تحذيرات إسرائيلية من فشل عسكري بسبب توسع الخلافات

22 اغسطس 2023
جنود إسرائيليون قرب الحدود اللبنانية، يوليو الماضي (جلال ماري/فرانس برس)
+ الخط -

تحتدم الخلافات بين المؤسسة الأمنية والعسكرية والسلطة التنفيذية- السياسية، على خلفية تداعيات خطوات الحكومة لتقييد جهاز القضاء، وتزايد رفض التطوع في قوات الاحتياط في الجيش الإسرائيلي، بخاصة في سلاح الجو وقطاعات المخابرات، التي تشكل عصب الجيش الإسرائيلي.

الحكومة الإسرائيلية ترى أن قرارات عدم التطوع نوع من أنواع رفض الخدمة وعصيان الأوامر، وتتهم قيادات الجيش بالتساهل مع هذه الظواهر، وفي الوقت نفسه تقلل من حجمها وتأثيرها على قوات الجيش.

في المقابل، تُعبّر قيادات الجيش، خصوصاً رئيس الأركان هرتسي هليفي ووزير الأمن يوآف غالانت، عن قلق بالغ حيال ظاهرة رفض التطوع، وتدعي أنها باتت تمس بالعصب الأساسي لقدرات الجيش والتدريبات.
لم تشهد العلاقات بين المؤسستين السياسية والعسكرية هذا التوتر والخلاف منذ حرب يوليو/تموز عام 1967.

حينها طالبت قيادة الجيش بالبدء بضربة استباقية ضد الجيشين المصري والسوري، بسبب الحصار البحري في البحر الأحمر، وإدخال مصر لقوات إلى شبه جزيرة سيناء، بينما ترددت القيادة السياسية، خصوصاً رئيس الحكومة وقتها ليفي أشكول، تجاه فتح حرب.

تصدع في المؤسسة العسكرية والأمنية

التصدع في المؤسسة العسكرية والأمنية يشكل محوراً مركزياً في تراجع مُركِبات أساسية في الأمن القومي الإسرائيلي والمناعة، منها تراجع الحالة الاقتصادية، وتصدع التماسك الاجتماعي والسياسي الداخلي، وتراجع العلاقات الاستراتيجية مع الغرب، وتحديداً مع الولايات المتحدة، فضلاً عن تراجع الثقة في المؤسسة السياسية والحكومة.

تشير كافة التقارير إلى أن نتنياهو والمؤسسة العسكرية في مسار تصادمي

وكل هذا يشكل ضرراً لجهوزية الجيش الإسرائيلي لأي حرب مقبلة، والأهم بجهوزية المجتمع الإسرائيلي لتحمل عبء أي حرب آتية، وتراخي الشعور الدائم الذي لازم الإسرائيليين بأنهم على حق في أي حرب، وأنها بمثابة حرب دفاعية لا مفر منها لضمان وجود إسرائيل.

في الوضع الراهن سيكون من الصعوبة بمكان على الحكومة والمؤسسة الأمنية، إقناع أجزاء كبيرة من المجتمع الإسرائيلي بعدم ارتباط أي عملية عسكرية بمصالح سياسية أو شخصية لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، أو أنها بمثابة محاولة للتهرب من تداعيات خطة تقييد القضاء ومحاكمات نتنياهو. أي أن هناك مسا بشرعية الحرب، في حال حصولها، داخل المجتمع الإسرائيلي.

اتهام الحكومة الإسرائيلية بمفاقمة حدة التوتر

الحكومة الإسرائيلية متهمة من قبل العديد من الخبراء العسكريين والأمنيين، بأنها تفاقم من حدة التوتر ولا تعمل من أجل خفض لهيبه. بل على العكس، فإن تصرفاتها ومواقف قيادات في التحالف الحكومي تزيد من هذه التوترات وتعمقها، ما يزيد "الطين بلة"، خصوصاً في ظل ارتفاع منسوب التوتر الأمني والعسكري. وقد بادرت المؤسسة العسكرية إلى تسريب امتعاضها من تصرف الحكومة، ومحاولاتها تحميل قيادات الجيش مسؤولية تراجع كفاءات وجهوزية الجيش بسبب الحالة السياسية.

قيادة الأركان عرضت على نتنياهو معطيات رفض التطوع، وتراجع الكفاءات، في اجتماع خاص بداية الأسبوع الماضي، تلاه اجتماع خاص ومغلق للجنة فرعية في لجنة الخارجية والأمن في الكنيست لعرض صورة مقتضبة عن حالة الجيش للجنة.

وذكرت تقارير إخبارية إسرائيلية أن نتنياهو "يبدي قلقاً بشأن تآكل كفاءة" الجيش، لكنه لم يُقدم على أي خطوة للدفاع عن قيادة الجيش ووقف الهجوم عليها، على الرغم من مطالبته من قبل رئيس الأركان بذلك، وأن ينشر إدانة للتصريحات القاسية ضد كبار المسؤولين الأمنيين، خاصة أنه لم يعقب على أو يمنع نجله يئير من التهجم على رئيس الأركان واتهامه بأنه الأفشل والأسوأ في قيادات الجيش تاريخياً.

تشير كافة التقارير إلى أن نتنياهو والمؤسسة العسكرية في مسار تصادمي، بعد أن وصفت وسائل إعلام الاجتماع بين نتنياهو وهليفي، بأنه كان متوتراً، وأن نتنياهو صرخ ووبخ رئيس الأركان، وطالبه بنفي التقارير حول تراجع كفاءات الجيش، واتهم قيادات في الجيش بأنها تمس بقدرات الردع الإسرائيلية.

تفاقم سوء العلاقات بسبب التوتر الأمني

قد تكون حدة هذه الخلافات في المشهد السياسي والأمني الإسرائيلي أقل تأثيراً وحدّة لولا التغيرات في البيئة الأمنية الاستراتيجية، التي ترافق التصدع السياسي والخلافات داخل المجتمع الإسرائيلي، وتتأثر بها وتؤثر فيها بطبيعة الحال.

فالتوتر الأمني في المشهد الفلسطيني بدأ قبل حركات الاحتجاج الأخيرة، والتصدع داخل المجتمع الإسرائيلي، لكنه يتأثر بالضرورة من سياسات الحكومة اليمينية الحالية وخطواتها لتغيير الواقع الاستيطاني والضم الفعلي لمناطق "ج"، وإضعاف السلطة الفلسطينية. أما التحول الأبرز الذي بات يشكل قلقاً حقيقياً لدى صناع القرار الأمني والعسكري في إسرائيل فهو تصرفات وخطوات وتصريحات "حزب الله" اللبناني في الأشهر الأخيرة.

المراسل العسكري لموقع "واي نت" يوآف زيتون نشر، أخيراً، تقريراً مفصلاً عن التغيرات الحاصلة في الحدود الشمالية، منها تحضيرات الجيش والوحدات العسكرية الإسرائيلية في منطقة الشمال للتغيرات الحاصلة على أرض الواقع، مقابل تحضيرات "حزب الله".

تراجع قدرة الردع الإسرائيلية أمام "حزب الله"

ورأى زيتون أن الأهم فيما يحدث هو تراجع قوة الردع الإسرائيلية أمام "حزب الله"، وتحركات يقوم بها الحزب على أرض الواقع، والتي لم يجرؤ على القيام بها منذ حرب العام 2006.

أوري بار يوسف: في حال اندلاع حرب قريباً سنشتاق إلى حرب يوم الغفران

وأشار إلى أن "حزب الله" يقوم باستفزازات علنية عن طريق خطوات عسكرية، مثل دخول عنصر من الحزب قبل أشهر وتفجير عبوة في منطقة "مجدو" (وادي عارة)، ومنها إطلاق صاروخ مضاد للمدرعات باتجاه منطقة الغجر الحدودية، وإقامة خيام للحزب في منطقة تعتبرها إسرائيل داخل حدودها.

وأوضح أن الأبرز هو قيام "حزب الله" بإقامة عشرات النقاط العسكرية على الحدود، ونشر قوات النخبة من وحدة "الرضوان"، ناهيك عن التهديدات الأخيرة المتبادلة بين وزير الأمن الإسرائيلي والأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله، بإعادة لبنان وإسرائيل إلى العصر الحجري في حال نشوب حرب جديدة.

الكثير من المحللين الإسرائيليين رأوا أن هذا التغير في مواقف وتصرفات "حزب الله" له علاقة بقراءة الحزب لتراجع وضعف تماسك المجتمع الإسرائيلي، وفي جهوزية الجيش، بسبب الخلافات الداخلية والاحتجاج على خطة تقييد القضاء، واتهموا نتنياهو شخصياً بإضعاف قدرات الجيش الإسرائيلي، وصولاً إلى تشبيه الحالة القائمة بفشل حرب عام 1973.

ووضع التحليل الإخباري للقناة 12، قبل أيام، صورة نتنياهو ووزير الأمن والقائد العام للجيش الإسرائيلي على خلفية صورة نظرائهم في قيادة إسرائيل في العام 1973، للتشبيه بين الأمس واليوم، واتهام نتنياهو بالفشل القادم.

وكتب الخبير في القضايا الأمنية والعسكرية أوري بار يوسف، في مقالة بصحيفة "هآرتس"، أنه في حال اندلاع حرب قريباً سنشتاق إلى حرب "يوم الغفران" (التسمية الإسرائيلية لحرب 1973)، بحيث ستكون أكبر حرب تخوضها إسرائيل منذ 1973 وأكثر صعوبة لعدة أسباب رئيسية.

وأوضح أن بين الأسباب طبيعة التهديد وشدته، فقد كانت حرب "يوم الغفران" على جبهتين ــ مرتفعات الجولان وقناة السويس ــ لكنها لم تطاول الجبهة الداخلية كما هو متوقع أن تكون الحرب المقبلة، وسيكون الضرر للجبهة الداخلية بالغاً، ناهيك أن الجبهة الداخلية غير مستعدة لحرب قاسية، وهناك تراجع كبير في ثقة الجمهور بمتخذي القرار، ما سيؤثر على المعنويات والمناعة، الأمر الذي سيزيد من صعوبة إدارة المعركة.

وأوضح أن قدرات وجهوزية الجيش مختلفة عن العام 1973، بالإضافة إلى تردي جهوزية الجيش بسبب التصدع السياسي. والأهم، هو التراجع بنوعية وقدرات القيادات السياسية الحالية مقارنة بالعام 1973 والمستوى المتدني لثقة الجمهور بهذه القيادة.

بار يوسف خلص إلى أن الظروف الحالية تزيد من فرصة اندلاع حرب عرضية، كما كان الحال في العام 2006، وقد تُغير هذه الحرب مصير الدولة أكثر بكثير من تغيير النظام القضائي والأزمة الاقتصادية، وتسرب صناعات التكنولوجيا الحديثة إلى الخارج، ورحيل الأطباء، وينبغي أن يكون هذا هو الشاغل الأكبر لدينا.

مخاوف حقيقية أم محاولة إضافية للردع

باتت إسقاطات الأزمة السياسية والتصدع داخل المجتمع الإسرائيلي واضحة على قدرات وإمكانات الجيش، وعلى العلاقات بين المؤسسة العسكرية والسلطة التنفيذية.

ولعل هذه الأزمة هي الأبرز منذ حرب 1973، التي تركت صدمة كبيرة في المجتمع وأجهزة الأمن الإسرائيلية. وليس صدفة أن تبدأ الصحافة الإسرائيلية والخبراء الأمنيون بمقارنة ما يحدث اليوم مع ما يسمى إسرائيلياً "فشل يوم الغفران"، وليس فقط بسبب اقتراب الذكرى السنوية لتلك الحرب.

قد تكون هذه التحذيرات وإدخال الخوف الأمني واسترجاع تجربة حرب 1973، وهي "البقرة المقدسة" إسرائيلياً، نابعة عن تقييم حقيقي لمدى خطورة الحالة وعن مخاوف واقعية، بسبب التصدع الذي طاول الجيش.

وقد يكون تهويل هذه المخاوف وتضخيمها محاولة إضافية لتأليب الرأي العام ضد حكومة نتنياهو ونهجها، ومحاولة لإقناع معسكر اليمين نفسه بخطورة المرحلة، على ضوء تراجع قدرات وإمكانيات حركات الاحتجاج لردع حكومة نتنياهو من الاستمرار بخطواتها لتقييد القضاء. فقط الأيام المقبلة يمكن أن توفر إجابة لهذه التساؤلات.

المساهمون