بين فلسطين وأوكرانيا... والعرب

12 اغسطس 2022
تدفع فلسطين منذ سنوات ثمناً غالياً (محمد عبد/فرانس برس)
+ الخط -

سرّع العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، ومجمل السياسات الدموية الصهيونية، في طرح أسئلة المشهد العربي المأزوم بين مشروعين يبدوان متناقضين ظاهرياً.

فلسطين تدفع منذ سنوات ثمناً غالياً، وسط مشهد عربي متحوّل إلى ملاعب لمصالح الآخرين. في أحد أجزائه استُحضرت مقارنة بين ردود أفعال الغربيين على الغزو الروسي لأوكرانيا، وبين سياسات الاحتلال الإسرائيلي، بينما واصل معسكر التطبيع مسيرته نحو "الخلاص الفردي"، باعتبار الاحتلال حليفاً لمواجهة مشاريع إيران، ولكسب رضا الغرب.

في الحرب على غزة، بدت الأمور أكثر وضوحاً، باعتبارها عند البعض ضد حركة "الجهاد الإسلامي"، ربطاً بعلاقة الحركة بطهران. في المقابل، لم يكن المعسكر الآخر أقل صفاقة في انتهازية إغراق الرأي العام ببيانات تربط معاناة الفلسطينيين بوعود "إزالة إسرائيل"، وبعد أن ينهي "فيلق القدس" الإيراني الطريق إليها عبر دماء ودمار المدن وتفكك الدول العربية، من اليمن إلى العراق وسورية.

في التجربة الفلسطينية ما يكفي لاكتشاف نوعي الانتهازية التطبيعية، والشعاراتية-الممانعة، حين تحين اللحظة الحاسمة. منذ كامب دافيد، مروراً بمؤتمر مدريد 1991، وحتى سنوات التطبيع الأخيرة بحجة أنها "تخدم قضية فلسطين"، بقي شعار "مع ما يرتضيه أهل القضية" قائماً؛ بالطبع بعد الالتفاف على أهل القضية بشعارات "كل يقلع شوكه بيده".

وإذا كان التطبيع فشل لعقود في التحوّل إلى تيار عربي عام، فإن ما يقابله، واليوم تتزعمه طهران، ليس أقل فداحة في منح الذرائع، حين يحيل للأسف اسم القدس إلى تهكم من بيانات وتصريحات الاستخفاف بعقول الناس باسم "فيلق القدس" ومتفرعاته.

باختصار، الساحة العربية ليس قدرها أن تكون رهينة تيارين انتهازيين، يعمّقان المآسي والتفكك والانقسام، الفلسطيني والعربي. بل ربما يقدّم السجال الأخير فرصة حقيقية للأطراف الواعية، وإن تحت لغة المصالح، لفرملة الانحدار البائس.

تشخيص الكوارث، ومن بينها التمعّن، قبل المقارنة مع أوكرانيا، بالانكفاء العربي لمصلحة الاندفاع الصهيوني في أفريقيا وآسيا وأوروبا، وغيرها عالمياً، وتحويل الساحات العربية إلى ملاعب لمشاريع الآخرين، من أهم مقدمات وقف هذا العبث المدمر. ومن دون ذلك ستبقى حروب البيانات والشعارات تُكلّف فلسطين والعرب أثماناً كارثية، أكثر بكثير مما وصلنا إليه.

المساهمون