم تتكشف بعد تفاصليه، وعما إذا كانت الخطوة تعني رفع الإقامة الجبرية أم لا، وأنه لا يوجد المزيد من المعلومات حوله إلا ما أعلنته السلطات.

من جهته، قلّل نجل مهدي كروبي، الزعيم الإصلاحي الآخر الذي يقبع منذ 12 عاما مع المهندس مير حسين موسوي وزوجته زهراء رهنورد في إقامة جبرية، من أهمية الخطوة التي اتخذت لتخفيف القيود على تحركات موسوي، قائلا إن "إزالة بوابة زقاق ليست حدثا مهما أبدا". 

وأضاف أن "ما حصل هو أن زقاق اختر قد خرج من الحصار وليس المهندس موسوي"، حسب ما نقله عنه موقع "اقتصاد نيوز" الإيراني.

ويقبع رجل الدين مهدي كروبي (85 عاما)، رئيس البرلمان الإيراني الأسبق، والزعيم الإصلاحي رئيس الوزراء الإيراني الأسبق مير حسين موسوي وزوجته الدكتورة زهراء رهنورد، في إقامة جبرية منذ 12 عاما، بعد احتجاجات "الحركة الخضراء" التي انطلقت عام 2009 ضد نتائج الانتخابات الرئاسية التي ترشح فيها موسوي وكروبي، وفاز فيها الرئيس المحافظ محمود أحمدي نجاد، وسط جدل حول نتائج الانتخابات واعتراض الإصلاحيين عليها، مع توجيه اتهامات للسلطات بـ"تزوير" نتائجها.

وحينها، استقوى موسوي وكروبي الموصوفين في الأدبيات الرسمية بأنهما "من زعماء الفتنة"، بالشارع الإيراني، ليدعوان إلى تنظيم احتجاجات واسعة في طهران ومدن أخرى، عقب الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية، وهو ما حصل بالفعل، وشهدت العاصمة الإيرانية أكبر احتجاجات منذ انتصار "الثورة الإسلامية" عام 1979. 

وواجهت السلطات الأمنية الإيرانية بشدة احتجاجات الحركة الخضراء، مع اتهامها بأنها "تدبر من الخارج"، وتمكنت من السيطرة عليها. وتخللت الاحتجاجات أعمال عنف وقتل عدد من المحتجين وقوات الباسيج، وتم اعتقال عدد كبير من أنصار "الحركة الخضراء"، من بينهم شخصيات سياسية إصلاحية ووزراء ومسؤولون سابقون. 

وفي المقابل، استقوت السلطات بالشارع، فنظم أنصار الثورة مظاهرة كبيرة في طهران يوم 30 ديسمبر 2009، أدخلته السلطات الرسمية في التقويم الإيراني باعتباره "يوما ملحميا تم فيه إخماد الفتنة"، حسب أدبياتها. ومنذ ذلك التاريخ إلى اليوم، أصبح الإيرانيون من أنصار النظام يحتفلون بهذه المناسبة، منظمين مسيرات في المدن الإيرانية بدعوة من المجلس التنسيقي للدعاية الإسلامية، وهو من المؤسسات الإيرانية التي تتبع مؤسسة القيادة.

وتراجع مع مرور الوقت زخم الاحتجاجات إلى أن توقفت بعد أشهر، لكنها مع اندلاع الثورات العربية في تونس ومصر عام 2011، استؤنفت واستمرت بعض الوقت في مناسبات عدة، خاصة في الذكرى الأولى والثانية للانتخابات، لكنها لم تكن بذلك الزخم السابق. 

سبّبت انتخابات 2009 شرخا في السلطة في إيران، وبين رفاق الثورة

وسبّبت انتخابات 2009 شرخا في السلطة في إيران، وبين رفاق الثورة، حيث أعلنت شخصيات وازنة، مثل الرئيس الإيراني الأسبق الراحل هاشمي رفسنجاني، الذي كان على خلاف عميق مع محمود أحمدي نجاد، دعمهم للمحتجين وموسوي وكروبي، مع تشكيكهم في نتائج الانتخابات، وهو ما دفع أوساطا محافظة متشددة إلى وصف رفسنجاني بأنه "رأس الفتنة". ووسط احتدام الخلافات بين المحافظين والإصلاحيين، أعلن المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، أن الانتخابات "جرت نزيهة وشفافة"، موجها انتقادات لرفيقه في الثورة الشيخ رفسنجاني. 

وخلال فبراير/شباط 2011، فرضت السلطات الإيرانية، بقرار من المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، الإقامة الجبرية على الزعيمين الإصلاحيين مير حسين موسوي ومهدي كروبي وزوجتيهما، قبل أن تفرج بعد فترة عن فاطمة كروبي زوجة مهدي كروبي، لكن زهراء رهنورد ظلت في الإقامة الجبرية مع زوجها مير حسين موسوي. کما فرضت السلطات قيودا على تحركات الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي ومنعته من السفر إلى الخارج وهو مستمر حتى اليوم.

وظلت السلطات الإيرانية ترفض طيلة هذه السنوات الدعوات المتكررة من التيار الإصلاحي وشخصيات ونشطاء مدنيين للإفراج عنهم، غير أنها خففت خلال الأشهر الأخيرة، قيود الإقامة الجبرية، فسمحت لهم بإجراء اتصالات ولقاءات مع مقرّبين منهم. 

وجاءت إزالة البوابات من أمام منزل زعيم "الحركة الخضراء" التي لم يعد لها وجود على الأرض، استكمالا لتخفيف القيود على إقامته الجبرية ورئيس البرلمان الإيراني الأسبق مهدي كروبي، حيث بدأت السلطات الإيرانية تسمح لهما منذ عامين تقريبا بإجراء اتصالات مع أهلهما واستقبالهم في البيت. ثم سمحت لهما بزيارة بيوت أقاربهما وأشخاص مقربين منهما، وخاصة لكروبي الذي بات يشارك في إفطارات رمضانية ومناسبات أخرى في بيوت الشخصيات السياسية المقربة منه، ملقيا كلمات للحضور، انتشرت مقاطع مصورة منها على شبكات التواصل الاجتماعي.

وخلت كلمات كروبي من لغته الشديدة في رسائله خلال فترة الإقامة الجبرية أو قبلها، لكنها في طياتها كانت تحمل انتقادات للسلطات الإيرانية. واشتهر كروبي خلال السنوات الماضية بإرسال رسائل للمرشد الإيراني في عدة مناسبات، حملت انتقادات شديدة لإدارة البلاد. 

تساؤلات بشأن الأهداف والتوقيت والأسباب

وتثير الخطوات الرسمية باتجاه إلغاء الإقامة الجبرية على موسوي وكروبي، تساؤلات عن أهدافها وتوقيتها وأسبابها. ففي قراءة سريعة لهذه الخطوة، يمكن القول إنها تأتي بعد أن اطمأنت السلطات الإيرانية من أنهما لم يعودا يشكلان خطرا، أولا لأنهما تجاوزا الثمانين في العمر، فموسوي تجاوز 80 عاما وكروبي 85 عاما، وهما يعانيان من أمراض متعددة، ما يقيّد قدرتهما على التحرك والتواصل مع الجماهير والعمل السياسي.

 وثانيا، فإن بقاءهما في الإقامة الجبرية في ظل دخولهما في هذا العمر المتقدم قد ينتهي إلى وفاتهما في أي لحظة، وهو ما قد يشكل حرجا للسلطات، ويمكن أن تعقب عليها تحديات أمنية في حال توفيا وهما في الإقامة الجبرية.

 وثالثا، أن التيار الإصلاحي الذي كان يقودانه لم يعد بتلك القوة الجماهيرية التي كان يحظى بها، قبل أكثر من عقد، حينما فرضت عليهما الإقامة الجبرية. كما أنه بموازاة تراجع القاعدة الشعبية للإصلاحيين لأسباب متعددة، منها ما يرتبط بأدائهم وما يتعلق بتخطي شرائح إيرانية المسميات السياسية الحزبية في البلاد، تم إقصاء هذا التيار من السلطة، والذي اكتملت حلقاته في الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي جرت العام الماضي، والتي جاءت بالرئيس الإيراني المحافظ إبراهيم رئيسي وأصبحت جميع السلطات في قبضة المحافظين. 

وإلى ذلك أيضا، يحصل التخفيف الكبير في قيود الإقامة الجبرية على موسوي وكروبي في عهد حكومة محافظة برئاسة رئيسي، ولذلك، بطبيعة الحال، تنظر السلطات إلى الأمر على أنه جاء من موقف القوة وليس الضعف، وفي إطار تنازلات ومساوات سياسية مع التيار الإصلاحي.

وكان الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني قد تعهد، خلال حملاته الانتخابية عامي 2013 و2017 وبالذات في الدورة الأخيرة، بأنه سيعمل على الإفراج عن الزعيمين الإصلاحيين، لكنه أخفق في ذلك ولم يتمكن من ترجمة وعوده في هذا المجال، وهو ما جعله عرضة لانتقادات متواصلة من الإصلاحيين. 

دلالات