دخلت تونس عاماً جديداً في ظل انقسام كبير حول مشروع الرئيس قيس سعيّد ومساره، بعد عام صعب مليء بالأحداث وملاحقة خصوم سعيّد، الذي يصرّ على مواصلة العملية الانتخابية على الرغم من المقاطعة الكبيرة التي أظهرتها الانتخابات البرلمانية التي جرت في 17 ديسمبر/كانون الأول الماضي والتي بلغت نسبة المشاركة فيها 11 في المائة.
وفي ظل هذا الوضع، تختلف التوقعات لما تنتظره البلاد في العام 2023، اذ تتراوح مواقف معارضي سعيّد بين التوقعات بتفاقم الأزمة أو اقتراب نهايتها برحيل "الانقلاب" بسبب التفجر الاجتماعي الوشيك وتوحد المواقف بعد الانتخابات الأخيرة. مقابل ذلك، يعتبر مساندو الرئيس أن العام الجديد سيُسجل استقراراً سياسياً بتنصيب المؤسسات المنتخبة وباستكمال "تصحيح المسار".
مؤشرات على إمكانية تغيير الوضع
وقال القيادي في حركة النهضة، بدر الدين عبد الكافي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنه "على الرغم من الأزمة التي تعيشها البلاد والانقلاب على كامل المسار الديمقراطي، الأمر الذي هدد المنجز السياسي وضرب أبسط مقومات العيش، فإن مؤشرات الانفراج والأمل تغلب عوامل القلق واليأس بشأن إمكانية تغيير الوضع".
عبد الكافي: مؤشرات الالتقاء حول إسقاط الانقلاب أصبحت أقرب
وبيّن عبد الكافي "أن نتائج انتخابات 17 ديسمبر مثّلت نقطة تحوّل في اتجاه بوصلة تونس". ولفت إلى أنه "على الرغم من مجابهتها بالمكابرة والتعنّت من قبل السلطة القائمة، ولكنها بعثت برسائل التقطتها الأطراف السياسية جميعاً بأن الانقلاب دمار لتونس ولم يأت بخير لها". كما أكد أنه "حتى من كان يراهن على نجاح الانقلاب أو ما سمى بتصحيح المسار خلص إلى أن هذا لم يكن سوى سراب".
وأفاد بأن "مؤشرات الالتقاء حول إسقاط الانقلاب واستعادة الديمقراطية أصبحت أقرب، فمنظمات فاعلة كاتحاد الشغل وعمادة المحامين التقطت الرسالة". وأشار إلى أن هذه الرسالة التقطها كذلك "الطيف السياسي بجميع مكوناته على الرغم من اختلافهم حول حاجة تونس إلى كلمة واحدة وعلى مشترك يمكن ضبطه".
ولفت عبد الكافي إلى أن "الدليل على ذلك هو الحوارات الحالية على الرغم من أن الأمر لن يكون سهلاً بتعنت السلطة القائمة". وتوقع أنه "في 2023 ستخرج البلاد من الكابوس، والمؤشرات الباعثة على الأمل تنقسم بين الواجهة الشعبية التي عبّرت عن موقفها في 17 ديسمبر، ومن جهة أخرى النخبة السياسية والاجتماعية التي تقترب للالتقاء حول مخرج لإنهاء الانقلاب".
بدوره، توقع عضو المكتب السياسي للاتحاد الشعبي الجمهوري، طلال حافظ الله، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "تكون السنة الجديدة صعبة اقتصادياً واجتماعياً، وأن تحمل أحداث سياسية حاسمة ستنهي مرحلة الانقلاب وتسقط مشروع سعيّد".
وشدد على أنه "تبيّن أن المشروع الأحادي للرئيس لا يعدو سوى مجرد خطة للاستفراد بالسلطة والاستمرار في الحكم، ولا يشمل هذا المشروع أي إصلاح حقيقي للبلاد ولا يحمل أي رؤية أو مسار واضح".
ولفت إلى أن "حالة الإحباط والتذمر الشعبي، والوضع المعيشي المهترئ، قد يتسبّبان في انفجار اجتماعي وشيك، قد يتحوّل إلى فوضى خطيرة في البلاد إن لم تقع عملية تنقية سياسية للأوضاع واستخلاص الرسالة البيّنة بعد مهزلة الانتخابات".
ودعا حافظ الله "الاتحاد العام التونسي للشغل بصفته منظمة وطنية، إلى لعب هذا الدور الوطني مجدداً، عن طريق تنظيم حوار وطني جامع يقوده بالتنسيق مع هياكل وطنية أخرى على غرار الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وعمادة المحامين".
وأوضح أن "هذا الحوار يجمع مختلف الأحزاب السياسية، على الأقل التي كانت ممثلة في برلمان 2019 وتلك التي كان لها تاريخ نضالي قبل الثورة، إضافة لمختلف منظمات المجتمع المدني الفاعلة والنشيطة، ومختلف الشخصيات الوطنية".
كما أكد أن هدف هذا الحوار هو "الاتفاق على مخرج سلمي وآمن للوضع الحالي يشمل مجموعة من النقاط، لعل أهمها الدعوة لتنظيم انتخابات رئاسية مبكرة، ودعوة الرئيس للتفاعل معه واحترام مخرجاته".
استبعاد لانفراج سياسي قريب
من ناحيته، استبعد القيادي في حزب "تحيا تونس"، مصطفى بن أحمد، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "يكون هناك انفراج سياسي في العام 2023، بل سيزداد الوضع تعقيداً على كل المستويات وسيسوء الأمر أكثر، فهناك فرق بين التمني والوقائع، على الرغم من تمنياتنا بنهاية الأزمة".
وبيّن أن "تركيز المجلس الجديد لن ينهي الأزمة ولن يقود إلى الاستقرار السياسي، فأمر المجلس القديم انتهى، والمنظومة الجديدة تقوم على وهم كبير انتهى، والبرلمان المقبل سيكون مؤسسة شكلية وجزءاً من المشهد المتردي والرديء".
وشدد بن أحمد على أنه "بالنسبة للمعارضة فوضعها مثل السلطة، اذ لا يوجد أي تصورات، وكل طرف يتمترس حول واقعه". وأشار إلى أن "العلاقة بين السلطة ومعارضتها، تتلخص في الفعل ورد الفعل".
وأوضح أن "الوضع يسير نحو مزيد من إنتاج التراكمات، والأزمة ستولد نقيضها ولن تتواصل نحو ما لا نهاية بل ستذهب نحو العمق، والخطر الذي يجب أن تتجنبه كل الأطراف هو الوصول لتفجر اجتماعي خصوصاً بعد قانون المالية الجديد والارتفاع المتواصل للأسعار". وأكد أنه "في غياب قوى مؤطرة للعملية السياسية وللوصول إلى حل، نخشى على البلاد من الانحراف نحو الفوضى".
عازمون: من المنتظر أن تكون السنة الجديدة أفضل لتونس والتونسيين على كل الأصعدة
من جهته، لفت رئيس حركة عازمون، العياشي زمال، في تصريح لـ"العربي الجديد" إلى أنه "من المنتظر أن تكون السنة الجديدة أفضل لتونس والتونسيين على كل الأصعدة، ونأمل أن تتجاوز تونس هذه الوضعية الصعبة والمُعقّدة".
وأشار إلى أن سنة 2022 "كانت مثل سابقاتها، صعبة على التونسيين من جهة تدهور المقدرة الشرائية وارتفاع الأسعار وانهيار منظومات الإنتاج وفقدان المواد الغذائية والأدوية". وأكد: "نحن بطبيعتنا متفائلون بالمستقبل، والبلاد تمتلك مقومات تجاوز هذه التحديات، فالنخب التونسية مؤمنة بالديمقراطية ومكاسب الحريات والحقوق السياسية لا مجال للتراجع عنها".
وتوقع أن تكون السنة الجديدة "سنة استئناف المشروع الديمقراطي، لكن وفق رؤيا وتصورات وآليات تقطع مع الفشل الذي عرفته تونس طيلة العشر سنوات الماضية". كما أكد: "نعتقد أن حواراً وطنياً تشاركياً، تقوده المنظمات الوطنية، وتشارك فيه القوى والأحزاب السياسية فضلاً عن الكفاءات التونسية، سيكون من أهمّ الأحداث السياسية في طريق استرجاع حياة ديمقراطية".
اتفاق مكونات المعارضة على التقارب
في غضون ذلك، أفاد القيادي في "ائتلاف الكرامة"، زياد الهاشمي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، بأن "جميع المعطيات والمؤشرات تقول إننا مقدمون على سنة صعبة جداً اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، خصوصاً بعد صدور قانون المالية الكارثي والذي كان مذبحة في حق المواطن والطبقة الوسطى والعمال".
وأوضح أنه "باعتبارنا جزءاً من جبهة الخلاص الوطني، فقد تقرر أن تكون بداية الاحتجاجات يوم 14 يناير/ كانون الثاني الحالي، وستكون بطريقة مغايرة تماماً لما سبق". وشدد على أن "المرحلة الجديدة والتطورات الخطيرة تتطلب التحرك والدخول في مواجهة مع سلطة الانقلاب حتى نوقف هذه الجرائم في حق شعبنا ولننقذ ما يمكن إنقاذه".
بدوره، أشار القيادي في "جبهة الخلاص"، العجمي الوريمي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "السنة السياسية الجديدة هي سنة كل المخاطر وفي الوقت نفسه سنة الأمل في طيّ صفحة الانقلاب البغيض".
وبيّن الوريمي أنه "على الرغم من أن المعارضة لا تزال مشتتة فإن جل مكوناتها متفقة على ضرورة التقارب والعمل على إيجاد منطقة مشتركة لمواصلة عزل الانقلاب الذي يعيش ورطة حقيقية بعد مهزلة الانتخابات".
ولفت إلى أن "قوى المعارضة تتفق على أن البلاد دخلت مرحلة العد التنازلي لحكم منظومة 25 يوليو/ تموز، وأن من مسؤولية المعارضة والأطراف الاجتماعية والقوى الحية وجميع الوطنيين الاتفاق على خريطة الخروج من المأزق واعتبار سعيّد عقبة في طريق ذلك، لا جزءاً من الحل".
الوريمي: قوى المعارضة تتفق على أن البلاد دخلت مرحلة العد التنازلي لحكم منظومة 25 يوليو
وأكد الوريمي على "أننا في جبهة الخلاص نعتبر أن الحوار الوطني ينبغي أن يفضي إلى ضبط ترتيبات نقل السلطة وترتيبات الإنقاذ من حكومة للإنقاذ والإصلاح إلى انتخابات مبكرة تشرف عليها هيئة مستقلة". وأوضح أن ذلك "يستلزم رفض تواصل المسار الانتخابي الذي يريد سعيّد المضي فيه على الرغم من مقاطعة الشعب ورفض التعامل مع أي هيئة يفرزها هذا المسار أو الاعتراف بها".
وفي السياق، بيّن القيادي في حزب العمل والإنجاز، أحمد النفاتي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "نسبة المقاطعة للانتخابات البرلمانية التي قاربت 90 في المائة تترجم زلزالاً سياسياً ينبئ بنهاية المشروع الشعبوي للرئيس والذي قاطعته جميع الأحزاب والنخب وأطياف المجتمع المدني". ورأى أن "إصرار سعيّد على تمرير مشروعه السياسي أصبح يهدد السلم الاجتماعي، وستشهد الأيام القليلة المقبلة مطالب واضحة نحو المضي إلى انتخابات رئاسية سابقة لأوانها في أقرب وقت".
وشدد على أن "نتائج الانتخابات وحّدت تقريباً كل مواقف المعارضة، وشهدت الساحة السياسية ديناميكية نضالية واسعة". وأكد أن هذه الديناميكية "تهدف إلى استعادة الديمقراطية وتجديد الشرعيات للمؤسسات الوطنية الكبرى، وعلى رأسها ترسيخ برلمان حقيقي والمضي نحو القيام ببعض الإصلاحات الدستورية". ولفت إلى أن هذه الإصلاحات "تضمن التداول السلمي على السلطة عبر قانون انتخابي يعيد الاعتبار للأجسام الوسيطة ويجنب الدولة تشتت السلطة".
مناصرو سعيّد يتوقعون انطلاق عملية التنمية
على المقلب الآخر، فإن داعمي مسار سعيّد يتجاهلون الأزمات التي تمر بها البلاد، مركزين على اكتمال ما يعتبرونه الانتقال السياسي لبدء معالجة القضايا الاقتصادية والمعيشية.
في هذا الصدد، أكد القيادي في حركة الشعب، أسامة عويدات، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه "بعد الدور الثاني للانتخابات البرلمانية، سنشهد تركيز البرلمان وسيتم الذهاب نحو تحديد رئاسة البرلمان والنظام الداخلي الجديد".
أولاد علي: الدولة التونسية الجديدة ستكون كالمولود الذي نزل إلى الحياة
وتابع: "نحن نفكر في العمل على رسم سياسات عامة تتعلق بالإصلاحات الكبرى في البلاد كالتربية والجباية والمؤسسات العمومية وهذا تصورنا العام". واعتبر أنه "يجب التركيز على التشريعات والعمل الجهوي (المناطقي) المعطل، للقيام بالإصلاحات الضرورية في مختلف المجالات".
من جهته، قال القيادي في "حراك الشعب يؤسس"، عبد الحميد أولاد علي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنه "ينتظر مع السنة الإدارية الجديدة اكتمال مؤسسات الدولة بعودة مؤسسة مجلس النواب مهما كانت طبيعة النواب".
وأوضح أن "الدولة التونسية الجديدة ستكون كالمولود الذي اكتملت أعضاؤه ونزل إلى الحياة، وتنطلق مراحل بناء مرتكزات الدولة القوية لاسيما في مدى تطبيق القانون".
وأشار إلى أنه "بذلك ستتغير رؤية الدول المانحة والصديقة والتي تربطها بتونس مصالح مشتركة، وسيفرض عليها الواقع التعامل مع الدولة وسياستها الجديدة". ولفت إلى أنه "لن نبقى كثيراً في منحى الانتقال السياسي خصوصاً بعد عودة مجلس النواب وإنشاء الهيئات الدستورية، وسننطلق في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية المبنية على الشراكة بين العام والمواطني كشكل جديد لمنوال تنموي يتماشى مع السياسات الجديدة للدولة ودستور 2022".