تحقيقات جمعية "نماء" التونسية: انتقام سياسي؟

14 يوليو 2022
هيئة دفاع جمعية نماء ترفض اتهامات السلطات في تونس وتعتبرها "غير واقعية" (Getty)
+ الخط -

طفت قضية جمعية "نماء" التونسية على الساحة السياسية بقوة في الأيام الأخيرة، مثيرة جدلاً إعلامياً غير مسبوق، بتوسّع الأبحاث القضائية حولها فجأة، لتطاول التحقيقات والتهم شخصيات سياسية بارزة، في حين اعتبرت هيئة الدفاع عن الجمعية أن الملف "زوبعة في فنجان" هدفه ضرب خصوم سياسيين.

ما هي جمعية "نماء"؟

"نماء" جمعية تنموية غير ربحية، تأسست منذ 15 مارس/ آذار 2011 في تونس، بحسب وثيقة تأسيسها، و"مهامها استقطاب المستثمرين والخبراء من الداخل والخارج".

أما أهدافها فهي "بعث المشاريع الاقتصادية المحدثة لمواطن الشغل، خاصة في المناطق ذات الأولوية، ومساعدة العاطلين من أصحاب الشهادات الجامعية العليا على بعث مشاريع اقتصادية وربط العلاقات والصلات مع الجمعيات والهياكل والمنظمات ذات الصلة، والمساهمة في تقديم خدمات استشارية تساعد على تفعيل المبادرات الاقتصادية وبعث المشاريع الصغرى"، بحسب ما هو منشور في وثيقة تأسيسها بموقعها الإلكتروني.

ويرأس جمعية نماء تونس، خلال الدورة الحالية، حسان المؤدب (مشمول بالتحقيق)، وكاتبها العام هو عادل السليمي.

تقارير عربية
التحديثات الحية

وفي إطار ما يعرف بقضية "نماء"، وُجهت اتهامات من قبل القطب القضائي لمكافحة الإرهاب إلى الجمعية بشأن "شبهات تبييض الأموال وتمويل الإرهاب".

ومن بين المتهمين في القضية، رئيس حركة النهضة ورئيس البرلمان راشد الغنوشي، ونجله معاذ، وابنته سمية، وصهره وزير الخارجية الأسبق رفيق عبد السلام، ورئيس الحكومة الأسبق حمادي الجبالي الذي اعتقل أخيراً لمدة 4 أيام، قبل أن يفرج عنه مع إبقائه على ذمة التحقيقات، بالإضافة إلى أفراد من عائلته.

وتصاعدت هذه الدعاوى أخيرا، والتي تُعتبر من قبل معارضي قيس سعيّد "كيدية" وضمن "الانتقام السياسي"، خاصة في مواجهة القوى الرافضة قرارات الرئيس، ومن بينها حركة النهضة، التي طالما وصفت إجراءاته بـ"الانقلابية".

وقرر القضاء أخيراً تجميد أموال وأرصدة الغنوشي والجبالي وعبد السلام، وبقية المتهمين المشار إليهم في لائحة تضم 10 أشخاص، كما فرض منع السفر عليهم.

ووجهت تهم لرئيس النهضة، تصفها الحركة بـ"الملفقة"، واستدعي للتحقيق خلال يوم 19 يوليو/ تموز المقبل، في وقت رجّح الغنوشي "إمكانية إيقافه" ضمن "حملة قمع"، بحسب ما كشفه رئيس جبهة الخلاص أحمد نجيب الشابي في ندوة صحافية.

وتعتبر هيئة الدفاع عن شكري بلعيد ومحمد البراهمي (زعيمان معارضان يساريان اغتيلا في العام 2013) أن المؤدب قيادي في حزب "النهضة"، ومسؤول جهوي عن التنمية والاستثمار، وتتهم الجمعية بـ"تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، وأن قيادات بارزة من النهضة استفادت من التمويلات الأجنبية لصالحها عبر الجمعية"، وفق ما تقول.

وعند توقيف الجبالي نهاية الشهر الماضي، تحدثت المتحدثة الرسمية باسم القطب القضائي لمكافحة الإرهاب حنان قدّاس عن "وجود شبهة قوية متعلقة بتبييض الأموال في ملف جمعية نماء الخيرية".

وقالت قدّاس، في تصريحات صحافية، إن "هناك تمويلات تقارب حوالي 20 مليون دينار تونسي ( حوالي 6,5 ملايين دولار أميركي) تحصلت عليها الجمعية وأعضاؤها بين سنتي 2011 و2021"، وهي اتهامات ترفضها هيئة الدفاع عن الجمعية وتعتبرها "غير واقعية".

وشددت قداس وقتها على أن "المتورطين في الملف هم في حالة فرار، ومن بينهم قريب حمادي الجبالي"، بحسب تعبيرها.

وقبلها، كشفت المتحدثة الرسمية باسم وزارة الداخلية فضيلة الخليفي، في ندوة صحافية بخصوص مستجدات قضية "نماء"، عن "وجود شبهة تسجيل عمليات مالية مريبة في هذه الجمعية، ورصد تدفقات مالية هامة لا تتماشى مع نشاطها المصرح به".

"تهم سياسية"

في المقابل، قال عضو هيئة الدفاع عن جمعية نماء تونس المحامي مختار الجماعي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "جمعية نماء جمعية تنموية وليست جمعية خيرية، أسست وفق القوانين التونسية، وحسب ما يضبطه مرسوم الجمعيات، وهي خاضعة للرقابة، وموازنتها تجرى متابعتها في إطار الشفافية التي ينص عليها القانون".

وبيّن أن الجمعية "تعمل في المجال الاقتصادي لدعم جهود الدولة لتوفير فرص عمل، عبر عقد مؤتمرات وندوات وجلب استثمارات وطنية ودولية".

وقال إن "الوشاية ضد الجمعية جاءت لأهداف سياسية من قبل السلطة"، مشيراً إلى أن "هذه القضية جرى استغلالها سياسياً وإعلامياً من جهة سياسية تسعى إلى ضرب جهة سياسية أخرى للتغطية على فشلها"، بحسب قوله.

وشدد الجماعي على أنه "لا علاقة للجمعية بالزعامات السياسية المتهمة في القضية، ولا وجود لأي ارتباط عضوي بين راشد الغنوشي وحمادي الجبالي ورفيق عبد السلام بهذه الجمعية"، مؤكداً أن "القانون المنظم للأحزاب يمنع ذلك".

وقال إنه "لا يوجد أي شخص ذي مهمة حزبية مركزية في تركيبتها، سواء من مؤسسيها أو مسيريها وإطارها الوظيفي، طبقا لما ينص عليه القانون".

وأضاف أنه "لا وجود لأي قيادي مركزي لحزب النهضة أو أي حزب سياسي ضمن الهيئات المديرة المتداولة على الجمعية منذ تأسيسها في 2011، خلال فترة رئيس الحكومة الأسبق محمد الغنوشي، أي قبل تولي حمادي الجبالي الحكومة".

وفسّر بأن أي "ربط بين جمعية نماء وأي زعامات سياسية هو ربط اعتباطي لا أساس له، والغاية منه سياسية بهدف ضرب خصم سياسي من خلال فرضية فساد على مستوى الجمعية أو استفادة غير مشروعة للأحزاب من أموال الجمعية عن طريق قياداتها". 

ادعاءات لا أساس لها

وأوضح أنه "لم يُقدّم أي دليل في مختلف الأبحاث المالية التي أجراها البنك المركزي من خلال لجنة التحاليل المالية، ولا الأبحاث العدلية، ولم تُثبت أي علاقة عضوية مع هذه القيادات السياسية".

وقال الجماعي إن الجمعية (الملاحقة بشبهة تبييض الأموال) "لم تخالف القانون، ولم تتلق أي تمويلات خارجية، وهو مثبت في حساباتها، كما لم يثبت القضاء حصول أي تمويل أجنبي، رغم أن القانون يسمح بتلقي هبات من الخارج".

وتابع المحامي ذاته بأن "اتهام الجمعية بالحصول على مبلغ 20 مليون دينار تونسي (قرابة 6.5 ملايين دولار أميركي) هو محض ادعاء لا أساس له من الصحة".

مزاعم تمويلات لا وجود لها

وقال الجماعي إنه "لم يثبت من خلال أي بحث تلقيها هذه التمويلات الأجنبية، بل إنه لا وجود لها أصلاً"، مشيراً إلى أن "رقم المعاملات المتداول، 20 مليون دينار، ورد على لسان مساعدة وكيل نيابة محكمة تونس والمتحدثة الرسمية باسم قطب مكافحة الإرهاب التي ذكرت هذا الرقم، وفي ذلك خروج عن واجب التحفظ ومخالفة لمبدأ سرية التحقيق، وتقوُّل لا أساس له وادعاء باطل، كما لا يوجد في الملف ما يدعمه"، بحسب تعبيره.

وأردف الجماعي "لقد وقع تداول العديد من الوثائق من هذا الملف ونشرها بهدف التشويه، ولكن لم يقع تداول أي وثيقة تؤكد هذا الرقم، وبالتالي فإننا كفريق دفاع نحتفظ بحقنا في تتبع ومقاضاة كل من ينشر هذه الأكاذيب والادعاءات".

وعن تسريب وثيقة تجميد أرصدة الغنوشي وبقية المتهمين، قال الجماعي إن نشر "الوثيقة فيه اعتداء سافر على المعطيات الشخصية للأشخاص الواردة أسماؤهم فيها"، مشيراً إلى أن "هيئة الدفاع لا تحتكم عليها، وبالتالي ندعو قاضي التحقيق المتعهد بفتح تحقيق، لأن في ذلك خرقاً لمبدأ سرية التحقيقات".

النهضة: تهم ملفقة

من جانبها، نفت حركة النهضة الاتهامات الموجهة إلى قيادييها ووصفتها بـ"الملفقة". وقالت إن الغرض منها تشويهها.

المساهمون