تنتاب الشارع الطرابلسي في شمال لبنان حالٌ من الغضب، إثر التوقيفات التي تطاول محتجين شاركوا في التحركات التي شهدتها ساحة النور في الأيام الماضية، والأحداث الأمنية التي تخلّلها إحراق مبنى البلدية والمحكمة الشرعية السنية، ومنشآت عامة وخاصة ومراكز تربوية في المدينة.
ويقول المحامي نهاد سلمى المتابع للقضية، لـ"العربي الجديد"، إنّ عدد الموقوفين تجاوز حتى الساعة عشرين شخصاً، والأخطر أنّ هؤلاء جرى توقيفهم خلال مداهماتٍ وليس عبر استدعاءاتٍ، الأمر الذي بدأ يثير المخاوف عند كل ناشطٍ من أن يتحوّل إلى مطلوبٍ، وخصوصاً من ينزلون إلى الساحة يومياً في إطار التحركات الاحتجاجية.
ويلفت المحامي إلى أننا "بانتظار السماح لنا بلقاء المحتجزين في وزارة الدفاع، علماً أنّ المادة 47 من أصول المحاكمات الجزائية تمنح، في نصّها، المشكو منه أو المشتبه فيه فور احتجازه، الحق في مقابلة محامٍ، مع حقوقٍ أخرى تُعدّ بمثابة أساسٍ في إطار الحماية والدفاع عن النفس، طالما أن قرينة البراءة تبقى الأولى حتى إثبات العكس، لكن للأسف جوبهنا بالرفض، وننتظر حلّ هذه المسألة".
ويؤكد محتجون في طرابلس، لـ"العربي الجديد"، أنهم لن يخرجوا من الشارع حتى تحقيق مطالبهم، وتحركاتهم مستمرّة اليوم أيضاً، وبشكل أساسي للمطالبة بترك الموقوفين ومنحهم أبسط حقوقهم القانونية للدفاع عن أنفسهم، وإجراء تحقيقات شفافة بما حدث، مؤكدين، في المقابل، رفضهم أعمال الشغب التي حصلت، والاعتداءات على الأملاك العامة والخاصة، على الرغم من علمهم أنّ غضب الناس يصعب ضبطه بعد "جهنّم" الذي يعيشون فيه ويذوقون من خلاله طعم الموت يومياً، والذي من الطبيعي أن يُستغلّ كالعادة لتنفيذ أجندات سياسية.
وتشهد ساحة النور اليوم إجراءات أمنية مكثفة، ويسيّر الجيش اللبناني دوريات في المنطقة ومحيطها للسيطرة على الوضع والحؤول دون حصول أي تطوّر أمني.
وفي السياق، علم "العربي الجديد" أنّ مجموعات من مختلف المناطق اللبنانية شاركت في التحركات الأخيرة، تدعو للتضامن مع الموقوفين، والضغط لإطلاق سراحهم، وللوقوف إلى جانب طرابلس وما تتعرّض له من محاولاتٍ لقمع تظاهراتها، سواء أمنياً أو سياسياً، من خلال محاولة القوى السياسية التقليدية التسويق لأفكار المؤامرة والسيناريو الإرهابي الذي يعود إلى المشهد عند كل تحرّكٍ في الشارع اللبناني، وكأنه لا فقر وجوع وبطالة أحدثت انفجاراً اجتماعياً.
ولبّى الجنوب النداء، وتحديداً صيدا، حيث تشهد ساحة إيليا تحركات وسط إجراءات أمنية مكثفة تأكيداً لرفض ما وصفه المحتجون بـ"الاعتقالات التعسفية" في طرابلس، والتي يتعرّض لها كلّ الناشطين في مختلف المناطق اللبنانية، وتنديداً بالسياسات التي لا تزال تنتهجها الحكومة في إطار مواجهة كورونا، وتفاقم أزمة المواطنين المعيشية، في ظلّ حديث أيضاً عن احتمال تمديد التعبئة العامة مرة جديدة، على الرغم من التحركات الرافضة للتمديد الأول حتى الثامن من فبراير/شباط.
وينزل المحتجون إلى الشارع في صيدا اعتراضاً كذلك على رفع سعر ربطة الخبز، في خطوة لجأت إليها وزارة الاقتصاد، وكأنها تمارس سياسة الرفع التدريجي، تحسباً لردّة فعل الناس، إذ يعبّر المواطنون عن استنكارهم للجوء وزارة الاقتصاد إلى هكذا خطوة في وقتٍ تعلو فيه صرخة الناس على الغلاء الفاحش، وفوضى الأسعار، وجشع التجار، وغياب الرقابة والمحاسبة، كما أعلنوا عن رفضهم أي خطوة لرفع الدعم عن المواد والسلع الغذائية. كما تشهد مناطق في محافظة جبل لبنان، منها خلدة، تحركات أيضاً في الإطار نفسه.
وانضمّ "تكتل لبنان القوي" الذي يرأسه النائب جبران باسيل، اليوم، إلى جوقة اللاعبين على الوتر الأمني والمؤامرات السياسية، لافتاً، بعد اجتماعه الدوري، إلى أنّ "الأحداث التي شهدتها طرابلس تحمل مؤشرات خطيرة عن وجود جهات تعمل للفلتان الأمني مستغلة الأزمة المعيشية الضاغطة، فيما اعتقد البعض أن بإمكانه الاستفادة سياسياً من النقمة الشعبية". ونبّه التكتل من أي اختراق خارجي يعيد لبنان ساحة للابتزاز الإرهابي، وهو ما أظهرته التوقيفات الأخيرة.
ويستمرّ توافد الشخصيات السياسية والأمنية والفعاليات الطائفية المذهبية اليوم إلى طرابلس، للاطلاع على الأضرار التي لحقت بمبنى البلدية والمحكمة الشرعية السنية، والمنشآت العامة والخاصة.
وكانت مجموعات مدنية في طرابلس خرجت من رحم "انتفاضة 17 أكتوبر"، منها "طرابلس مدينتنا"، أصدرت بياناً، أكدت فيه أن ما حصل في عاصمة الشمال هو انفجار اجتماعي غاضب إزاء الفشل المزمن والغياب الرسمي، لا يحفزه الفقر والحرمان وحدهما، بل أيضاً الشعور العام والمزمن بالإهانة والإذلال المتعمد للمدينة وأبنائها وترك عناصر الانفجار المجتمعي من دون أي معالجة.
وحدّدت مجموعة من المطالب في بيان عمّمته أمس الاثنين، على رأسها إقالة محافظ الشمال فوراً، وتكليف شخصية مستقلة وكفؤة تحظى بثقة أبناء المدينة، والمطالبة بتحقيق فوري وشفاف في الأحداث الأخيرة وتحديد المسؤوليات، وإنشاء خلية أزمة فعّالة لوضع خطة عمل فورية لمعالجة الأزمة المعيشية.