بيير بوالييفر... شعبوي على رأس المحافظين الكنديين

13 سبتمبر 2022
بوالييفر وزوجته بمؤتمر الحزب إثر فوزه السبت (داف شان/فرانس برس)
+ الخط -

انتخب حزب المحافظين الكندي، السبت الماضي، السياسي والنائب من مقاطعة أونتاريو، المولود في كالغاري في الغرب، بيير بوالييفر، زعيماً جديداً له، خلفاً لإيرين أوتول، الذي أطاحه الحزب في فبراير/شباط الماضي.

ولم يكن انتخاب بوالييفر زعيماً للحزب مفاجئاً، بعدما ظلّ اسمه يتردد منذ فبراير لقيادة المحافظين، الذين يحتلون منذ عام 2015 مقاعد المعارضة في البرلمان الكندي، ضد حكومة جاستن ترودو الليبرالية.

يحتل حزب المحافظين منذ عام 2015 مقاعد المعارضة في البرلمان الكندي، ضد حكومة جاستن ترودو الليبرالية

وإذ يصف الإعلام الغربي والكندي بوالييفر بالسياسي "الشعبوي"، وحتى إن بعضه شبّهه بالرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، نظراً لتصريحاته المعارضة للحكومة في أوتاوا، وبعض مواقفه "الشعبوية"، إلا أن وصوله إلى رئاسة الحزب، يعكس الأزمة التي يعاني منها المحافظون الكنديون بشكل عام، من دون أن يشكل ذلك بالضرورة فرصة لإمكانية تقدّمهم في استطلاعات الرأي الوطنية، أو مزاجاً عاماً كندياً متغيراً.

وبدأ صعود بوالييفر، والذي يعد أحد وجوه الحزب التي تبناها زعيم الحزب (ومؤسسه) ورئيس الوزراء الكندي السابق، ستيفن هاربر، منذ إخفاق المحافظين في إلحاق الهزيمة برئيس الوزراء الليبرالي جاستن ترودو، في الانتخابات التشريعية التي كان دعا إليها الأخير العام الماضي، وأجريت في 20 سبتمبر/ أيلول منه.

وكان ترودو، الذي تراجعت شعبيته كثيراً منذ فوز حزبه بالانتخابات التشريعية في 2015، ووصوله إلى رئاسة الوزراء، قد دعا إلى انتخابات مبكرة في 2021، طمعاً بتعزيز حضور الليبراليين في البرلمان، للدفع بأجندته الاقتصادية لمرحلة ما بعد الخروج من كورونا.

لكن انتخابات سبتمبر عادت عليه بنتائج انتخابات 2019 ذاتها، أي بأكثرية ضعيفة، يحتاج معها إلى دعم نواب "الديمقراطيين الجدد"، الذين يملكون بحدود 30 مقعداً، لتمرير أي مشروع قانون. إلا أن تلك الانتكاسة، كانت أكبر على المحافظين، الذين لم يتمكنوا من اقتناص فرصة انحدار شعبية ترودو، للفوز بالانتخابات، ما يجعلهم بانتظار استحقاق مقبل لن يكون قبل عام 2025.

وفي كل الأحوال، فقد أصبح لكندا "ترامبها"، كما يقول المتابعون، بعد فوز بوالييفر بزعامة المحافظين وتقديم زوجته، أنايدا، له، خلال احتفال الفوز في أوتاوا، مساء السبت، على أنه "رئيس وزراء كندا المقبل".

بحثٌ متواصل عن "روح الحزب"

هكذا، برز بوالييفر كـ"منقذ للحزب" بدعمٍ استثنائي من هاربر، الذي دعا أعضاء الحزب للتصويت له والالتفاف حوله، لا سيما في ظلّ ما انتشر أخيراً حول انقسامات داخل المحافظين الكنديين، حاول الإعلام أيضاً تشبيهها بالانقسامات التي تسود المحافظين في بريطانيا أو الجمهوريين في الولايات المتحدة.

اعتمد بوالييفر، البالغ من العمر 43 عاماً، والمعروف بـ"سكيبي"، على وسائل التواصل الاجتماعي ومنصاته، للترويج لأفكاره

وبنى بوالييفر، خلال الأشهر الماضية، قصّة صعوده السياسي إلى قمّة هرم الحزب، بمعادلات أبسط بكثير من "نظريات المؤامرة" السائدة لدى الترامبيين، في الولايات المتحدة، أو أزمة "بريكست" في بريطانيا، التي جعلت بوريس جونسون يتقدم صفوف المحافظين، ويحظى بتفويض غير مسبوق في 2019، لخلافة تيريزا ماي.

فمن جهته، اعتمد بوالييفر، البالغ من العمر 43 عاماً، والمعروف بـ"سكيبي"، على وسائل التواصل الاجتماعي ومنصاته، للترويج لأفكاره، التي غالباً ما تتمحور حول تفنيد سياسات ترودو الاقتصادية، ومحاولة جذب الكنديين الممتعضين من الوضع المعيشي، وارتفاع أسعار العقارات، وأزمة تأخر صدور جوزات السفر خلال الصيف الحالي، أو حتى إغلاقات كورونا.

وابتعد بوالييفر عن اللقاءات الإعلامية التقليدية، وعمل على منصّاته، على نشر فيديوهات يظهر بها شارحاً أخطاء حكومة ترودو لمواجهة كوفيد، وسياسة الحكومة الليبرالية التي يعتبر أنها تقضم من القدرة الشرائية للمواطنين. واستغل بوالييفر، الذي كان شغل مناصب وزارية أيضاً في حكومة هاربر، إضراب سائقي الشاحنات في أوتاوا الشتاء الماضي، والذي امتد ليشّل طرقاً تجارية حيوية في البلاد، لينضمّ إليهم، ويتضامن معهم. وتمحور الإضراب حول رفض شهادة التطعيم المفروضة من الحكومة، والمرفوضة من المحافظين، لكن أياً من قادة الحزب المعارض لم يتجرأ على دعم احتجاج السائقين الذي شلّ البلاد 3 أسابيع.

وواصل بوالييفر طرح المواضيع الجدلية، مثل اعتماد العملات المشفرة حلاً لارتفاع نسبة التضخم في كندا، أو عزمه الطلب من أوتاوا اعتماد لغة "مبسّطة" للمنشورات الحكومية، إذا انتُخب رئيساً للحكومة المقبلة.

وتمكن بوالييفر من الوصول إلى زعامة الحزب، من الجولة الأولى، وذلك للمرة الأولى منذ حقّق هاربر ذلك في 2004. وحصل على أكثر من 68.15 في المائة، من نحو 400 ألف صوت في الجولة الأولى، متقدماً بفارق كبير على منافسه الرئيسي رئيس وزراء كيبيك السابق جان شاريست، الذي حصل على 16.07 في المائة من الأصوات.

واعتبرت المنافسة تصويتاً على "روح المحافظين"، بعدما ساد الحديث عن انقسامه. وأظهر الالتفاف الاستثنائي خلف بوالييفر، رغبة المحافظين في تخطّي خلافاتهم، وتفويض هذا السياسي القادر على التأثير في الرأي العام، لإحداث عملية "تحديث" داخل المحافظين الكنديين، الذين يعانون إلى حدّ ما من صيت "سيئ" لدى المواطنين الذين يرون فيهم "صانعي شرور" في العديد من المواضيع البيئية والاجتماعية والاقتصادية.

على النقيض من ذلك، فقد تعهد بوالييفر بأن يكون رئيس وزراء كندا المقبل "الذي لا يضع في جيوب النخبة، بل في جيوب الكنديين"، بعدما شابت عهد ترودو الكثير من الاتهامات له باستغلال السلطة لتمرير صفقات مشبوهة.

إلا أن صعود بوالييفر، المعروف بسلاطة لسانه، وقدرته على قول كل ما يفكر به، من دون اهتمام ببروتوكولات السياسة وتحفّظاتها، لم يمر دون انقسام داخل الحزب، مع بروز تيار "المحافظين الوسطيين كالجليد"، والذي تحول إلى "الكنديين الوسطيين كالجليد". ويقول هذا التيار الذي انشق عن الحزب المحافظ قبل الانتخابات، إن انشقاقه لا يعود لما كانوا يرون فيه فوزاً محسوماً لبوالييفر، بل لما يعتقدون بأنه افتقار السياسة الكندية لتناول مواضيع تهمّ للكنديين من منظور وسطي.

في المقابل، يقول متابعون إن بوالييفر ليس يمينياً متطرفاً بالمعنى الأيديولوجي للكلمة، بل طموح سياسياً، حتى لو كان شعاره "طرد حرّاس الهيكل"، وانتقاده الدائم البيروقراطية في أوتاوا. ويعول عليه الحزب لاستعادة شريحة من المحافظين، أخذها "حزب الشعب"، بقيادة ماكسيم برنييه، وجذب الناخبين الشباب.
(العربي الجديد)