شهدت الأيام الأخيرة في تونس خلافات كبيرة بين الرئيس التونسي قيس سعيد وبرلمانه، بخصوص مشروع قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني. وبينما كان النواب متحمسين للمصادقة على القانون، مشحونين بسقف الخطاب العالي للرئيس سعيد بشأن القضية الفلسطينية وشعاره، الذي رفعه أيام حملته الانتخابية بأن "التطبيع خيانة كبرى"، فاجأ الرئيس الجميع، وقال وفق ما نقله رئيس البرلمان، إبراهيم بودربالة، إن "هذا القانون سيضر بمصالح الدولة الخارجية".
وقطع بودربالة جلسة المصادقة، الأسبوع الماضي، ثم عاد في البث التلفزيوني المباشر، يقول إن الرئيس التونسي قيس سعيّد صرّح له بأنّ "مقترح تجريم التطبيع سيضرّ بالمصالح الخارجية لتونس، وأنّ الأمر يتعلق بخانة الاعتداء على أمن الدولة الخارجي".
وقُطعت الجلسة إثر ذلك وسط ذهول كبير من نواب ومتابعين، ليخرج الرئيس في خطاب رسمي، موجه للخارج وللداخل، قال فيه كلاما كثيرا عن دعم القضية الفلسطينية، ولكنه أوضح أنه يمكن الاعتماد على فصل قانوني في المجلة الجزائية في هذه المواضيع، بما يعني ضمنيا أنه لا حاجة لقانون تجريم التطبيع.
ووضع موقف الرئيس، البرلمان، في حرج شديد، فكيف يمكن مواصلة جلسة تم قطعها بتلك الطريقة، وما هي الخطوات التي يمكن اتخاذها بعد موقف الرئيس، وهل سيدخل نواب من البرلمان في مواجهة مع سعيد؟
امتحان للعلاقة بين النواب والرئيس
مكتب البرلمان الذي انعقد مساء أمس الثلاثاء، دعا رؤساء الكتل إلى الانعقاد يوم الثلاثاء المقبل 14 نوفمبر للتداول في الموضوع. وقد يكون هذا التأجيل المتكرر مؤشرا على التخلي عن هذا القانون وسيكون في كل الحالات امتحانا للعلاقة بين النواب والرئيس.
وقال رئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية والقانونية شاكر الحوكي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "هذا البرلمان عند بداية أعماله قدم صورة بأنه موحد وأنه مصطف وراء سعيد، وأنه سيكون نموذجيا وأفضل خلف لأسوأ سلف (البرلمان السابق)، لكن هذا لم يثبت، ففي أول خلاف جدي يوضع أمام البرلمانيين الجدد ثبت أن هناك انشقاقا بينهم".
وأضاف الحوكي، وهو أستاذ في القانون الدستوري، أن "برلمان الانقلاب لا يمكن تقييمه على أساس البرلمانات السابقة، ولا حتى مع التي كانت خلال فترة حكم الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، ومن يقيّمه كذلك لم يفهم شيئا من الانقلاب، فهذا البرلمان لا يرتقي لغرفة تسجيل، وقد جُعل ليكون تابعا لرئيس الدولة وليس له أي رأي أو شأن".
وتابع أن "البرلمان كشف كذلك أن هناك صراعا داخليا، وتفيد التحليلات أن هناك كتلة موالية لقيس سعيد يقولون ما يقول ويتبعون ما يرسم من خيارات، وهناك كتلة ثانية هي كتلة القوميون العرب وما لف لفهم من بقايا يسار".
وأشار الحقوقي التونسي معلقا على خطاب سعيد "أن القانون لن يمرّ، وأنه حسم الموضوع بأنه من اختصاصه، والواضح أن ظهوره على تلك الشاكلة، أي أنه أخذ المسألة على محمل الجد، فالأمر تطلب التوجه مباشرة للشعب لحسم الخلاف، وبالتالي تم استبعاد وتقزيم موقف كامل تم الاشتغال عليه في البرلمان، بحجة أنه لا وجود أصلا لإسرائيل حتى يتم التطبيع معها، وهذا طبعا كلام فارغ".
وشدد الحوكي على أن "سعيد خسر من شعبيته بسبب هذا الموقف، فالقول إن هناك ضرورة لمراعاة الأمن الخارجي، كما نقل عنه رئيس البرلمان، يعني وكأن هناك خطوطا حمراء لا يمكن أن يتجاوزها، بينما أقدم على القيام بانقلاب بالتمام والكمال وهذا يعني إذا وجود ضوء أخضر، وبالتالي هذا الموقف يورطه بالكامل على اعتبار أن الانقلاب كان مسنودا من الخارج".
حزب العمال اليساري، كان قد أدان السبت الماضي، ما اعتبره "تدخل الرئيس التونسي قيس سعيّد لوقف إصدار قانون يجرّم التطبيع"، معتبرًا أنّ ذلك بمثابة "طعنة لفلسطين في هذه اللحظة التي يتعرض فيها شعبها في غزة لحرب إبادة".
وقال في بيان له، إنّ" ذلك أقام الدليل على أن سعيّد هو الحاكم بأمره الذي يسير المؤسسات حسب أهوائه.. ولا تتجاوز مناصرته للقضية الفلسطينية حدّ الشعارات الفضفاضة".
من جانبه، اعتبر الحزب الجمهوري في بيان له، أن "تعطيل تمرير هذا القانون تحت طائل أي ضغوط يضع الدولة وموقفها على المحكّ، لأن الدولة تدار بالقرارات لا بالشعارات".
وعقدت النهضة، الاثنين الماضي، ندوة صحافية أكدت فيها أن أولوية الاحتجاجات مع جبهة الخلاص الآن هي القضية الفلسطينية.
لا للمزايدة
وعلى هامش الندوة، أكد عضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة بلقاسم حسن في تصريح لـ"العربي الجديد" أن ما حصل في البرلمان حول مشروع قانون تجريم التطبيع "مضحك".
وأضاف حسن أن "هذا يبرز أن هناك تصريحات تحت الطاولة، في علاقة بما قيل لرئيس البرلمان وما يمارس داخل اللجنة المكلفة بالمشروع والجلسة العامة، وآخر فوق الطاولة في علاقة بما يقال للإعلام وما تمارسه سلطة الانقلاب في إطار حملة ودعاية انتخابية".
وتابع أن "البرلمان منصّب والرئيس سبق وقال إن له دورا محددا وكل نائب مسلط عليه سيف سحب الوكالة"، مؤكدا أن "كل هذا يدخل في باب اللاديمقراطية واللاشرعية".
ولفت القيادي في "النهضة" إلى أنه "يجب التمييز بين قانون تجريم التطبيع في المطلق وهذا البرلمان المنصب وغير الشرعي، الذي لا يمثل إرادة التونسيين"، مشيرا إلى أن "تونس ضد التطبيع دولة وشعبا، ولا علاقة للتونسيين بالكيان المتسلط على الشعب الفلسطيني والتونسيون مع فلسطين ومع المقاومة".
وأوضح أنه "ضد المزايدة السياسية، وبخصوص تجريم التطبيع فإن القوانين التونسية تفرضه ولا علاقة لتونس بهذا الكيان، ولا يمكن وضع قوانين تدعو مثلا لقطع العلاقة مع مصر والأردن وموريتانيا وغيرها لأن هذه مزايدة سياسية".
وذكّر بأن "مشروع القانون كان عُرض على البرلمان الشرعي سابقا وهو مختلف عن مشروع القانون الحالي، وفيه فعلا نقاط تجرّم التطبيع على الدولة التونسية مع الكيان الصهيوني، ومرّ بصفة استعجالية على لجنة الحقوق والحريات ثم جاء الانقلاب وأسقط كل شيء، وكان مطروحا فيه أخذ رأي الدولة عبر رئاسة الجمهورية والحكومة ووزارة الخارجية وحتى المجتمع المدني".