تأخر ضرب "داعش" في سورية ينعش دعوات التدخل البري

21 سبتمبر 2014
خلافات بين أوباما والجنرالات حول إدارة المعركة (جو ريدل/Getty)
+ الخط -
تدل كل المؤشرات على أن الغارات الجوية على تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) داخل الأراضي السورية، لن تبدأ قبل لقاء الرئيس الأميركي باراك أوباما بزعماء العالم في نيويورك، ليبدو العمل الأميركي وكأنه تفويض عالمي وليس عملاً منفرداً.

ومن المقرر أن يُلقي أوباما كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الأربعاء المقبل لتوضيح وجهة نظره تجاه القيام بعمل عالمي ضد "داعش"، كما سيرأس اجتماعاً لزعماء العالم لوضع استراتيجية لمنع المقاتلين الأجانب الذين انضموا لهذا التنظيم من العودة إلى بلادهم لشن هجمات ضد المدنيين.

وكان أوباما أكد في كلمته الإذاعية الاسبوعية أن الحرب ضد "داعش"، "ليست حرب الولايات المتحدة فقط بل حرب شعب المنطقة والعالم ضد التنظيم"، مشدداً على "أننا لن نتردد في التحرك ضد هؤلاء الارهابيين في العراق وسورية". وقال "سنقود تحالفاً واسعاً يضم دولاً لها مصلحة في ذلك"، مشيراً الى أنه "سيواصل هذا الأسبوع في الأمم المتحدة حشد العالم ضد هذا التهديد".

وبغض النظر عن الدافع السياسي المشار إليه سابقاً، فإن التأخر الملحوظ في بدء الغارات الجوية الأميركية على مواقع "داعش" في سورية، التي اتخذ البيت الأبيض قرار الشروع في شنها منذ ما يقارب الأسبوعين، يؤكد صحة التقارير التي تناولتها الصحافة الأميركية عن خلافات بين أوباما وجنرالات الحرب في وزارة الدفاع (البنتاغون) بشأن كيفية التنفيذ.

وتفيد بعض التسريبات أن أوباما يريد أن يتولى بنفسه الموافقة على كل غارة تُشن داخل الأراضي السورية قبل بدئها وأن يتم إبلاغه مسبقاً بالأهداف المنوي مهاجمتها، في حين يعتبر القادة العسكريون هذا الطلب غير عملي وسيكون مرهقاً لهم وللقائد الأعلى. كما يشكو بعض الجنرالات من أن الرئيس كلّفهم بمهمة تقويض "داعش"، لكنه في الوقت ذاته اشترط عليهم ألا يستخدموا الوسيلة التي يملكونها لإنجاح الهدف وهي الجيش الأميركي. وهذا الأمر كمن يكلف أتباعه بضرب أحد الخصوم بشرط ألا يستخدموا مع هذا الخصم العصا وإنما يكتفون برجمه عن بُعد بالحجارة، الأمر الذي قد يستفز هذا الخصم من دون أن يؤدي إلى تكسير ضلوعه.

لكن الأستاذة في جامعة الدفاع الوطني في واشنطن نتاليا دنيس، ترى أن تأخر سلاح الجو الأميركي في تنفيذ الغارات له ما يبرره عملياً، لأن المعلومات المتوفرة للولايات المتحدة عن العراق ليست متاحة بنفس القدر عن سورية، وأن هناك استعدادات ميدانية لا تزال تجري لجمع المعلومات.

وتشير دنيس، في لقاء مع محطة "إم إس إن بي سي"، إلى أن أكثر من ثلثي مقاتلي "داعش" في سورية هم من المقاتلين الأجانب المستميتين لقتال الولايات المتحدة، في حين أن الوضع مختلف في العراق لأن معظم من يلتحق بـ"داعش" هم من العراقيين الذين جاء انضمامهم نتيجة المعاناة من سياسات الحكومة العراقية السابقة تجاههم، أي أن خصمهم الأول هو تلك السياسات وليس الولايات المتحدة بالضرورة. وفي العراق هناك من يقوم بالمهمة على الأرض أما في سورية فليس هناك حتى الآن أي جيش حليف.

وفي خضم هذه الصعوبات عادت مجدداً الدعوات إلى إرسال جيش بري أميركي إلى سورية لأداء المهمة بنجاح وعدل، بظل الجدل بين أصحاب هذه الدعوات وآخرين من المعارضين لأي تورط بري، في حين أن أوباما يقف بين وجهتي النظر في حيرة من أمره.

وكشف النائب الجمهوري إد رويس، في حديث تلفزيوني، عن أنه التقى بسفراء عرب في واشنطن وأبلغوه أن مخاوف تعتريهم بسبب غياب الثقة داخل العراق بالأميركيين خصوصاً من العشائر السنّية التي كانت جزءاً من الصحوات وساعدت على استئصال تنظيم "القاعدة"، ثم جرى بعد ذلك إهمالها، وحتى الأكراد أنفسهم يواجهون الكثير من الصعوبات حالياً في الحصول على المعدات والتسليح الذي يريدونه، وفقاً لما ذكره السفراء العرب للنائب رويس.

أما في ما يتعلق بتسليح المعارضة السورية، فقد تساءل المعلّق السياسي الأميركي في محطة "إن بي سي نيوز" تشاك تود هل أن المعارضة السورية مستعدة أصلا لمحاربة "داعش" أم أنها تعتبر نظام الرئيس السوري بشار الأسد هو العدو وليس "داعش"؟

مثل هذه التساؤلات وغيرها تدعم وجهة نظر الجنرالات الأميركيين بأن الحرب البرية لا مفر منها في نهاية الأمر، لأن مواجهة داعش بخمسة آلاف متدرب من المعارضة السورية هو بالفعل نوع من التخريف كما وصفه أوباما من قبل.

وعندما رفضت مستشارة أوباما لشؤون الأمن القومي، سوزان رايس، إعطاء الصحافيين في البيت الأبيض إجابة واضحة عن موعد بدء الغارات الجوية على مواقع "داعش" في سورية، بدت وكأنها تتظاهر بإخفاء الموعد، في حين أن نبرتها كانت واضحة بأنها لا تدري وربما أن أوباما نفسه لا يدري لأن القرار اتُخذ والاستعدادات لم تتم.

ولهذا تهربت رايس من الإجابة قائلة "لا أظن أنه من الصواب أو الحكمة أن أعلن من هذه المنصة على وجه التحديد متى سيحدث ذلك وما هي الخطوات التي يجب اتخاذها قبل أن يحدث ذلك". وأضافت رايس، وفقاً لما نقلته وكالة "رويترز" عنها، أن "أي هجمات في سورية ستكون في وقت ومكان من اختيارنا"، وتابعت: "متى وكيف نختار فعل ذلك سيكون قراراً يتعلق بالعمليات".

وكان الرئيس الأميركي أعلن في العاشر من سبتمبر/أيلول الحالي أنه أجاز شن هجمات جوية في سورية. وقال المتحدث باسم البيت الأبيض جون إيرنست إن أوباما اطَّلع يوم الأربعاء في مقر القيادة الوسطى الأميركية في تامبا في ولاية فلوريدا، على الخطط الطارئة التي أعدها القادة العسكريون ووجدها "شاملة جداً".

أما وزير الدفاع الأميركي تشاك هاغل فقد اعطى انطباعاً خلال شهادة أمام الكونغرس يوم الخميس الماضي بأن أوباما يتعين عليه اتخاذ قرار خطة الهجوم النهائية. وقال للجنة القوات المسلحة في مجلس النواب إن "الرئيس لم يوافق بعد على شكلها النهائي."

ورغم الإصرار الذي يبديه الرئيس الأميركي على استبعاد إرسال قوات برية أميركية مقاتلة لمواجهة "داعش"، فإن هذا الإصرار لا يعني أن أوباما لن يغيّر رأيه غداً، بل قد يتبنى وجهة نظر معاكسة تماماً لرأيه الحالي. ولا يزال الأميركيون يتذكرون كيف كان أوباما يسخر من مطالب تسليح المعارضة السورية ويعتبر ذلك نوعاً من التخريف الذي لا يجدي، ثم أصبح الآن يدافع بشدة عن الفكرة التي تحوّلت لاحقاً إلى مشروع قانون تقدم به بنفسه إلى الكونغرس الأميركي وتمت المصادقة عليه.