تحذيرات من مواصلة الرئيس التونسي الضغط على القضاة لاستهداف خصومه

17 ابريل 2022
اتهامات للرئيس التونسي بالتدخل في عمل القضاء (تويتر)
+ الخط -

قوبل انتقاد الرئيس التونسي قيس سعيّد، أول من أمس الجمعة، خلال لقائه وزيرة العدل ليلى جفال في قصر قرطاج، عدم تحرك النيابة العمومية أمام ما وصفها بـ"محاولة الانقلاب"، برفض حزبي وسياسي، وتحذيرات من مواصلة ضغوطه بهدف تطويع القضاة وتسليطهم على خصومه ومعارضيه، لا سيما حديثه عن كون "بعض القضاة اغتالوا العدالة".

وتلاحق السلطات التونسية 121 نائبا بمجلس الشعب على خلفية مشاركتهم، في 30 مارس/ آذار الماضي، في جلسة التصويت على قانون إنهاء العمل بالمراسيم الرئاسية والوضع الاستثنائي الذي استفرد الرئيس التونسي من خلاله بالحكم، وهو ما اعتبره سعيّد "محاولة انقلابية".

وشرعت فرقة مكافحة الإجرام والإرهاب، منذ الأسبوع الماضي، في التحقيق والاستماع إلى 10 نواب مع إبقائهم في حالة سراح، ومن بينهم رئيس البرلمان راشد الغنوشي ونائبه طارق الفتيتي وبرلمانيون من كتل مختلفة.

ولطالما هاجم سعيّد القضاء منتقدا أداء القضاة ممن يعتبرهم موالين ومتورطين مع الفساد، وأقدم على حلّ المجلس الأعلى للقضاء في 10 فبراير/ شباط الماضي قائلاً إنه "لن يقبل أن يكون القضاء دولة داخل دولة".

وأضاف سعيّد وقتها أنه "لا يمكن تطهير البلاد إلا بتطهير القضاء"، مؤكدا أنه "على القضاة تطبيق القانون بحيادية كاملة"، وأنه "لا بد من وضع حدّ لممارسات بعض القضاة. القضاء وظيفة وليس سلطة فوق سلطة الدولة".

وتعليقا على ذلك، قال وزير حقوق الإنسان الأسبق في تونس وعضو هيئة الدفاع عن البرلمانيين في قضية "التآمر على أمن الدولة" المحامي سمير ديلو، في تصريح لـ"العربي الجديد" اليوم الأحد، إن "مفهوم رئيس الجمهوريّة للعدالة النّاجزة، التي يشير إليها كلّما استدعى وزيرته للعدل للحديث حول قضايا جارية، غريب وشديدة الخطورة، إذ يستبطن قناعة راسخة بأنّ القضاة المتعهّدين بالملفّات القضائيّة مجرّد موظّفين ينفّذون تعليماته".

 واعتبر ديلو أن ذلك "يهدف لإلغاء استقلاليّة القضاة عبر الضّغط والاتهام والتّشهير، بعد أن سعى لإلغاء استقلاليّة القضاء عبر حلّ المجلس الأعلى المنتخب للقضاء وتعويضه بمجلس أعلى مؤقّت معيّن".

وشدد ديلو على أن الرئيس التونسي "يمنح لنفسه سلطات النّيابة العموميّة في تكييف الأفعال المراد تجريمها، فهو يعتبر أنّ تصريح نائب وحيد بالخارج حول إمكانيّة تكوين برلمان بالمهجر (تم التوضيح بأنّ الأمر يتعلّق بمجرّد التّنسيق بين النواب الموجودين بالمهجر) هو من قبيل محاولة الانقلاب!، وكذلك الدّعوة لحكومة إنقاذ وطني، بل يعتبر أنّ عدم مجاراته في ذلك بمثابة الاغتيال للعدالة".

وأوضح ديلو أن ذلك "ضغط علني مباشر من الرئيس على القضاة في ملفات تهم معارضيه، وهو أمر غير مسبوق، ويعكس سكرة السلطة التي أصبح يعيشها ولم يعد معها يتورّع عن قولٍ، مهما كانت درجة مخالفته القانون، وحتى المنطق السليم، ولا عن فعلٍ، مهما كان خرقه للدستور، وحتى لمراسيم وأوامره اللادستوريّة".

واعتبر أن هذا الخطاب "تدخل وضغط لدفع القضاة لاتخاذ إجراءات ضد النواب والمعارضين"، قائلا "هذا واضح بصريح عبارات رئيس الجمهوريّة، فهو تساءل عن سبب عدم اعتقال الـ121 نائبا الذين يتّهمهم بمحاولة الانقلاب بسبب عقدهم جلسة عامّة طبق الفصل 80 من الدستور، الذي يفرض على البرلمان البقاء في حالة انعقاد دائم طيلة مدة التدابير الاستثنائية التي فعّلها الرّئيس بموجب نفس الفصل".

وتابع ديلو قائلا إن "طريقة استهداف الرّئيس المؤسّسات التي يريد إخضاعها لا تتغيّر، قصف شديد بالتّهم والتشويه، تليه ضغوط، ثم إجراءات".

وعلق أمين عام الحزب الجمهوري عصام الشابي على خطاب الرئيس التونسي على صفحته بموقع "فيسبوك": "حلّ المجلس الأعلى للقضاء ووضع اليد عليه لم يعد كافيا لإخضاع القضاء بالكامل لإرادة الحاكم بأمره". وتابع "اليوم انتقلنا إلى مرحلة التدخل المباشر في سير القضايا التي تعهد بها القضاء"، مشددا على أن "إنقاذ تونس من الحكم الفردي أولوية مطلقة لا تحتمل التأجيل".

بدوره، تساءل مستشار رئيس حركة النهضة رياض الشعيبي، في تدوينة على "فيسبوك"، إن كانت هناك "كبيرة أشد وأخطر من التدخل السافر في القضاء وإكراهه على العمل وفقا لهواه الشخصي". وتابع: "الآن افتضحت نيته أمام كل التونسيين من إلغاء المجلس الأعلى للقضاء وتعيين مجلس مؤقت بديلا عنه.. الهدف كان واضحا، وهو التحكم في القضاء واستعماله في المعركة لإسكات خصومه ومنعهم من ممارسة حقوقهم".

من جانبه، كتب أمين عام حزب العمال حمة الهمامي على صفحته بـ"فيسبوك": "الواضح أنّ حلّ المجلس الأعلى للقضاء المنتخب وتعيين مجلس جديد مُوال وتسمية وزيرة عدل موالية، ليس كافيا لتحقيق أهداف الرجل".

وأضاف: "اليوم يتذمر من أنّ النيابة العمومية لا تعمل وفقا لما يريده هو، أي لا تتبع من يريد هو أن يقع تتبعه ولا تسجن من يريد هو أن يسجن، وفي كلمة لا تحاسب لا هي ولا القضاء من يريد هو أن يحاسب بهذه الكيفية أو تلك."

وأردف: "من الصعب جدا في مثل ظروف اليوم أن يجد سعيّد القضاة الطيعين بالدرجة التي يريدها هو.. فبالإضافة إلى وجود قضاة (نساء ورجال) شرفاء ومستقلين، فحتى القضاة الطيعين جدا في العادة أصبحوا اليوم حذرين وهم يفكرون في مصالحهم: ماذا سيكون مصيرهم لو دارت الدائرة في هذا الزمن المتقلب جدا؟ الرئيس الشعبوي المسكون بنزعة استبدادية، لا هو يؤمن باستقلالية القضاء، ولا هو قادر على إصلاح قضاء عفّنته عقود من حكم الديكتاتورية الدستورية، وعقد من حكم حركة النهضة وحلفائها الكثيرين".

أما أمين عام حزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي، فتساءل على صفحته بـ"فيسبوك": "أين الهياكل الممثلة للسادة القضاة، مثل الجمعية والنقابة، من خطاب التحريض والترهيب والإرباك والتشويه الذي تعود رئيس السلطة المختصبة (المغتصبة) القيام به في حقهم، وإلقاء التهم عليهم جزافا والتدخل بالضغط في بعض القضايا الجارية. وموقفهم من تلك المحاكمات المتلفزة التي يجريها في حق معارضيه وخصومه، في تدخل سافر في سلطتهم بدون احترام لمبدأ قرينة البراءة أو لحرمات الناس أو لمعطياتهم الشخصية؟".

المساهمون