تختلف القراءات للحراك الذي بدأته وزارة الخارجية الأميركية تجاه المعارضة السورية على مختلف المستويات، بين من يرى أن لدى واشنطن رغبة في تنشيط العملية السياسية، المتوقفة بسبب التعطيل الذي تمارسه موسكو والتي تحاول حصر الحلول ضمن مسار أستانة، بعيداً عن الأمم المتحدة، وبين من يضعه في خانة توجيه رسائل لبعض الأطراف الإقليمية.
وأجرى مبعوث الخارجية الأميركية لشمال وشرق سورية نيكولاس غرينجر سلسلة لقاءات، خلال الأيام القليلة الماضية، في مدينة القامشلي أقصى الشمال الشرقي من سورية، مع العديد من الأحزاب الكردية وغير الكردية في المنطقة.
أكرم المحشوش: يبدو أنّ غرينجر جاء لتكوين صورة كاملة عن الأوضاع في شمال شرق سورية
والتقى المسؤول الأميركي، الخميس الماضي، ممثلي العديد من الأحزاب في شمال شرق سورية، أبرزها: حركة الإصلاح-سورية، حزب سورية المستقبل، حزب الاتحاد الديمقراطي، حزب المحافظين، حزب الاتحاد السرياني وحزب التغيير.
جدية أميركية بتثبيت الأمن
ونقلت وسائل إعلام مقربة من "الإدارة الذاتية" في شمال شرق سورية عن غرينجر قوله إن "وجود تمثيل كبير للولايات المتحدة الأميركية في شمال شرق سورية يؤكد جدية الحكومة الأميركية في دعم المنطقة والسعي لتثبيت الأمن والاستقرار".
وتدعم الولايات المتحدة "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) التي تسيطر على جل الشمال الشرقي من سورية ومناطق غرب نهر الفرات. والتقى المبعوث الأميركي، الأربعاء الماضي، بمسؤولين في "الإدارة الذاتية"، وبحث معهم جهود إعادة الرعايا الأجانب من مخيّم الهول الذي يضم عائلات من تنظيم "داعش"، بحسب ما نشرت دائرة العلاقات الخارجية التابعة للإدارة. كما التقى وفداً من "المجلس الوطني الكردي" في سورية.
وأكد المسؤول الأميركي أن بلاده "مع الحل السياسي وتطبيق القرار 2254 ومع وحدة الأراضي السورية ودعم استقرار المنطقة"، وفق فيصل يوسف، عضو الأمانة العامة لـ"المجلس الوطني الكردي"، في حديث لـ"العربي الجديد".
وفي السياق، أشار سكرتير حزب الاتحاد السرياني سنحريب برصوم، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن ممثلي الأحزاب "ناقشوا مع المبعوث الأميركي العديد من الملفات التي تخص الشمال الشرقي من سورية"، وطالبوا الإدارة الأميركية بلعب دور لإيقاف التهديدات التركية للمناطق التي تقع تحت سيطرة "قسد".
وأوضح أنّ المبعوث الأميركي "أكد أن القوات الأميركية مستمرة، مع التحالف الدولي، بأداء مهامها في شمال شرق سورية". وأضاف: "طالبنا بدعم الإدارة الذاتية اقتصادياً وسياسياً".
وتابع: "طالبنا بأن نكون جزءاً من العملية السياسية في سورية، والتي تشرف عليها الأمم المتحدة"، مضيفاً: "لم نتطرق إلى مسألة الحوار الكردي- الكردي، فيما قال المبعوث الأميركي إنه جاء ليلتقي جميع الأطراف في الشمال الشرقي من سورية".
تكوين صورة عن أوضاع شمالي سورية
من جهته، أشار أكرم المحشوش، وهو ممثل حزب المحافظين في شمال شرق سورية، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنه "جرت مناقشة جميع الملفات مع المبعوث الأميركي". وأضاف: "يبدو أنه جاء لتكوين صورة كاملة عن الأوضاع في شمال شرق سورية. اجتمعنا سابقاً مع كل المبعوثين الأميركيين إلى المنطقة، ولكن لم يتغير شيء على أرض الواقع".
وكان مساعد وزير الخارجية الأميركي إيثان غولدريتش التقى، في جنيف، الثلاثاء الماضي، رئيس هيئة التفاوض السورية المعارضة بدر جاموس، والرئيس المشترك للجنة الدستورية (تضم ممثلين من المعارضة والنظام) هادي البحرة.
وأكد المسؤول الأميركي "دعم الولايات المتحدة لحقوق الشعب السوري، وأن بلاده ضد عمليات التطبيع مع نظام الأسد، وأنها تبذل جهداً من أجل تفعيل القرار 2254 ودفع العملية السياسية بخطوات جدية، وصولاً إلى الحل السياسي المبني على القرارات الدولية".
ودعت الولايات المتحدة، الأربعاء والخميس الفائتين، ممثلين عن عدد من دول "أصدقاء سورية" لاجتماعات في جنيف. وجرت محادثات للبحث في تحريك الملف السياسي السوري بعد محاولات روسيا حصره في مسار أستانة، وتعطيل مباحثات اللجنة الدستورية، التي لم تعقد أي جولة منذ مطلع يونيو/حزيران الماضي بسبب ذرائع روسية مختلقة.
وتطرح التحركات الدبلوماسية الأميركية الحالية تساؤلات عن إمكان وجود رغبة أميركية حقيقية بكسر حالة الجمود التي أصابت الملف السوري بسبب تعنّت النظام وداعميه الروس والإيرانيين، ورفضهم التعامل الجدي مع القرارات الدولية ذات الصلة بهذا الملف، وخصوصاً القرار 2254، الذي لا يزال من دون تطبيق على الرغم من صدوره قبل نحو 7 سنوات.
ولطالما اتهمت المعارضة السورية الإدارة الأميركية بعدم إيلاء القضية السورية الاهتمام الكافي وبالتعامل "الرخو" معها، وهو ما سمح للطرفين الروسي والإيراني جر هذه القضية خارج السياقات الدولية، لفرض حلول تُبقي بشار الأسد ونظامه في السلطة.
ومنذ بدء الثورة السورية في 2011، اعتمدت واشنطن سياسة فرض العقوبات على أركان النظام السوري، إلا أنها لم تردعه عن ارتكاب المجازر واعتقال وتهجير السوريين. ولم تضغط واشنطن سياسياً وعسكرياً على النظام السوري من أجل الجلوس على طاولة التفاوض لإيجاد حلول سياسية للقضية السورية، وهو ما أعطى هذا النظام وداعميه الفرص لتمييع العملية السياسية برمتها.
وتفرض الولايات المتحدة نفوذها العسكري على أجزاء من الشمال الشرقي من سورية، أو ما يُعرف بـ"شرق الفرات"، حيث أقامت العديد من القواعد العسكرية بالقرب من أبرز حقول وآبار النفط والغاز في ريفي دير الزور والحسكة.
تحرك أميركي محدود
ووصف مدير وحدة تحليل السياسات في مركز "الحوار السوري" للدراسات محمد سالم التحرك الأميركي الأخير تجاه القضية السورية بـ"المحدود". وأشار إلى أن الاجتماع الذي عُقد في جنيف الثلاثاء الماضي مع المسؤول الأميركي "جاء بطلب من المعارضة السورية". واستدرك سالم بالقول: "لكن مجرد الاستجابة الأميركية دليل على بعض الاهتمام بالملف السوري".
وصف محمد سالم التحرك الأميركي الأخير تجاه القضية السورية بالمحدود
ورأى سالم أنه لا يمكن عزل التحركات الأميركية تجاه القضية السورية عن الغزو الروسي لأوكرانيا والمستمر منذ فبراير/شباط الماضي، مضيفاً: "ما يجري في أوكرانيا يلقي بظلاله على الملف السوري".
وتابع: "هناك تصلب بالموقف الأميركي لجهة البقاء في سورية، بعد أن شهدنا قبل الحرب الروسية الأوكرانية تغاضياً أميركياً عن سماح قوات سورية الديمقراطية للدوريات الروسية بالمرور في مناطق نفوذ أميركية شمال شرقي سورية. أما اليوم، فتصدر تصريحات واضحة من الأميركيين بأنهم ينوون البقاء طويلاً، وهذا يبقي الخريطة معقدة، لكنه يعطي الفرصة لمزيد من المناورة بالنسبة للفاعلين المحليين، خصوصاً المعارضة السورية وقسد".
ولا يتوقع سالم أن يكون للتحرك الدبلوماسي الأميركي الراهن أثر على دفع الحل السياسي في سورية "الذي ازداد جموداً مع رفض الروس الاستمرار في عمل اللجنة الدستورية في جنيف"، مضيفاً: "لكن قد يسهم في تخفيف جموح بعض الدول للتطبيع مع نظام بشار الأسد".