تأخر الحركة القضائية في تونس: أداة هيمنة بيد الرئيس لتثبيت نفوذ السلطة التنفيذية

01 اغسطس 2023
من تظاهرة سابقة للقضاة والمحامين التونسيين (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

أكد قضاة تونسيون، اليوم الثلاثاء، أن القضاء في البلاد تحوّل إلى "مجرد وظيفة"، وأنه يمرّ بأسوأ فترة رغم المكاسب التي تحققت إبان الثورة التونسية، وذلك مع عدم صدور الحركة القضائية (التغييرات القضائية) منذ العام الماضي، بسبب الخلافات الكبيرة بين السلطة التنفيذية والقضاة، ومحاولة الأولى الهيمنة.

وعلى الرغم من أن الرئيس قيس سعيّد أعلن عن قرب صدور الحركة القضائية منذ حوالي شهر، يقلّل القضاة التونسيون من أهمية ذلك، لأن صدورها لن يحل المشاكل، ولن يعيد الاستقلالية لهذه السلطة.

وكان سعيّد قد التقى رئيس المجلس الأعلى المؤقت للقضاء المنصف الكشو، يوم 10 يوليو/ تموز الماضي. وتطرق اللقاء إلى الحركة القضائية للسنة المقبلة، مبيناً أنها بصدد الإعداد، وسيجري الإعلان عنها "في أقرب الآجال".

وقال رئيس جمعية القضاة الشبان مراد المسعودي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "وضع القضاء في تونس كارثي وشاذ، وبعيد كل البعد عن تكريس المعايير الدولية لاستقلال القضاء، إذ إن تونس أصبحت الدولة الوحيدة في العالم التي تكرّس "قضاء الوظيفة"، وتعطي للسلطة التنفيذية هيمنة عليه".

وأوضح المسعودي أن "القضاة يعملون تحت الضغط المستمر لرئيس الجمهورية، عبر خطاباته، وضغط وزيرة العدل ليلى جفال عبر التفقدية (جهاز تابع للوزارة)، وكأن القضاء أصبح وسيلة من وسائل الهيمنة السياسية، وهو ما نبهت من حدوثه جمعية القضاة الشبان، منذ الأشهر الأولى للانقلاب"، مبيناً أن "من مظاهر تحكم رئيس الجمهورية في مصير القضاء والقضاة حجز الحركة القضائية للسنة الماضية، والاستيلاء عليها، لأنها لم تنل إعجابه، رغم أنه جرى إعدادها من مجلس مؤقت وغير شرعي عيّنه الرئيس نفسه".

وأشار رئيس جمعية القضاة الشبان إلى أن "الحركة القضائية لم تعد وسيلة للاستجابة لمطالب المتقاضين أو القضاة، بل أصبحت مجرد "حدث سياسي"، تكرّس من خلاله حاجيات السلطة السياسية القائمة".

وقال إن "تعطيل الحركة القضائية مسّ بمصالح المتقاضين نظراً لوجود العديد من الشغورات، خاصة في المناصب القضائية السامية، واعتماد "تقنية التعويض" من وزارة العدل بقضاة أقل كفاءة وخبرة، فضلاً عن الإضرار بالقضاة الذين فوّت عليهم هذا النظام حق الحصول على ترقياتهم، ونقلهم وما يترتب عنه من الحرمان من امتيازات مالية مستحقة وأعباء تنقل إضافية".

من جهته، رأى رئيس المجلس الأعلى للقضاء (المنتخب الذي قام قيس سعيّد بحلّه)، يوسف بوزاخر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن القضاء يمرّ بحالة من الجمود، خاصة بعد إصدار المرسومين عدد 11 وعدد 35 وإعفاء عدد من القضاة (يونيو 2022)، مبيناً أن "الوضع أصبح رهين السلطة السياسية، ورضا رئيس الجمهورية على التسميات القضائية"، مشيراً إلى أن ذلك أيضاً "رهين استجابة المجلس الأعلى المؤقت للقضاء لطلبات السلطة".

ولفت بوزاخر إلى أن "الوضع غير مسبوق، لأنه من المفترض أن السلطة التنفيذية لا تتدخل في القضاء، ولكن منذ عامين تقريباً تمسك السلطة السياسية بالحركة القضائية، وبخيوط التسميات القضائية، ولديها القرار النهائي للحركة القضائية، وطبيعي أن تتعطل الحركة الأولى والثانية، ومهما كانت الحركة التي ستحصل فإنه سينتج عنها تململ وفوضى داخل المحاكم، وهذا سيعطل المرفق القضائي".

وبيّن أن "الحركة قد تصدر قريباً، بعد أن استقبل رئيس الجمهورية رئيس المجلس المؤقت للقضاء، حيث صرح بأن الحركة ستصدر في القريب العاجل"، مضيفاً أن "هذا التصريح مضى عليه نحو شهر، وهذا دليل على غياب الوضوح، حيث إن الحركة تعطلت العام الماضي، والأحكام الصادرة لفائدة القضاة الذين جرى عزلهم (بإعادتهم لمناصبهم) لم تنفذ".

وقال المتحدث إن "هذا الوضع سيزيد في تعكير وضع القضاء، ويعطل الحركة القضائية، إذ إنها قد تصدر، ولكن الإشكال أنها لن تحل مشكلة القضاء، وستبقى المشاكل عينها قائمة"، معتبراً أنه "لا بوادر لحلول في القريب العاجل". وأشار إلى أن "القضاء وظيفة، والموظف خاضع للسلطة التنفيذية، والقاضي الآن هو رئيس الجمهورية".

ويتفق القاضي عفيف الجعيدي مع هذا الرأي، قائلاً لـ"العربي الجديد" إن "الحركة القضائية قد تصدر قريباً، ولكن الرئيس هو الذي يتحكم فيها، وستكون رهن إرادته"، مبيناً أن "موعد الحركة القضائية هو فصل الصيف، وبالتالي لا يمكن الحديث عن تأخر إلى حدّ الآن، ولكن الإشكال لم يعد في الحركة القضائية، بل في محاولة السيطرة على القضاء ككل".

وأوضح الجعيدي أن "هناك قضاء دون أي ضمانات لاستقلال القضاء، والتي تُعتبر وفق المعايير الدولية ضرورية"، مبيناً: "نوجد في وضع لا يمكن الحديث فيه عن استقلال القضاء".

وشدد المتحدث على أنه "بعد كل ما تحقق من مكاسب، فإنه يمكن القول إن كل شيء بصدد الضياع، ويمكن القول إننا عدنا حتى قبل المربع الأول، فالقضاء يفتقر إلى ضمانات استقلاله، وهذا بشهادة أغلب التقارير الأممية"، مؤكداً أن "القضاء التونسي بحاجة إلى استرجاع الثقة، وعودة ضمانات استقلاليته".