تحشيد لمعركة مرجّحة في الفاشر

29 ابريل 2024
جندي سوداني قرب الفاشر، 2004 (ماركو لونغاري/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- الصراع في السودان يتفاقم مع تحشيد الجيش وقوات الدعم السريع للسيطرة على الفاشر، مما أدى إلى نزوح المواطنين وسيطرة الدعم السريع على مدن رئيسية في دارفور.
- الأمم المتحدة تؤكد أن نصف سكان السودان بحاجة لمساعدات إنسانية، مع نزوح 8.6 ملايين شخص بسبب القتال، وتحذيرات دولية من هجوم وشيك على الفاشر.
- الفاشر تواجه خطرًا شديدًا مع تحذيرات من أعمال عنف عرقية، وتضارب في البيانات الأميركية والسودانية حول الوضع، والمواطنون يعيشون في خوف بسبب الاشتباكات.

يحشد كل من الجيش السوداني وقوات الدعم السريع هذه الأيام جنودهما في ولاية شمال دارفور للسيطرة على مدينة الفاشر عاصمة الولاية، استمراراً لصراعهما العسكري الذي دخل عامه الثاني، منتصف الشهر الحالي، وسط تحذيرات دولية من تبعات كارثية للمعركة المتوقعة في المدينة، والتي تمثل العاصمة السياسية والإدارية لإقليم دارفور غربي السودان. وقد بدأت بالفعل موجات نزوح المواطنين من القرى المحيطة بمدينة الفاشر، والتي اقتحمتها الدعم السريع بعد سيطرتها على مدينة مليط على بعد حوالى 65 كيلومتراً من الفاشر. وكانت مليشيات "الدعم السريع" قد سيطرت حتى نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، على المدن الكبرى بأربع ولايات من أصل خمس ولايات بدارفور (غرب ووسط وشرق وجنوب دارفور)، ولم يتبق لها سوى مدينة الفاشر.

بالمقابل أعلنت الحركات المسلحة الموالية للجيش في الإقليم انضمامها الكامل لمعركة الفاشر المرتقبة ضد الدعم السريع، والتي تحاصر المدينة مع حشد من المليشيات المتحالفة معها، فيما اقتحمت بالفعل عدداً من القرى حولها وسط غارات جوية ينفذها الجيش لمنعها من التقدم. وبعد انقضاء عام على الصراع العسكري بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع المستمر منذ 15 إبريل/نيسان من العام الماضي، وصلت الأوضاع الإنسانية إلى مستويات كارثية حسبما أكدت منسقة الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في السودان، كليمنتاين نكويتا. وقالت نكويتا في بيان في 15 إبريل الماضي، إن نصف سكان السودان -25 ملیون شخص- يحتاجون إلى المساعدات الإنسانية، إذ نزح 8.6 ملايين شخص داخل البلاد وخارجھا.

تحذيرات من هجوم على الفاشر

من جهته قال المتحدث باسم مفوضية حقوق الإنسان، سيف ماجانجو، خلال مؤتمر صحافي بجنيف، الجمعة الماضي، إن المنظمة تشعر بقلق متزايد بشأن هجوم وشيك محتمل على مدينة الفاشر، وتسعى إلى تخفيف التوتر في المنطقة. وشدد على أن الوضع المزري يتفاقم بسبب النقص الحاد في الإمدادات الأساسية، إذ إن عمليات تسليم السلع التجارية والمساعدات الإنسانية مقيدة بشدة بسبب القتال، وعدم قدرة الشاحنات على العبور بحرية عبر الأراضي التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع.

الفاشر هي المدينة الوحيدة في دارفور التي بقيت بيد الجيش

وأشار إلى أن المدنيين محاصرون في المدينة، وهي "الوحيدة في دارفور التي لا تزال في أيدي القوات المسلحة السودانية، ويخافون من القتل إذا حاولوا الفرار"، في ظل توغل قوات الدعم السريع. وأضاف أن الأخيرة أحرقت بعض القرى، بما في ذلك دورما وأموشوش وسارفايا وأوزباني، ما يثير "القلق من احتمالات وقوع المزيد من أعمال العنف ذات الدوافع العرقية في دارفور، بما في ذلك عمليات القتل الجماعي". ولفت إلى أنه في العام الماضي، "أدى القتال والهجمات بين (قبائل) الرزيقات والمساليت في غرب دارفور إلى مقتل وجرح مئات المدنيين، ونزوح الآلاف من منازلهم".

كذلك حذر كبار مسؤولي الأمم المتحدة مجلس الأمن، الأسبوع الماضي، من أن نحو 800 ألف شخص في الفاشر معرضون "لخطر شديد وشيك"، مع تفاقم أعمال العنف والتهديد "بإطلاق العنان لصراع عرقي دموي في أنحاء دارفور". وذكرت الأمم المتحدة أن ما يقرب من 25 مليون شخص، أي نصف سكان السودان، يحتاجون إلى المساعدات، وأن نحو ثمانية ملايين منهم نزحوا من منازلهم. وأعرب أعضاء مجلس الأمن، في بيان أول من أمس السبت، عن القلق العميق إزاء هجوم وشيك من قِبل قوات الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها ضد مدينة الفاشر "التي تؤوي مئات الآلاف من الأشخاص الذين فروا من العنف في أماكن أخرى".

وكانت الخارجية الأميركية دعت في بيان الأربعاء الماضي، جميع القوات المتقاتلة في السودان إلى الوقف الفوري للهجمات في الفاشر. وقالت إن الولايات المتحدة تشعر بالجزع إزاء المؤشرات التي تشير إلى هجوم وشيك من جانب قوات الدعم السريع والمليشيات التابعة لها على المدينة، مبينة أنه من شأن شن الهجوم أن يعرض المدنيين لخطر شديد، بمن فيهم مئات الآلاف من المشردين الذين لجأوا إليها. وأشارت إلى "التقارير الموثوقة التي تفيد بأن قوات الدعم السريع والمليشيات التابعة لها دمرت قرى متعددة غرب الفاشر"، مُدينة "عمليات القصف الجوي العشوائي المبلغ عنها في المنطقة من قبل القوات المسلحة والقيود المستمرة المفروضة على وصول المساعدات الإنسانية".

وردت الخارجية السودانية في بيان الجمعة، رافضة المساواة بين الجيش وما وصفتها بالمليشيا الإرهابية، مضيفة أنها "ترفض المزاعم التي لا أساس لها بأن القوات المسلحة تقوم بقصف جوي عشوائي أو أنها تعيق توزيع المساعدات الإنسانية". وفي السياق قال مسؤول دبلوماسي سوداني لوكالة فرانس برس، أول من أمس، طلب عدم الكشف عن اسمه، إن مندوب السودان الدائم لدى الأمم المتحدة الحارث إدريس تقدّم الجمعة الماضي، "بطلب لعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن لبحث عدوان الإمارات على الشعب السوداني، وتزويد المليشيا الإرهابية بالسلاح والمعدات". كذلك، أفادت وكالة أنباء السودان (سونا) بأن مندوب الخرطوم إدريس قدّم الطلب "رداً على مذكرة مندوب الإمارات للمجلس"، وشدّد على أن "دعم الإمارات لمليشيا الدعم السريع الإجرامية التي شنت الحرب على الدولة يجعل الإمارات شريكة في كل جرائمها".

موجة نزوح

وتمثل مدينة الفاشر واحدة من المدن الكبيرة في غرب السودان، وتبعد عن العاصمة الخرطوم حوالى 802 كيلومتر، وتضم 18 محلية (بلدية) ونحو 90 حياً، كما أنها تضم قيادة الفرقة السادسة مشاة بالقوات المسلحة. وتحد الفاشر من الغرب دولة تشاد، ومن الشمال ليبيا، وتمثل حالياً معقلاً رئيسياً للجيش السوداني في إقليم دارفور بعد سيطرة الدعم السريع على مدن الجُنينة ونيالا وزالنجي خلال الأشهر الماضية. وعلى صعيد المعارك، قالت لجان المقاومة بالفاشر (تنظيمات شعبية) في 16 إبريل الحالي، إن المعارك في محيط الفاشر أدت إلى نزوح سكان القرى إلى داخل المدينة وإلى مناطق أخرى. وأضافت أن المعارك تركزت الأيام الماضية شمال الفاشر في محاولة من الدعم السريع للتسلل داخل بعض الأحياء الشمالية. وأشارت اللجان إلى معاناة يعيشها المواطنون في الحصول على مياه الشرب جراء الأحداث الأخيرة في ريفي غرب الفاشر، ونزوح الأهالي لمنطقة شقرة حيث المورد الوحيد المتبقي للمياه. واتهمت الدعم السريع بارتكاب سلسلة انتهاكات بقرى ريفي غرب الفاشر والاعتداء على المواطنين ونهبهم، مضيفة أن الاشتباكات انتقلت إلى داخل معسكر أبو شوك للنازحين القريب من المدينة.

في موازاة ذلك أعلن زعيم قبيلة المحاميد موسى هلال، الأسبوع الماضي، وقوف قواته إلى جانب الجيش ضد "الدعم السريع". وقال هلال الذي يرأس مجلس الصحوة الثوري (تنظيم أهلي مسلح)، خلال مخاطبته تجمعاً لمناصريه في منطقة أم سنط بشمال دارفور، إنهم يقفون إلى جانب مؤسسات الدولة وليس مع المليشيا. وعقب صدور موقف الزعيم القبلي ذو النفوذ الكبير في دارفور، أصدرت قوات الدعم السريع مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، تعلن فيها انضمام مجموعة من مجلس الصحوة التابع لهلال إلى صفوفها، بجانب مقطع لمؤتمر صحافي عقدته مجموعة من إمارة قبيلة المحاميد تعلن تأييدها للدعم السريع وتتبرأ من تصريحات هلال.

وفي هذا الصدد، قال رئيس تنسيقية أبناء المحاميد أنور أحمد خاطر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن تهديدات "الدعم السريع" في الوقت الحالي لمدينة الفاشر "عبارة عن حالة صوتية المقصود منها أن تثبت أنها موجودة". وأضاف أن تلك التهديدات تهدف إلى "تشتيت انتباه الشعب عن الظهور القوي لهلال وتجاهل الحقيقة الواقعة بإمكانيته في تغيير مسار الحرب لصالح الدولة". وأشار خاطر إلى أنه سيكون هناك انحياز كبير لهلال على مستوى دارفور ومن كل المكونات الاجتماعية، وأن هناك تنسيقاً في هذا الشأن. وأضاف أن "ظهور هلال سيخلق تحييداً للمنطقة بشكل كبير، ما سيؤدي إلى إضعاف الدعم السريع".

ونفذ الجيش السوداني خلال الأيام الماضية إنزالاً جوياً لإمداد قواته في المدينة، كما ظل سلاح الجو ينفذ غارات متواصلة على تمركزات "الدعم" حولها، وكذلك في محلية مليط غرب الفاشر، فيما أسفر القصف الجوي عن مقتل سبعة مدنيين ونفوق عدد كبير من الإبل، وفق مجموعة "محامو الطوارئ الحقوقية". وأضافت المجموعة في بيان الجمعة الماضي أن "هذه الغارة أدت إلى تلوث مصادر مياه الشرب بحسب رواية السكان المحليين جراء مخلفات البراميل المتفجرة". في موازاة ذلك، حشدت القوى المشتركة لحركات الكفاح المسلح (مسلحون موقعون على سلام مع الحكومة) قواتها في مدينة الفاشر لقتال قوات الدعم السريع ومنعها من السيطرة على المدينة.

وقال المتحدث باسم القوى المشتركة أحمد حسين، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن القوى المشتركة منذ تأسيسها أعلنت مواقف وأهدافاً واضحة من ضمنها حماية المواطنين وممتلكاتهم. وأضاف أنه "بعد نقل الدعم السريع حربها إلى دارفور وتدمير ثلاث مدن هي نيالا وزالنجي والجُنينة، ومحاولتها الهجوم على مدينة الفاشر، حذرناها من القيام بذلك لكنها رفضت". وأضاف أنه "منذ ذلك الوقت وإلى الآن نحن مستعدون للدفاع عن الفاشر، وعن كل مدن السودان بصفة عامة ومدن دارفور على وجه الخصوص". وأشار حسين إلى أن الأوضاع حالياً في المدينة هادئة ومستقرة، لافتاً إلى أن "مليشيا الدعم السريع أصبحت تقطع الطرق وتمنع وصول المواد الغذائية والبترولية والإغاثية". وأضاف أن "هناك فرقعة إعلامية كبيرة وإشاعات وبث الروح الانهزامية في أوساط الشعب من قبل هؤلاء الأوباش، لكن نحن نطمئن مواطنينا بأن الفاشر بخير".

محيي الدين الصحاف: استقرار في الفاشر مع قصف تمركزات الدعم السريع

إلى ذلك اعتبر الصحافي محيي الدين الصحاف، المقيم في الفاشر، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن المدينة "هادئة ومستقرة مع استمرار قصف الطائرات لتمركزات الدعم السريع في المناطق القريبة للمدينة". وأضاف أن هناك حالة من التوتر لدى المواطنين بعد التهديدات والحرب الإعلامية للهجوم على الفاشر. وقال إن "مهاجمة الفاشر هي حرب إعلامية من الطراز الأول، وبحسب استخبارات الجيش لا توجد قوة حالياً بالحجم الذي يمكنها مهاجمة المدينة، والقوة الموجودة ليست بالكبيرة ومتمركزة في أماكن معينة ناحية الشرق". إلا أن المواطنة السودانية منى، والتي تقيم في الفاشر، قالت في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الناس يعيشون في حالة من الخوف ويخشون سقوط المدينة بيد الدعم السريع. وأضافت أن هناك مشكلة في مياه الشرب "إذ يعتمدون على العربات التي تجرها الحمير للحصول على المياه من الآبار القليلة العاملة، بجانب خوفهم من نفاد السلع الغذائية". وأشارت إلى فرار بعض السكان في الأحياء الشمالية والشرقية نحو وسط المدينة بسبب الاشتباكات والقصف الجوي.
 

المساهمون