يبدو أن توابع قضية السيناتور الأميركي بوب مينينديز، المتهم بتلقي رشى مقابل استخدام موقفه لمساعدة الحكومة المصرية، لن تتوقف قريباً. وفي وقت أعلن فيه الرئيس الجديد للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ السيناتور بن كاردين، أول من أمس الثلاثاء، والذي خلف مينينديز الذي تنحى عن منصبه، أنه سيوقف 235 مليون دولار من التمويل العسكري الأميركي لمصر، حتى تتخذ القاهرة "خطوات ذات معنى لتحسين ظروف حقوق الإنسان في البلاد"، كشفت مصادر دبلوماسية عن "تحركات من جانب الحكومة المصرية" لاحتواء ما وصفته بالـ"تداعيات الخطيرة" للقضية، خصوصاً في ما يتعلق بأزمة سد النهضة الإثيوبي.
وقال دبلوماسي مصري إن هذه التداعيات "تأتي في وقت كانت تستعد فيه القاهرة لحملة جديدة لحشد المجتمع الدولي، إزاء التعنت الإثيوبي خلال جولتَي المفاوضات الأخيرتين في القاهرة وأديس أبابا، بمشاركة مصر والسودان وإثيوبيا، خصوصاً بعدما تراجعت الحكومة الإثيوبية عن توافقات جرت سابقاً خلال مفاوضات ما يعرف بمسار أبوظبي".
قضايا حقوق الإنسان في مصر يجب أن تتحسن
وذكر كاردين في بيانه أن الكونغرس أوضح "من خلال القانون، أن سجل الحكومة المصرية في مجموعة من القضايا المهمة المتعلقة بحقوق الإنسان والحكم الرشيد وسيادة القانون يجب أن يتحسن إذا أردنا أن تستمر علاقتنا الثنائية".
وأضاف أن الولايات المتحدة ومصر "تشتركان في مصالح استراتيجية طويلة الأمد وأن استقرار البلاد مهم لمصالح الأمن القومي الأميركي، لكن تحسين سجلها في مجال حقوق الإنسان يجب أن يكون أيضاً أولوية".
ودعا كاردين مصر إلى "المضي قدماً في إصلاح وتحسين ممارسات الحبس الاحتياطي، وتسريع عملية العفو والإفراج عن السجناء السياسيين، بما في ذلك آلاف المسجونين بسبب تعبيرهم عن رأيهم وتكوين الجمعيات، وتوفير مساحة للمدافعين عن حقوق الإنسان، والمدافعين عن المجتمع المدني، والسياسيين".
وقال: "سيظل حجزي للأموال الحالية قائماً حتى يتم إحراز تقدم ملموس في مجال حقوق الإنسان"، مضيفاً أنه تحدث مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن وأعلن أنه يعتزم العمل مع إدارة الرئيس جو بايدن "على هدفنا المشترك المتمثل في حماية حقوق الإنسان وتوسيع نطاقها في مصر".
وتأتي خطوة كاردين لتتعارض مع سياسة بايدن، التي أصدرت تنازلاً عن بعض القيود التي فرضها الكونغرس على المساعدة العسكرية السنوية لمصر، لتسليم 235 مليون دولار من التمويل العسكري الأجنبي، قائلة إن ذلك ضروري للأمن القومي، فيما حجبت مبلغ 85 مليون دولار للتعبير عن مخاوفها بشأن حقوق الإنسان.
مع العلم أن وزارة الخارجية الأميركية أعلنت، في سبتمبر/ أيلول الماضي، أنّها وافقت على تقديم مساعدات عسكرية لمصر للعام المقبل بقيمة 1,215 مليار دولار.
وكان الادعاء العام الأميركي قد وجه في 22 سبتمبر الماضي اتهامات للسيناتور مينينديز وزوجته، وثلاثة آخرين، بينهم رجل الأعمال المصري وائل حنا، بالتورط في "مخطط رشوة استمر لسنوات" سمح لمسؤولين مصريين بالوصول المباشر، وبشكل غير مشروع، إلى أحد أهم صنّاع السياسة الخارجية الأميركية".
وجاءت لائحة الاتهام في وثيقة من 39 صفحة بنيت على رسائل نصية، وسجل مكالمات بين مينينديز وزوجته من جهة، والمسؤولين المصريين وحنا ورفيقيه من جهة أخرى.
لوبي قوي لإثيوبيا في أميركا
وفي السياق قال أستاذ العلاقات الدولية عصام عبد الشافي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "تجميد المساعدات وإمكانية وقف تصدير السلاح لمصر، موقف ليس جديداً، فخلال السنوات الثلاث الأخيرة، قامت الإدارة الأميركية بقطع جزء من المساعدات لمصر في سبتمبر 2021، وسبتمبر 2022، وسبتمبر 2023".
عبد الشافي: إثيوبيا حققت بالفعل أهدافها من ملف سد النهضة
أما في ما يخص سد النهضة، فقد اعتبر عبد الشافي أن "إثيوبيا لديها لوبي قوي جداً داخل الكونغرس الأميركي، مسيطر ومهيمن ومؤثر، وأقوى عدة مرات من اللوبي المؤيد لمصر، ليس في الكونغرس فقط، بل الولايات المتحدة كلها".
ولا يعتقد عبد الشافي أن إثيوبيا تستفيد من توتر العلاقة بين أميركا ومصر، "لأن إثيوبيا حققت بالفعل أهدافها من ملف السد، ولا أعتقد أن تحتاج للكونغرس أو الإدارة الأميركية".
ولفت إلى أن "الأمور بالنسبة لإثيوبيا محسوبة 100 بالمائة لأن مشروع السد اكتمل وأصبح الملء الرابع حقيقية وواقعاً، وهي ترتبط بمصالح استراتيجية مع الولايات المتحدة ومع الصين وروسيا وفرنسا ومع البنك الدولي وبقية مؤسسات التمويل".
أديس أبابا تجري تحركات عبر الكونغرس الأميركي
من جانبه أفاد دبلوماسي مصري في واشنطن، في حديث لـ"العربي الجديد"، بأن "تحركات بدأتها أديس أبابا على ضوء الأزمة، عبر نواب داعمين لها بالكونغرس وإحدى شركات العلاقات العامة المتعاقدة معها، في محاولة لاستغلال الاتهامات الموجهة إلى مينينديز والإشارة إلى إمكانية لعبه أدواراً سلبية تمس المصالح الإثيوبية لصالح مصر، مقابل رشى".
وأوضح أن "مثل تلك الاتهامات، في حال استجاب لها أعضاء بارزون في الكونغرس، فستكون لها تداعيات شديدة الخطورة على موقف مصر في أزمة سد النهضة خصوصاً".
ولفت الدبلوماسي نفسه إلى "خطورة التوقيت الذي أثيرت فيه أزمة مينينديز، في ظل الإعلان عن فشل جولة المفاوضات الأخيرة بشأن السد، وإعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي ترشحه بشكل رسمي للانتخابات، ما يعني أنه سيكون عرضة للضغوط من جانب الدوائر الأميركية، ما يمكن معه القبول بتنازلات، لتمرير تلك الموجة العاتية من الغضب الأميركي".
وتنشط الحكومة الإثيوبية بشكل كبير على الساحة الأميركية الداخلية خصوصاً في ما يتعلق بأزمة السد. ففي يونيو/ حزيران من العام الماضي، استطاعت أديس أبابا أن تستميل تجمع الكونغرس الأسود (CBC) الذي يضم 55 سناتوراً، لتبنّي موقفها وإصدار بيان داعم لها.
واعتبر البيان حينها أن سد النهضة له وقع إيجابي على المنطقة، داعياً لدور أكبر للاتحاد الأفريقي في مفاوضات السد، معتبراً أن البيت الأبيض فشل في لعب دور الوسيط المحايد. كما طالب الولايات المتحدة والجهات الدولية الفاعلة باحترام اتفاق المبادئ الثلاثي الذي تم توقيعه بين مصر وإثيوبيا والسودان عام 2015.
وسبق أن وقعت حكومة آبي أحمد عقداً مع شركة العلاقات العامة الأميركية "بارنز أند ثورنبورغ" بقيمة 130 ألف دولار شهرياً، لترويج الموقف الإثيوبي بشأن قضية سد النهضة، من خلال اتصالاتها بعدة مكاتب في الكونغرس، فضلاً عن مسؤولين في مجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية ووزارة الخزانة، بحسب وثائق مملوكة لوزارة العدل الأميركية.
القوصي: مصر تتعامل مع ملف سد النهضة طبقاً لنظريات الصبر الاستراتيجي
من جهته رأى خبير المياه العالمي، الدكتور ضياء الدين القوصي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن مصر تتعامل مع القضية، "طبقاً لنظريات الأجل الطويل والصبر الاستراتيجي، طالما أن هناك ما يكفي من المياه لعدد من السنوات المقبلة".
وأضاف أن "هذا الوضع لا بد أن يتغير بشكل درامي، في حال وقوع أي نوع من أنواع الخطر، وقتها سيكون العالم كله قد شهد لمصر والمصريين، بأنهم قد استنفدوا بالفعل كل ما يمكن أن يتحمله البشر".
وقلل القوصي من أهمية التحركات الإثيوبية داخل الكونغرس الأميركي، قائلاً: "لا أظن أن الكونغرس لديه مثل هذا الاهتمام، خصوصاً أن إثيوبيا لديها مشكلات في ملف حقوق الإنسان، تفوق المشكلات التي تعاني منها مصر".
من جهته اعتبر الكاتب الإثيوبي والمحلل السياسي في شؤون القرن الأفريقي، هاشم علي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "إثيوبيا لا تعتمد على ردود الأفعال في قضية سد النهضة، لأن موقفها الحالي أصبح قويا بعد الملء الرابع، كما أنها لا تستغل أزمات الدول لتحقيق مكاسب في قضية السد التي تعتقد أنها تنطلق من حقوق لها ولا شيء آخر".