تحولات جوهرية تنتظر اليمن: نهج جديد للمعركة وزخم للمشروع الانفصالي

01 يناير 2022
الانفصاليون يحظون بدعم إقليمي (صالح العبيدي/فرانس برس)
+ الخط -

بعد عام عصيب على كافة المستويات العسكرية والسياسية والاقتصادية، يستقبل اليمنيون العام 2022 بتفاؤل حذر، رغم التحولات التي شهدتها الأيام الماضية، وعلى رأسها تصحيح الموقف العسكري، وكبح الانهيار الاقتصادي الذي يهدد الملايين بمجاعة وشيكة.

ووفقاً لتوصيف المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، كان العام الماضي أحد أقسى الأعوام على المواطن اليمني منذ اندلاع الحرب في 2015، وبلغ التصعيد العسكري ذروته جراء حصول هجمات عدائية متواصلة للحوثيين على مدينة مأرب، التي تحتضن أكبر تجمعات للنازحين، فيما اتسعت خريطة العمليات الجوية لتشمل أكثر من محافظة يمنية.


شهد العام الماضي هيمنة مطلقة للحوثيين في الملف العسكري

وشهد العام الماضي هيمنة مطلقة للحوثيين في الملف العسكري من خلال التحكم في مسار المعركة صعوداً وهبوطاً وتحديد مكانها وزمانها، وكان من ثمار ذلك السيطرة على سبع مديريات جنوبية بمحافظة مأرب النفطية، فضلاً عن استكمال السيطرة على ما تبقى من محافظتي البيضاء والجوف وثلاث مديريات من شبوة.

ومع توالي الانتكاسات في صفوف الحكومة الشرعية، كان التحالف الذي تقوده السعودية يتنبّه لخطورة الأمر، ويسعى إلى تدارك الموقف وتغيير المعادلة العسكرية من الدفاع إلى الهجوم، حتى وإن كان في وقت متأخر.

وبالتزامن مع نشاط استخباراتي وتحول نوعي في العمليات الجوية، قادت السعودية حراكاً سياسياً بالتوفيق بين الأطراف المناهضة للحوثيين، وذلك برعاية اجتماعات مكثفة مع قيادات "المجلس الانتقالي الجنوبي" المدعوم إماراتياً، ومع حزب "التجمع اليمني للإصلاح"، في خطوة تهدف إلى حشد الدعم للحكومة الشرعية وتوحيد الصف في مواجهة الانقلاب الحوثي.

وتأمل الحكومة الشرعية بأن تفضي القرارات الخاصة بتغيير محافظ شبوة السابق محمد صالح بن عديو، المتهم بموالاة حزب "التجمع اليمني للإصلاح"، بآخر مقرّب من "المجلس الانتقالي"، وهو عوض محمد الوزير العولقي، إلى تصفير المشاكل بين شركاء اتفاق الرياض والقفز على الخلافات البينية.

وفي 28 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أكد رئيس حكومة المحاصصة معين عبد الملك على هذه النقطة بالقول "لدينا معركة واحدة وعدو واحد مسؤول عن هذه الحرب، هو مليشيا الحوثي المدعومة من إيران"، إلا أن هذه الكلمات لا يبدو أنها ستجد آذاناً صاغية من الجميع.

استعادة زخم المعركة في اليمن

على مدار العام 2021، ظلت مأرب جبهة قتال رئيسية، وعلى الرغم من استبسال الجيش اليمني ورجال القبائل في إحباط الهجمات الحوثية واستدراج المليشيات إلى معارك استنزاف غير مسبوقة، إلا أن المحافظة النفطية الحيوية لا تزال تحت الخطر.

ويأمل التحالف وقوات الشرعية بحصول تحول جذري في مسار المعركة ضد الحوثيين خلال العام الجديد، والاستفادة من الاختراقات الاستخباراتية التي أسفرت عن ضرب أهداف عسكرية ذات قيمة في صنعاء، بالإضافة إلى استثمار حالة اتحاد الصف الوطني، واستعداد كافة القوى للانخراط مجدداً في المعركة بعيداً عن أي حسابات أخرى.

وبالفعل، شرع التحالف في معركة جديدة لاستعادة مديريات شبوة الثلاث التي سقطت في أيدي الحوثيين في مطلع سبتمبر/ أيلول الماضي.

ودفع التحالف لهذه المعركة بقوة ضخمة من ألوية العمالقة السلفية، التي كانت مرابطة في الساحل الغربي بعدما زودها بعتاد عسكري نوعي.

وحسبما كشفت مصادر عسكرية حكومية لـ"العربي الجديد"، فمن المقرر أن تشارك في هذه المعركة أيضاً قوات الجيش اليمني التابعة لمحور عتق العسكري.

ولن تكون الطريق مفروشة بالورود أمام القوات المشتركة، فمساء أول من أمس الخميس، سقط أكثر من 20 قتيلاً من الجيش اليمني وألوية العمالقة السلفية في هجمتين مباغتتين، الأولى إثر قصف صاروخي للحوثيين على معسكر في مديرية مرخة، والثانية إثر غارة خاطئة للتحالف على رتل للقوات الحكومية.

ولن يتم الاكتفاء بالضغط على الحوثيين في شبوة بجانب جبهة مأرب الرئيسية، ففي المديريات الغربية لمحافظة تعز ومناطق جنوبي الحديدة، تتصاعد وتيرة المعارك منذ إعادة انتشار القوات المشتركة في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، رغم المكاسب المحدودة حتى اللحظة.

وفي حال تمكنت القوات المشتركة من السيطرة على مدينة البرح في مديرية مقبنة، غربي تعز، خلال العام الجديد، سيبدو هذا بمثابة إنجاز نوعي من شأنه أن يفتح آفاقاً جديدة لقوات الجيش اليمني في محور تعز، للضغط على الحوثيين من جبهات جبل حبشي، ورفع الحصار الجزئي عن المنفذ الغربي وصولاً إلى شارع الستين.

في المقابل، وعلى الرغم من الإرباك الذي تسبب به الرحيل الغامض للسفير الإيراني بصنعاء حسن إيرلو، وكذلك التصعيد الواسع من التحالف، إلا إنه ليست هناك أي مؤشرات على انحناء جماعة الحوثيين للعاصفة الكبيرة التي تنتظرها في 2022، والتي تم استباقها بهجمة تتهم الجماعة بالتبعية لطهران وحزب الله اللبناني، بعد الكشف عن تسجيلات مسربة لقيادي في حزب الله يشرف على تفخيخ طائرات مسيرة من داخل صنعاء.


باشر التحالف معركة استعادة 3 مديريات في شبوة

وفيما وصف اتهامات التبعية بـ"الخطاب البائس" الذي يقدح في خلفيتهم الوطنية، قال القيادي الحوثي البارز، المعين نائباً لوزير الخارجية في حكومة صنعاء غير المعترف بها دولياً حسين العزي، إنه "لا يمكن لأي حرب أن تهزّ" جماعته.

سيناريوهات الخيار العسكري

وعلى الرغم من التفاؤل الذي أبداه الشارع اليمني بعد لجوء التحالف إلى نهج جديد في إدارة المعركة، إلا أن مصادر عسكرية حكومية تعتقد أن كافة الخطط المعلن عنها لا تزال خجولة ولن تكسر شوكة الحوثيين.

وفيما وصفت ذلك بالحلول الإسعافية غير المجدية، أكدت المصادر لـ"العربي الجديد"، أن المعركة الوحيدة التي ستوجع الحوثيين هي فتح جبهة البيضاء من محاور مختلفة في الزاهر وعقبة ثرة والقنذع، بالتزامن مع تحرك القوات المرابطة داخل مأرب نحو نهم وتهديد صنعاء مجدداً.

المخاوف ذاتها عبّر عنها الباحث اليمني عبد الناصر المودع، الذي استبعد حدوث تحسّن أو تطور مهم في أداء السعودية بالملف اليمني، سواء على المستوى السياسي أو العسكري.

وفي حين لفت إلى التحركات العسكرية الأخيرة في بعض جبهات القتال، وتحديداً المحاولة التي تجري حالياً لاستعادة مديريات شبوة الثلاث، ذكر المودع، في حديث مع "العربي الجديد"، أن سيناريوهات المعركة هناك لا تزال غامضة، وأشار إلى أنه من غير المعروف ما إذا كانت الخطة ستقتصر على إبقاء القوات القادمة في الحدود الشطرية السابقة بين شمالي اليمن وجنوبه بعد دحر الحوثيين من شبوة، أو مواصلة التوغل صوب مأرب.

وأضاف المودع: "حتى الآن، لا يُعرف ما إذا كانت للسعودية استراتيجية واضحة وجديدة غير الاستراتيجية السابقة التي اتسمت بالغموض وسوء التخطيط وعدم وضوح الأهداف والنوايا، ولهذا السبب فقد يكون العام الجديد شبيهاً بالذي سبقه، بل ومن المتوقع أن يشهد العام 2022 المزيد من التدهور في المجال الاقتصادي والإداري وضعف أجهزة الدولة والمزيد من الاهتراء".


يأمل التحالف وقوات الشرعية بحصول تحول جذري في مسار معركة مأرب

وكما أن الرؤية ضبابية في الملف العسكري، يبدو المشهد السياسي ملبّداً هو الآخر، رغم المحاولات السعودية لجسر الهوة بين الحكومة الشرعية والانفصاليين، فضلاً عن تسريبات بوجود تحركات إضافية لتصفية الأجواء بين شركاء اتفاق الرياض، من خلال تعيين نائبين للرئيس عبد ربه منصور هادي، أحدهما جنوبي، لم يتم التوافق عليهما بعد، وتشكيل حكومة محاصصة جديدة.

واستبعد المودع حدوث أي تحسن في أداء الشرعية في ظل أجواء كهذه، معتبراً أن كافة المعطيات تشير إلى أن المشروع الانفصالي "يحظى بدعم مباشر من دولة الإمارات، ودعم غير مباشر من السعودية".

وأضاف المودع: "من الصعب القول إنه سيكون هناك تنفيذ للشق العسكري والأمني في ما يسمى باتفاق الرياض، فهذا يعني أن المجلس الانتقالي سيتخلى عن طموحاته الانفصالية، وهذا مستبعد".

ورأى المودع أن "هناك توجهاً سعودياً لدعم الانفصاليين وليس الحدّ من نفوذهم، لذا لا يمكن توقع حصول تطور، خصوصاً أن اتفاق الرياض جاء لتكريس القوى الانفصالية وشرعنتها".

وفي حال تحققت السيناريوهات المحتملة، تحديداً في مسألة الدفع بقوات جنوبية من أجل استعادة مديريات شبوة الثلاث فقط، من دون التقدم نحو مديرية حريب وقطع إمدادات الحوثيين عن جنوبي مأرب، فإن "المجلس الانتقالي" سيكون المستفيد من كافة التطورات عسكرياً وسياسياً.

وسيكون المجلس قد ضمن السيطرة على شبوة بشكل غير مباشر، بعد تعيين محافظ مقرب منه، هو عوض العولقي، كما من المتوقع أن يلجأ خلال العام الجديد للتصعيد السياسي بمحافظة حضرموت النفطية والذي دشنه بالفعل أخيراً من خلال ما يسمى بـ"الهبة الحضرمية" التي هددت بإيقاف تصدير النفط اليمني من ميناء الضبة.