تواصل السلطات الأمنية في إقليم كردستان العراق، بمشاركة من بغداد وبإشراف خبراء أميركيين، التحقيقات في الهجوم الصاروخي الذي استهدف مدينة أربيل الأسبوع الماضي، والذي أدى إلى مقتل مقاول مدني أجنبي وجرح تسعة آخرين بينهم أميركيون.
وتبنت الهجوم مليشيا أطلقت على نفسها اسم "سرايا أولياء الدم"، في إشارة إلى زعيم "فيلق القدس" السابق بالحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، والقيادي بـ"الحشد الشعبي" أبو مهدي المهندس، اللذين قتلا بغارة أميركية مطلع العام الماضي قرب مطار بغداد الدولي.
ولم تُعلن إدارة الإقليم لحد الآن أي نتائج عن هذه التحقيقات، إلا أن مصادر أمنية من أربيل أكدت، لـ"العربي الجديد"، أن "أطرافا سياسية وأخرى حكومية في الإقليم تدفع باتجاه تدويل الهجوم، من خلال إرسال نتائج التحقيقات إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، خاصة أن بعض الصواريخ سقطت في المربع الذي يضم ممثليات دبلوماسية غربية وأجنبية مختلفة تقع قرب مطار أربيل وقاعدة حرير المستهدفة، شمالي أربيل".
ووفقا للمصادر ذاتها التي اشترطت عدم ذكر اسمها، فإن "هذا التوجه يعتبر ورقة ضغط ضد بغداد، وتحديدا المليشيات الحليفة لإيران والتي تواجه تهم التورط بالهجوم".
وكشفت وسائل إعلام عراقية، أخيراً، عن وجود تحرك سياسي بهدف إيجاد اتفاق بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان العراق بخصوص "تدويل" ملف قصف أربيل من قبل المليشيات، ليكون للمجتمع الدولي دور بهذا الملف.
وأكد صحة هذه المعلومات القيادي في "الحزب الديمقراطي الكردستاني" ريبين سلام، وقال في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد" إن "إقليم كردستان يعمل حالياً على تدويل أكثر من ملف، بضمنها قصف أربيل، ولدينا ملفات أخرىن منها ما هو مرتبط بالغبن الذي يتعرض له الكرد بسبب السياسات المالية في بغداد".
ولفت إلى أن "الجماعات المسلحة والمليشيات والتنظيمات الإرهابية تستغل الفجوة الأمنية بين القوات الاتحادية وقوات البشمركة"، مشدداً على أن "استهداف أربيل يمثل خطراً على كل العراق، وبالتالي فإن الخطر المشترك يسفر دائماً عن تقاربات مشتركة".
وأوضح أن "قادة الإقليم، وأبرزهم مسعود بارزاني (رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني) ونيجيرفان بارزاني (رئيس إقليم كردستان العراق) طلبوا من الأمم المتحدة أن تتدخل من أجل وضع حدٍ لما يجري ويحصل داخل الإقليم، من النواحي الأمنية والعسكرية والمالية، وبالتالي فإن تدويل ملف قصف أربيل هو توجه كردستاني كامل"، مشدداً على "ضرورة ولادة تحالف دولي ضد الجماعات المسلحة التي تُهدد أمن بغداد وأربيل، وقطع مصادر تمويلها وملاحقتها".
ويخشى مسؤولون في بغداد تبعات توعد الولايات المتحدة الأميركية بمحاسبة الجهات المسؤولة عن هجوم أربيل الصاروخي، بحسب توضيح التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش" الإرهابي الذي تقوده. كما ازدادت مخاوف الفصائل المسلحة المنضوية ضمن "الحشد الشعبي"، كونها المتهمة بالأساس بتنفيذ الهجوم، بما أنه ينظر لمليشيا "سرايا أولياء الدم" كفرع من مليشيا "كتائب حزب الله"، التي تملك لواءً داخل الهيئة الرسمية لدى الحكومة العراقية.
لكن المتحدث باسم "اللواء 30" في "الحشد الشعبي" سعد القدو أكد، لـ"العربي الجديد"، أن "الحشد ليس على علاقة بالهجوم الصاروخي الذي حصل في أربيل"، مبيناً أن "ملف استهداف إقليم كردستان بالصواريخ يحمل أكثر من رسالة، بضمنها أن هناك فصائل مسلحة داخل الإقليم ترتبط مع جهات دولية تريد النيل من حكومة الإقليم، كما أن هناك فصائل أخرى وأحزابا تسعى لمكاسب سياسية في كردستان. ويمكن القول إن أربيل استفادت من الهجوم الصاروخي أكثر مما تعرضت له من أضرار".
وأكمل أن "الهجوم دفع حكومة الإقليم إلى فتح أكثر من ملف، منها ما يرتبط بعودة قوات البشمركة إلى المناطق المتنازع عليها مع حكومة بغداد، إضافة إلى دفع واشنطن لضرب الحشد الشعبي، وتصعيد ملف التصادم في المنطقة ما بين إيران والولايات المتحدة، ناهيك عن مصالح خفية في التقدم التركي والتحرك نحو مدينة سنجار"، معتبراً أن "الهجوم الصاروخي لم يكن أمنياً بقدر ما يتضمن مصالح سياسية واقتصادية متشعبة".
بدروه، يرى المحلل السياسي الكردي كفاح محمود أن "هناك تسريبات تؤكد توجها سياسيا من الإقليم والحكومة الاتحادية لإيجاد اتفاق على تدويل ملف أربيل، والتحديات الأمنية التي تواجهها بسبب انفلات المليشيات الخارجة عن القانون، والتوصل إلى تحالف دولي يحمي العراقيين وأمن البعثات الأجنبية والاستثمار في العراق".
وأوضح، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "بغداد وأربيل لا تواجهان حالياً مجموعة أفراد مسلحين، بل مليشيات منظمة تحصل على أموال من الخارج وتدريبات وأحياناً على غطاء قانوني بفعل تدخل بعض الأحزاب في بغداد، وبالتالي فإن هناك حاجة لتحالف يقضي على هذا الخطر الذي يُهدد العراق".