تصاعدت الخلافات داخل مجلس هيئة الانتخابات التونسية إلى حدّ توجيه طلب إعفاء عضو ثالث منها، ليتوسع الشرخ في تركيبتها، مما يعمق أزمة الثقة ويهز مصداقيتها أكثر، بحسب خبراء الشأن الانتخابي.
وتعيش الهيئة على وقع خلافات داخلية منذ تعيينها، بأمر أصدره الرئيس التونسي قيس سعيّد، في 9 مايو/أيار 2022، استبعد من خلاله الهيئة السابقة برئاسة نبيل بفون، وعيّن عضوها فاروق بوعسكر رئيساً لها.
وقال المتحدث باسم هيئة الانتخابات، محمد التليلي المنصري، لـ"العربي الجديد"، إن "مجلس الهيئة المجتمع أمس الثلاثاء قرر اقتراح طلب إعفاء العضو ماهر الجديدي، بسبب مخالفته واجب التحفظ والحياد". وأضاف أن "مجلس الهيئة كيّف ما بدر عن الجديدي من تصريحات وممارسات بالتجاوزات التي تستوجب إعفاءه"، موضحاً أن "طلب الإعفاء سيوجَّه إلى رئيس الجمهورية للنظر فيه".
وفي 25 يونيو/حزيران الماضي، كشف بوعسكر عن أن هناك جهات تريد تفجير الهيئة من الداخل، متهماً نائب الرئيس سابقا، ماهر الجديدي، بخرق واجب التحفظ بسبب تصريحاته التي عبّر فيها عن موقف سياسي تجاه المرسوم الرئاسي عدد 10 (يتعلق بتنظيم انتخابات المجالس المحلّية وتركيبة المجالس الجهويّة ومجالس الأقاليم)، في تزامن مع حملة تشكيك وانتقاد سياسي للمرسوم، معتبرا أن "خروج الجديدي عن واجب التحفظ كان سببا في إعفائه من منصب نائب الرئيس في السابق".
وكان الجديدي قد صرح، في وقت سابق، أنه "ليس من دور الهيئة تقسيم التراب التونسي إلى دوائر انتخابية، وأن الجهة الوحيدة المخولة لذلك بموجب القانون هي الجهة الحكومية"، معتبرا أن ما تقوم به الهيئة خارج عن إطار القانون.
في السياق، قال الجديدي، في تصريح إذاعي، إن "انعقاد مجلس الهيئة مخالف للقانون"، مؤكدا أنه سيتظلم بدوره لدى رئيس الجمهورية، كما سيتوجه إلى الجهات القضائية.
وفي يونيو/حزيران 2022، أعلن القاضي العدلي وعضو هيئة الانتخابات، الحبيب الربعي، عن استقالته من مجلس الهيئة، تضامنا مع القضاة الذين تم عزلهم بمرسوم رئاسي، ودخلوا في إضراب عن الطعام.
وعزل مجلس الهيئة في أغسطس/آب 2022 العضو سامي بن سلامة، بعد أن طلب رئيس الهيئة من سعيّد إعفاءه، غير أنه لم يستجب لطلب الهيئة. في مقابل ذلك، يتمسك بن سلامة بعضويته كاملة، ويعتبر كل ما أقدمت عليه الهيئة باطلا.
وتطور الخلاف بين بن سلامة والهيئة من الاتهامات الإعلامية إلى التقاضي في المحاكم.
ونظمت الهيئة المكونة من 7 أعضاء عند تعيينها استفتاء 25 يوليو/تموز، ومن بعده الانتخابات التشريعية بجولتيها الأولى والثانية منقوصة عدديا من العضوين بن سلامة والربعي، فيما تستعد لإعفاء العضو الثالث ماهر الجديدي.
واعتبر الخبير الدولي في الشأن الانتخابي، والرئيس السابق لشبكة "مراقبون"، محمد مرزوق، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "تجدد الخلافات والصراعات داخل هيئة الانتخابات أمر مؤسف". وتابع: "كانت هيئة الانتخابات التونسية بعد الثورة تحظى بمصداقية كبيرة على المستوى العربي والأفريقي، وفي تونس خصوصا، وليس بالأمر السهل والهين أن تحصل الهيئة على ثقة التونسيين بعد سنوات من تزوير الانتخابات على مدى عقود قبل الثورة".
وأضاف الرئيس السابق لشبكة "مراقبون": "تميزت الهيئة بالحياد رغم بعض الهنات... ولكن لا ينكر أحد داخل تونس وفي الخارج نجاحاتها والسمعة الحسنة والمصداقية والحياد عن السلطة التنفيذية (حيادا ليس مطلقا)، والثقة التي بنيت بالشفافية مع المجتمع المدني والإعلام، والتشاركية في القوانين والقرارات مع الأحزاب والمجتمع المدني والنقاشات في البرلمان".
واستدرك مرزوق قائلا: "كل هذا ألغي اليوم مع الهيئة الحالية، بداية بإلغاء السلطة القائمة (قيس سعيّد) للسلطة التشريعية والمراسيم التي صدرت (بعد 25 يوليو/تموز 2021) دون مشاركة السلطة التشريعية، وكذلك المجتمع المدني، بعد أن كان الفضاء الوحيد لإبداء الرأي والتشاركية هو البرلمان".
وبيّن المتحدث "في السابق كان هناك حد أدنى من الشفافية والتشاركية في صياغة القوانين الانتخابية في الترشيحات والمناقشات واتخاذ القرارات، واليوم المراسيم التي تعمل وفقها الهيئة من إحداثها وتكوينها والانتخابات التي أجريت هي مراسيم أنجزت في غرف مظلمة دون أي تشاركية، وطريقة إنتاج القوانين حولها كثير من نقاط الاستفهام، دون الخوض في الخلفية السياسية لرئيس الدولة أو مستشاريه أو من أنتج القوانين".
وشدد مرزوق على أنه "علاوة على ما يحوم حول هذه القوانين والمراسيم، فإنه يطرح مسألة حياد الهيئة بداية من تعيينها إلى تنظيمها، فقد أصبح الحياد شبه لاغ بعد أن أصبح التعيين بيد شخص واحد، فاستقلالية القاضي وترقيته مرتبط بمن يعيّنه، وكذلك عضو هيئة الانتخابات، فكما يتم التشكيك في استقلالية القضاة المعيّنين، يشكك التونسيون في استقلال هيئة تنظيم الانتخابات".
وأضاف الخبير الدولي في الشأن الانتخابي: "تضاف إلى مسألة التعيين والتشكيك في الحياد، المشاكل الداخلية التي تعيش على وقعها الهيئة وعدم احترام الرأي المخالف داخلها، وعدم احترام الضوابط المهنية، وما نتج عنه من صراعات ومشاكل داخلية".
وتحدث مرزوق عن "العضو الأول الذي استقال، ثم العضو الثاني، الذي لا تزال قضيته معروضة أمام المحاكم دون أن يجري الفصل فيها إلى الآن، وبذلك تَعتبر الهيئة اليوم بن سلامة معفيا، أما هو فيؤكد على أنه مازال عضوا بالهيئة، قبل أن يضاف اليوم الخلاف مع العضو ماهر الجديدي".
وبين مرزوق أنه "بالنسبة للمجتمع المدني والمراقبين، فإن مصداقية الهيئة اهترأت واهتزت بهذه الخلافات، وكنا في منظمة "مراقبون" ندافع منذ التأسيس عن حياد الهيئة وعدم تنظيم الانتخابات من قبل وزارة الداخلية، واليوم بمرور الوقت نلاحظ أن تنظيم الانتخابات أصبح غير بعيد عن طريقة تنظيمها من قبل وزارة الداخلية سابقا، في ظل غياب الشفافية، وبوجود أعضاء معيّنين، وبتفرد في القرارات من رئيس الهيئة، وكل من يعارضه يجد نفسه مهددا بالطرد والإعفاء أو الاستقالة".
وأشار الخبير الدولي إلى "تداعيات ذلك على المشروع الكبير الذي تعمل عليه الهيئة من تقسيم وتحديد ترابي ذي أهمية مستقبلية وبعد وطني، دون أن تعقد الهيئة أي اجتماع مع أي طرف سياسي أو فصيل حزبي، ولا أي اجتماع مع أي ممثل للمجتمع المدني أو مهتم بالشأن الانتخابي، وهذا في حد ذاته مشكل، ولا يمكن قراءة إقالة العضو الثالث خارج هذا السياق".